قصة

نصريات المولى نصر الدين في المجتمع المدني

من أعمال التشكيلي الليبي جمال الشريف (من معرض دمى)
من أعمال التشكيلي الليبي جمال الشريف (من معرض دمى)

نصرية قول الحقيقة:

في أرض بعيدة وذات صباح مُبهج، اشتكى السلطان من غياب الحقيقة فيما يقوله الناس وما يتناقلونه من أخبار عن الحوادث الكبيرة والصغيرة سواء تعلق الأمر بسلطنته أو بأيّ نظام آخر يعمّ فيه الاستبداد وخرق القوانين، فستدعى وزيره وأمره بأن يستأجر أهم أحد الخطاطين في السلطنة ليكتب على ” يافطة” كبيرة تعلق أمام بوابة مدخل المدينة تقول بحروف واضحة: ” لا يدخل هذه المدينة إلا من يقدر على الإجابة وبكل صدق عن أيّ سؤال يوجه اليه من قبل حرس البوابة”.

عُلقت اليافطة وتناقل الناس الخبر في لمحة البصر كما يحدث هذه الأيام على ” النت”، وقد تناهى الخبر إلى مسامع المولى نصر الدين أو ما يعرف في سلطانيات أخرى باسم جحا. انطلق المولى إلى البوابة ليرى بعينه ويقرأ بلسانه، فمال نحو المدخل فجاءه صوت غليظ مغرغر سائلاً: ” ما الذي أتى بك إلى هنا ‘ليس أمامك إلا أن تقول الحقيقة أو سيكون جزاء الكذب الشنق؟ ” وبابتسامة ماكرة وفي الحال أجاب المولى: ” أتيت إلى هنا كي أُشنق”، فنظر الحارس إلى المولى بفضول وأحسّ بالظفر قائلاً ” لستُ مصدقاً فيك قولاً فأنت تكذب ولا تقول الحقيقة”، عندها قال المولى نصر الدين وبابتسامة باهته ” إذن يمكنك شنقي لعدم قولي الحقيقة”، تململ الحارس في مكانه وحملق المولى نصر الدين في فضول وقال محتجاً بغيظ مفضوح: ” إذا شرعنا في قتلك فهذا يعني أنكَ كنت تقول الحقيقة “، فهتف المولى: ” هذا صحيح وهو قول أريد به الحقيقة، فماذا أنت فاعل الآن؟ ” هناك أشار الحارس بسبابته إلى المدخل وأذن للمولى بالدخول. تمتم المولى بفتور وولج من البوابة وسمع حماره وهو يقول وبدون أيّ انفعال: ” لقد سلمت الجرة هذه المرة “، هزّ المولى منكبيه ومال نحو الحمار وسأل الحمار بنبرة هامسة ” هل كنتُ أقول الحقيقة “؟

نصرية السّؤال الصّعب:

أراد أحد الحكماء الداعين إلى أنّ “الفكرة المتخيلة لها عناصر تخيلها في الواقع” أنْ يشاكس ويتحدى المولى نصر الدين أمام الناس. قبل المولى التحدي واجتمع نفر من الناس وكانوا يراقبون ما يجري وبدأ الصراع الفكري، وتقدم الحكيم وهو يسأل المولى نصر الدين وقد استغرق الناس في الصمت والتأمل: ” يا مولى، هل تفضل أن تُسال مئة سؤال بسيط لا عسر فيها وسهلة الإجابة، أم تفضل أن تجيب عن سؤال واحد محدد وصعب؟ ” وحدث أن الملى كان متعباً غير أنّه أجاب بحماس ودون تردد وبلهجة فصيحة: ” يمكنك أن تسألني السؤال الصعب “، وما هي إلا لحظة حتى تنهد الحكيم ورمق المولى بنظرة لا تخلو من السخرية والقى على مسامع المولى بسؤال تفوح منه رائحة النصر وهو يقول: “ما الذي يسبق الآخر في الحياة الدجاجة أم البيضة”؟ اهتز المولى وأجاب على الفور وبنبرة فيها دعابة: ” الدجاجة يا سيدي الحكيم، الدجاجة” ‘عندها تابع الحكيم مستهزئ ومتحدياً كيف عرفت هذا هل لديك الدليل العلمي لإثبات عبارتك هذه؟، وبينما الناس تراقب وتستمع قال المولى بتؤدة للحكيم: ” هل نسيت أنّنا قد اتفقنا عل أن تسألني سؤالاً واحدا محددا وصعباً وقد أجبتك عن السؤال، فأيّ سؤال آخر بعد ذلك لا معنى له وليس له من مبرر ولا يفضي إلى المعرفة”. هاج الناس بالضحك وتسلل المولى إلى خارج ” الأستوديو” وترك الحكيم واقفاً مذهولاً وركب حماره موجهاً وجهه شطر ذيل الحمار.

مقالات ذات علاقة

الـقـــطــار

أبوالقاسم المزداوي

الحذاء (الشْلاكة)*      

المشرف العام

عسلوز

عزة المقهور

اترك تعليق