متابعات

القصيدة تعانق الفلسفة في تظاهرة ليبية ثقافية

(دار الخليج).. نظّم المجلس الثقافي العام الليبي، مساء أمس الأول في ندوة الثقافة والعلوم في دبي، أمسية ثقافية قرأ فيها الشاعران؛ هليل البيجو، وعبدالمنعم الفليليح، وقدم خلالها السفير الليبي لدى الدولة د. عارف النايض محاضرة تحت عنوان “علامات في تاريخ الفلسفة الليبية”.

افتتحت الأمسية، التي أدارها محمد الشوبكي، بحضور بلال البدور الوكيل المساعد لشؤون الثقافة والفنون في وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، بكلمة لرئيس المجلس محمد المحيا، أوضح فيها أن الأمسية تأتي تأكيداً على حرص المجلس في دفع الواقع الثقافي ليحتل المساحة التي يستحقها، مشيراً إلى عناية الإمارات العربية المتحدة بالشأن الثقافي الخليجي والعربي بصورة عامة. واستهل القراءات الشعرية، الشاعر هليّل بعددٍ من النصوص العمودية قرأها من ديوانه “قبلة العشاق”، تنوعت موضوعاتها بين غزلية، ووطنية، وإنسانية، ومنها: “قالوا وقد سمعوا لحني يناغيها/ مهلاً فقد سبحت أفكارنا فيها/ من ذي التي ملأت أمناً ضمائرنا/ واستشرفت أفقا بالنفس تعليها”. وانتقل الشاعر عبد المنعم بالحضور من أجواء القصيدة العمودية إلى القصيدة العامية الليبية، موضحاً أنها تشبه إلى حد قريب القصيدة النبطية في الخليج العربي، وهي قصيدة تفعيلة تكتب باللهجة المحكية، ليقرأ بعد ذلك عدداً من القصائد الوطنية التي تمجد الثورة والشعب الليبي، والقصائد الوجدانية ومنها قصيدة “متلاقين” من ديوانه “ويبقى السر عند الليل”: متلاقين/ أمتى.. ووين؟/ يبقى سؤالي/ سؤال الحايرين/ يمكن في أول معارفنا/ بدموع الحنين/ ولا تلاقينا هاناك/ وفي وين ما غابت/ الشمس قبل الحنين”.

وألقى مدير الأمسية محمد الشوبكي قصيدة للشاعر أحمد بشير العلية بعنوان “وقود الشمس”، ومنها: “أتيت نحوكِ مزهوّا أقبلها/ يداً تدقُّ على أبواب نصرتها/ يداً تشدُّ ضياء مرغماً لغدٍ/ أو ترفع الفجر قنديلاً لثورتها”. وشدد د. عارف النايض على حاجة الوضع الليبي هذه الأيام للفلسفة الإسلامية، المتصالحة الداعية للحوار لا القتل وسفك الدم -وفق تعبيره-، مؤكداً أن الفلسفة ليست ترفاً علمياً كما يتصور البعض.

وبدأ د. النايض محاضرته بإضاءة على الفلسفة العربية بشكل عام، موضحاً أن الكثير من دارسي الفلسفة العرب والمفكرين والمثقفين يلقون اللوم على أبي حامد الغزالي باعتباره كتب مؤلفه الشهير “تهافت الفلاسفة” وعلى أثره تراجع الاهتمام المنصب على الفلسفة. وبيّن أن ذلك الأمر ليس دقيقاً إذ إن الغزالي لم يحرّم كل الفلسفة ولم ينتقد فلاسفة بعينهم، بل انتقد مقولات لهم تتنافى مع الشريعة والسنة، وترك الباب مفتوحاً على علم المنطق، والفيزياء، والميتافيزيقيا، وفق النايض. وقدّم النايض نماذج من مدارس الفلسفة في ليبيا بقوله: “في القرن السادس عشر كانت مدرسة الشيخ أحمد زرّوق، الذي تتجلى فلسفته بإحدى مقولاته: (أوقاتك أجزاؤك كلما مضى منك وقت مضى منك جزء)”، مشيراً إلى أن هذا ما قدمه فيلسوف الزمن الفرنسي “هنري برغسن” في القرن التاسع عشر.

وأضاف: “المدرسة الثانية الكبيرة في ليبيا هي مدرسة الشيخ محمد بن علي السنوسية، الذي كان له أطروحات في المعرفة، ونظريات في منطق الاجتهاد، ومفهوم الإنسان الكامل، الذي ناقشه الفيلسوف “كارل يونغ” في نظريته القوالب الكبرى”. وأشار إلى أن القرن التاسع عشر في ليبيا شهد مدرسة فلسفية مهمة، هي مدرسة محمد ظافر المدني، لافتاً إلى أن المدني كان أستاذ خال محمد عبده الذي يشير إليه عبده في الكثير من كتابته، وأن مدرسة المدني تميزت في التركيز على الرحمة الربانية وقضية الجود وأسبقيته للوجود.

وخلص في ذلك إلى أن الفلسفة علم ظل راسخا وتعاقبت فيه المدارس الفلسفية في ليبيا نافياَ الآراء القائلة بأن الفلسفة بدأت في ليبيا مع عبدالرحمن بدوي، أي في القرن العشرين. وفي حديثه عن دارسي الفلسفة في العصر الحديث، بيّن النايض أن أهمهم انتحروا بصورة أو بأخرى عبر انحرافهم إلى علوم أخرى أو انغماسهم في الوظائف الإدارية أو تجنيد أنفسهم لتمجيد فلسفة القذافي، لافتاً إلى أن ذلك كان بسبب هيمنة صورة القذافي الذي كان يرى في نفسه المفكر والفيلسوف الأول والأكبر ويقمع كل ذي فلسفة أو فكر.

واختتمت الفعالية بتسليم عبد الله البدور نائب رئيس مجلس إدارة ندوة الثقافة والعلوم، درع الندوة للسفير، في المقابل أهدى السفير كتاب “محمد كامل بن مصطفى وآثره في الحياة الفكرية في ليبيا”، كما سّلم رئيس مجلس الثقافة العام محمد المحيا درع المجلس للبدور، وكرّم الشعراء المشاركين.

مقالات ذات علاقة

تشخيص مفهوم الدولة لدى الوعي الجمعي بمركز المحفوظات

مهنّد سليمان

عسفيا وشرفة الذكرى!

المشرف العام

تأبين العارف إعبيه بمدينة طرابلس

المشرف العام

اترك تعليق