فريديريك نيتشة
(1)
ضرب المرضُ عددًا من الفلاسفة والكُتّاب ومن بين هؤلاء الفيلسوف الألماني فريديريك نيتشة ولقد ارتبط اسم هذا الفيلسوف خطأ بالقوة وكذلك بشخصية السوبرمان؛ وُلد فريديريك نيتشة عام 1844… وكان واحدا من أهم فلاسفة القرن العشرين وكان اسمه يشكل رمزا لقوة الرجل الألماني ، في الواقع لم يكن نيتشة كذلك بل كان ذا شخصية ضعيفة لا تثق في نفسها ، تألم طفلا حين توفي أبوه وهو في الرابعة وفي شبابه كان ذا شخصية ضعيفة يعيش ما يشبه “المازوشية” في علاقاته ومنها تلك العلاقة التي ربطته ب “لو سلامي” والتي شاركه في حبها “بول راي” و كذلك الشاعر الألماني “رينر ماريا ريلكه”. أما السنوات الآخيرة من حياةِ نيتشة فكانت هبوطًا إلى الهاوية؛ ترك نيتشة عمله بجامعة بازل وذلك بسبب ذاكرته التي شرعت تهرب منه شيئا فشيئا وعاش بعدها وهو في الأربعين مرحلة اكتئاب وكتب يقول (إني أحس بالجنون بسبب هذه الوحدة المؤلمة)، وحاول نيتشة الانتحار دون جدوى ثم بدأت تصرفاته تأخذ طابعًا غريبًا وكان يبدو حزينا ويمشي متثاقلا كأنه يجر جسده عبر الطرقات وأصبح حديثه غير واضح ثقيلا ومتلعثما ولاحظ أحد أصدقائه في رسالة بعثها له نيتشة عام 1888 مدى الهذيان والكلمات الغريبة التي لا تليق بمثل هذا المفكر.
(2)
احتار الأطباءُ في المرض الذي فتك بذاكرة نيتشة؛ في البدايةِ ظنّ الأطباء أنّ المرضَ هو الزهري في مراحله الأخيرة والذي كانوا يسمونه “الشلل النهائي” وكانت حجةُ هولاء الأطباء أن الشابَّ نيتشة ذهب مرتين إلى منزلٍ للعاهرات الأولى للمتعةِ والثانية عقابًا على فعلته إذ ظن نيتشة أنه يستحق أن يصاب بمرض الزهري عقابا له (هكذا كتب المؤرخون) وبالطبع لم يأخذ الأطباء الذين أتوا بعد ذلك بهذا التشخيص وظنوا أنه كان مصابًا بمرض نفسي من نوع “الاضطراب الثنائي القطب” Bi-polarity حيث يمر المريضُ بحالات من الفرح المفرط فيكتب بشكل غزير وحالات من الاكتئاب ثم يأتي من بعدها جيلٌ آخر من الأطباء يقول أن مرض نيتشة كان بسبب إصابة الجزء الأمامي من الدماغ .
(3)
إذا جمعت كل هذه الأمراض في ملازمة واحدة لوجدنا أن نيتشة كان مصابًا بمرض ألزهايمر الذي لم يكن معروفًا في عهد الفيلسوف الألماني. لقد بدأ المرض عند نيتشة بمشكلات في الذاكرة ثم في السلوك ثم انتهى به الأمر أن فقد عقله وصار سلوكه مثل سلوك طفل تعانيه أمه.