تصور هذه اللوحة الكاردينال خيمينيز رئيس محاكم التفتيش وهو يعمد الموريسكيين الذين تركوا الإسلام كرها عام 1500، كان ذلك في غرناطة التي زالت بسقوطها عام 1492 آخر الممالك العربية في الأندلس.
انطلقت إسبانيا عقب ميلادها الجديد إلى التوسع، فكانت طرابلس من الثغور التي حرض خيمينيز على احتلالها في سلسلة من الحملات على ساحل أفريقيا الشمالية كانت غايتها التصدي لتوسع الدولة العثمانية، وقد بلغ ذروته بسقوط القسطنطينية عام 1453 وراح يهدد قلب أوروبا المسيحية.
أخذت هذه الحملات صبغة تبشيرية، ولا عجبَ فقد كان الأب الروحي لها هو الكاردينال خيمينيز نفسه أسقفُ طليطلة ورئيس وزراء فرديناند الثاني ملك إسبانيا.
وكان على رأس الأسطول الذي قصد طرابلس قائد عسكري سبقته شهرته الواسعة مهندسا عسكريا أثناء إعادة احتلال مملكة نابولي وقائدا لحملتين على وهران ثم بجاية هو الكونت بيدرو نافارو.
خرج الأسطول من بجاية وانضمت إليه سفن قادمة من نابولي وصقلية، ثم توقف في جزيرة غوزو لينضم إليه بعض المالطيين مرشدين لمعرفتهم بطرابلس وساحل الشمال الأفريقي.
وحين غادرت الحملة مالطا كانت مؤلفة من مائة وعشرين قطعة بحرية، تحمل خمسةَ عشَرَ ألف جندي إسباني وثلاثة آلاف جندي إيطالي ومجموعة من المغامرين.
صباحَ الخميس الخامس والعشرين من يوليو عام 1510 وصل الأسطول إلى المدينة، ونزل إلى البر ستة آلاف محارب هاجم نصفهم واستُبقي نصفهم للحماية وتأمين الحملة على المناطق المحيطة بالمدينة ومنع وصول النجدة إليها.
وفي هذا اليوم الذي قد يكون أكثر أيام طرابلس دموية في التاريخ كانت جثث القتلى تحرق وتلقى في البحر أو في صهاريج المدينة، وأرسل نافارو رسالة إلى نائب الملك يقول فيها: “هناك عدد كبير من الموتى بين صفوف العرب، وهم من الكثرة بحيث لا تجد موطئا لقدمك إلا فوق الجثث، ويقدر عدد القتلى بين العرب بحوالي خمسة آلاف، أما الأسرى فهم أكثر من ستة آلاف”.
وكان عبد الله بن شرف أمير طرابلس يومذاك رجلا ناسكا لقب بالمرابط، وكان محبوبا لدى العامة لاستقرار البلد في عهده وانتعاش الحياة الاقتصادية – وبرهان ذلك أن الأسبان نهبوا من طرابلس ثروات طائلة برغم نجاح السكان في نقل حمولة خمسة آلاف جمل خارج المدينة عند اقتراب الغزو – ولكنه ارتكب خطيئة عظيمة حين عجز عن قراءة المتغيرات حوله فأهمل تحصين المدينة وتنظيم جيش يحميها، وساعة تم الإنزال الذي لم يستطع إيقافه اعتصم مع ناسه في الجامع الأعظم، وقد دارت عنده معارك عنيفة سقط فيها أكثر من ألفي قتيل.
أُسر ابن شرف وأرسل إلى جزيرة صقلية فمكث فيها عشر سنوات ثم أطلق الإسبان سراحه طمعا في أن يكون لذلك أثر في عودة الاستقرار إلى محيط طرابلس بعد أن ازدادت محاولات استردادها خطرا، لاسيما من تاجوراء مقر لجوء الطرابلسيين بعد جلائهم.
ودام الوجود الإسباني في طرابلس عشرين عاما، ثم انتهى بتسليم المدينة إلى منظمة فرسان القديس يوحنا عام 1530.