الطيوب : متابعة وتصوير / مهنّد سليمان
احتضنت قاعة المحاضرات بالقبة الفلكية طرابلس مساء يوم الخميس 15 من الشهر الجاري ندوة ثقافية لمناقشة الكتاب المعنون (مقادير) الصادر عن دار آفاق ليبيا للطباعة والنشر للمؤلف “مصطفى القويري” أدارها وقدمها الكاتب “رضا بن موسى”، وشارك فيها كل من الدكتور “محمود ملودة”، والكاتب “يوسف الغزال” حيث تناول الدكتور ملودة جوانب متعددة مما جاء في الكتاب المذكور باسهاب كامل مشيرا إلى أن بعض الأحداث وقعت قبل ولادة المؤلف أو كان صغيرا لكنه نقل عن والديه، وبعض الأحداث كان شاهدا عليها ومساهما ومشاركا فيها، وأردف الدكتور ملودة قائلا : إن الكاتب معنيّ بتذكر ما كان شاهدا عليه من التاريخ العام وروايته، وهذا هو المهم في المذكرات فالتاريخ العام مقدم على التاريخ الشخصي على عكس السيرة الذاتية لذا من الطبيعي أن يروي الكاتب التاريخ العام من وجهة نظره، وبالتالي نحن لسنا بصدد محاكمته إلا إذا اشتط في تحسين أو تغيير بعض مجريات الحوادث، وأضاف الدكتور ملودة أيضا مسألة البحث عن مبرر للكتابة من خلال التعريف بما بقي مجهولا بكشف بعض الخفايا أو إبراز الدروس والعِبر، وهذه العناصر الثلاث حاضرة بشكل كبير، وتابع : إنه قد يكون من مبررات الكتاب المشاركة في جدل دائر والاقناع باطروحات على نقيض أطروحات أخرى، وذكر الدكتور ملودة بأن كتابة هذه المذكرات جرت في وقت متأخر من العمر.
التداخل ما بين السرة الذاتية والمذكرات
وأوضح الدكتور ملودة أن اللذين يكتبون المذكرات شخصيات تنتمي لعالم السياسة أو العسكر أو الفن، ومؤلف كتاب (مقادير) ينتمي لعالم العسكر كونه كان يحمل رقم 1 في الجيش الليبي، فضلا عن أن المذكرات تقع في منطقة التماس بين الأدبي وغير الأدبي ما يدعونا لعدم دراسة المذكرات مثلما ندرس السيرة الذاتية بيد أنها في المقابل تكتسي بشيء من الأدبية الذي حاولنا البحث عنه في النص فأسلوب مصطفى القويري يمتاز بشيء من اللغة الأدبية باعتباره خريج لغة عربية، ولفت الدكتور ملودة بأن الإشكالية التي تواجه كتاب المذكرات والبُحاث في الأدب عربيا وليبيا بصورة كبيرة هو التداخل ما بين المذكرات والسيرة الذاتية إلى حد كبير فكثيرا ما يقع الخلط بينهما، موضحا بأن السيرة الذاتية ينبغي أن تكون الذات فيها هي الموضوع المُحرّك للكتابة لتقدم الذات وجهة نظرها بخلاف الموضوع العام فيما استشهد الدكتور ملودة بعدة إصدارات لمجموعة من المذكرات لشخصيات سياسية وأدبية مؤكدا بأنه لا يمكن دراسة كتاب (مقادير) إلا ما دُرس ضمن الكوكبة الكبيرة من المذكرات، كما تناول الدكتور ملودة الميثاق الاجناسي لكتابة المذكرات من خلال كتاتبتها كعنوان فرعي على كتاب (مقادير)، وفي ضوء عنوان الكتاب للمؤلف دلالات كثيرة لتظهر مذكراته على هذا النحو في حياته الذي أنجاه تجارب الموت والعمى كذلك من أن يقع في الاستقطاب الأيديولوجي والمقادير هي من كانت وراء هذا الأمر.
التطور النوعي للمكتبة الليبية
من جهة أخرى بيّن الكاتب ” يوسف الغزال” أن المكتبة الليبية كانت هزيلة باعتبارها مكتبة تراثية فالمكتبة الليبية والعربية عموما كنت مكتبة تراثية فما تحويه من كتب وعناوين قاصر على مؤلفات الفقهاء والشعراء، وكتب في التاريخ القديم وشرح لكتب أخرى وشرح الشروح ومتن المتون، وأكد الغزال بأن المكتبة الليبية قبل زمن كانت تخلو من الكتاب الليبي، أما الآن وبهذه المذكرات فالمعادلة في طور التبدل والتغيير فأول ما تناهى إلى مسامعي اعتقدت أن الكتاب من السير الذاتية العادية لأن المؤلف رجل لم يحترف الكتابة، وليس أديبا أو شاعرا أو قاصا لكنه ضابطا في الجيش أصدر سيرة ذاتية، وأضاف الغزال قائلا : إننا عندما قرأت هذه السيرة الذاتية وجدتها ترتقي لسير الأدباء فهي بذات المستوى والقدر من التوثيق والتسجيل الدقيق لتاريخ ليبيا، ويمكن القول أنها تضاهي كتب مثل : (هذا ما حدث) للدكتور “علي فهمي خشيم”، و(محطات) للأديب “كامل المقهور”، فهذه الكتب قد أضاءت المكتبة الليبية وأثرتها، وأعطت للمكتبة الليبية بُعدها الليبي، وأردف الغزال بالقول : إن السير الذاتية هامة للييبا بوجه خاص لأننا في مسيس الحاجة للاطلاع على تاريخنا، ولن نستطيع معرفة تاريخنا الليبي عبر كتب المؤرخين فالتاريخ الحقيقي هو ما يؤرخه الأديب والكاتب وذلك بوضع تفاصيل لصور الحياة الاجتماعية اليومية البسيطة إبّان العقود المنصرمة، وأوضح الغزال أن اختيار اسم (مقادير) عنوانا للكتاب رغم أنه اصطلاح فصيح لكنه متداول وشائع في اللهجة الليبية فمقادير تنسحب على جميع الحوادث والخطوب السيئة، مما يوحي للقارئ أن ما سيطالعه في هذا الكتاب معظمه نكبات وأزمات سياسية، مضيفا أن المؤلف يتناول مذكراته بقلم ووعي الرجل التنويري.