تحت هذا العنوان تمكنت من متابعة الجدل الذي يبث تلفزيونيا بين الحين والحين بمشاركة عدد من المهتمين إعلاميا بما يجري مرة ويزخر به التاريخ مرات، وقد كان المشاركين فيه من ذوي الحضور المهني الملحوظ ومنهم من له مكان في الملاك وموقع في ما يصدر ومثله ما يبرمج…
وقد لفت نظري في ما مشاهدت واستمعت، الرأي الذي يلقي باللائمة ضمن ما يلقى على محرري المادة الإعلامية أنفسهم، والذين يمكنهم حسب هذا الطرح، أن يحضوا بعضهم على إنتاج خطاب أكثر وطنية، أو على الأقل أهون رداءة، وذلك لما لدى صاحب الرأي دون شك أن الكثير من الرداءة لا يجيء بواسطة التعليمات وإنما من مدخل التطوع، الذي لا يكتفي بتنفيذ الأوامر فحسب، وإنما يزيدها مما يتوقع أنه مطلوب…
لقد تصدى لهذا الرأي أكثر من متحدث بحجة أن اللوم يقع على المؤسسة التي تتولى النشر أو البث، باعتبار أن المطروح للبحث هو الشأن الصحفي، وأن بعض الصحف قد انخرطت في الصراع، فشيطنت من تكره ولم تترك تنزيها إلا وخلعته على من تحب، ومن رأت في التقرب إليه ما يضمن الفوز بنصيب الأسد من كل ما يفترض أن يكون متاحا للأقدر والأفضل مهنيا، وليس الذي لا يسأم من إدانة كل ما كان يثمن بمناسبة وبلا مناسبة أو الذي يصر على التعميم في كل شيء فلا يبقى في المعايير ما يفرق بين الهين والأهون، ومن باب أولى السيئ والأسوأ…
وحده الصوت الأكثر إنصافا والمصر على المقاربة القائمة على الحد الأدنى من التميز، هو صوت المرأة الذي بدأ قبل هذه الألفية فارتفع في هذا اللقاء مشيرا إلى من لا يزال محافظا أو محافظة على التوازن وغير منساق خلف محاولات التسطيح والتعلل بغياب النقابة أو الرابطة، كما لو كانت المواقف تكتسب من مثل هذه التنظيمات أو من لم يسهم في التسطيح وكتابة وإذاعة ما لا يرضي الضمير سيموت بالجوع، ونحن نعلم أن الجميع يتقاضون رواتبهم من الدولة وأن ما يذاع أو ينشر يسدد مقابله بهذه الطريقة أو تلك، والفارق الوحيد أن كل من يتعفف، عليه أن يرضى بالقليل، والقليل مع الكرامة يفوق ما يجيء به تصعير الخد، أو الصمت في ساعة الكلام أو إدمان إلقاء ما حدث وما لم يحدث على ما قبل فبراير، وعدم معرفة التسيب الذي ساد العهد الملكي إلى أن سقط من دون رصاصة واحدة وإغفال الألاف الذين خرجوا في كل مكان من ليبيا مؤيدين البلاغ الأول مستنكرين كل من يدعو إلى التريث أو معرفة من كان على رأس ما جرى، وما ذلك إلا لأن صوت العرب قد أفقدهم الثقة في كل ما كان يجري، ولأن شيئا من الوعي بدأ يتكون, جاءت المسارعة بإسقاط النظام لحسابات لم تظهر الدقائق من أسرارها بعد، والسبب أن السِرية لم تُرفع عن الملف الليبي في أكثر من أرشيف دولي، ولا سيما الأمريكي الذي حفل بما نشر منه بما يفيد عشرات الأبحاث، والسفير الذي رُقِّيَ إلى مندوب، وديبورا التي خرجت ذات يوم برا باتجاه تونس ولم تقترب من ركبها ذبابة واحدة، كل ذلك دون أن ننسى الدولار وما فعله بداية من جيلنا في خمسينيات القرن، أما بداية رجال فبراير يجبر الضرر قبل المصالحة واحتلال سمائنا بالفضائيات الممولة فلن يجعل من أثر سوى مستنسخ المستنسخ ومن يسعى إلى العمل أكثر من أن يكون أجيرا لأجير، وأخيرا فإن الإعلام وإن يكن ينفذ السياسات، إلا أن الحرفي البارع هو من يستطيع أن يحتفظ لنفسه بخط الرجعة إذا ما فوجئ بتغيير المواقف الممسكة بالقرار.