الطيوب : متابعة وتصوير / مهنّد سليمان
استمرارا لنشاطه العلمي والثقافي لعام 2023م أقام مجمع اللغة العربية بمقره في مدينة طرابلس محاضرة للدكتور “علي محمد رحومة” حملت عنوان (المنظومة القيمية وعوائق التنمية في المجتمع الليبي)، وذلك صباح يوم السبت 22 من الشهر الجاري قدمها وأدارها الدكتور “محمد مصطفى ابن الحاج” نائب رئيس المجمع، وفي مستهل حديثه أشار الدكتور رحومة إلى أن عملية التنمية تعد انتقالا بالمجتمع البشري من المستوى الأدنى إلى المستوى الأرقى في المعيشة وسبل الحياة المجتمعية، وهي بالتالي تتخطى الحواجز الاقتصادية المادية فتشمل ميادين الثقافة والفكر والعلم، والتصورات الإنسانية المتقدمة كافة، وتحديدا ما يُعرف حديثا بالتنمية البشرية والتنمية المستدامة ضمن أطر التنمية الوطنية الشاملة، وأوضح الدكتور رحومة في سياق متصل بأن قضية التنمية المنشودة لاسيما في المجتمع المحلي الليبي تقتضي بذل جهود هائلة وكبيرة للدفع بالمجتمع نحو عالم الحداثة الرقمية الحالي باعتبارها أقصى ما وصل إليه العالم اليوم من تقدم ونمو حضاري كبير، وأردف بالقول : أحد أبرز التمظرات المجتمعية لما بعد الحداثة المتوالدة أو ما بعد التكنولوجية في تطوراتها المتلاحقة المتداخلة التي بدورها تمثل الكائن البشري في أرقى ملامحه الحياتية الحاضرة، وحسب الدكتور رحومة أن الفرد اليوم أصبح يفكر كونيا ويتصرف محليا ما يعني بأن المجتمع الإنساني المعاصر له تفكيره المعياري الحصاري الذي ينمذجه شكلا ومضمونا.
ضرورة تبني خطط واعية وناضجة
كما أكد الدكتور رحومة إن عصر اليوم أصبحت التنمية الحقيقية هي جهود التحول إلى المعلوماتية المتطورة قلبا وقالبا بغض النظر عن مفاهيم المعلوماتية المتداخلة كتكنولوجيا البرمجيات الحاسوبية والمعرفة المنمذجة، والثقافة الرقمية التي أصبحت سلعة مصنعة، وبيّن الدكتور رحومة بأن المجتمع البشري اليوم أصبح هو أيضا مجتمع المعرفة، واقتصاده اقتصاد المعرفة، وإدارة مؤسساته إدارة المعرفة، وأضاف الدكتور رحومة في ذات السياق أن هناك منظومة قيمية قد أفرزها هذا المجتمع الإنساني المتقدم، والذي لا يمكن بلوغ مرحلته التطورية إلا بتبني هذه القيم وتجسيدها من خلال التطور الاجتماعي الطبيعي والمنمذج في آن، داعيا إلى ضرورة تبني التخطيط الواعي والناضج في مجتمعنا الليبي وفحص القيم المعيقة للتنمية المطلوبة وتشخيصها، ومن ثم معالجتها وإصلاحها وبناء نموذج قيمي فعّال.
التنمية العصرية المطلوبة
في المقابل أشار الدكتور رحومة إلى مبادئ إقامة مجتمع المعرفة المعتدمة لدى منظمة اليونسكو، والتي تتمثل في نحو أربعة مبادئ أساسية ، وهي حرية التعبير، ومراعاة التنوع الثقافي، والوصول المتساوي للتعليم والثقافة والوصول الكوني للمعلومات مضيفا أنه من الناحية العملية فإن مجتمع المعرفة ينهض على بنية معلوماتية متماسكة تحددها هيكلية حركية علمية وتكنولوجية متكاملة العناصر الآلية والبشرية، ويتعلق أمرها بمعرفة قياسات ومؤشرات محددة بشأن الأفراد الفاعلين في تطوير المجتمع، وخلص الدكتور رحومة في ختام محاضرته إلى أن المجتمع الليبي لكي يحقق التنمية العصرية المطلوبة ينبغي عليه أولا معالجة الهنّات والفجوات المزمنة في منظومته القيمية التي تحول بينه وبين تقدمه بدءا من إصلاح مؤسسات التنشئة والتربية الاجتماعية من تأهيل وتعليم وتدريب فضلا عن مد جسور التعاون مع ذوي الخبرة العالمية والتواصل العلمي والمعرفي والتقني مع الآخر المتقدم في ضوء قيمنا الإيجابية الأصيلة وانفتاحا على قيم العصر المُحفّزة للتقدم والإزدهار الحضاري خاصة قيم الحرية والعقل والعلم والعمل الجاد والمهنية روح البحث والتطوير والتفكير النقدي والاعتزاز بالذات، والتغني بالماضي دون إصلاح الحاضر وغيرها من القيم المضيئة.