الطيوب : متابعة وتصوير / مهنّد سليمان
استضاف منتدى جامعة طرابلس الثقافي ضمن مناشطه الأسبوعية صباح يوم الإثنين 12 من شهر يونيو الجاري محاضرة للدكتور “عبد الله الزيات” بعنوان (الحديث في الاستشراق والاستغراب والتغريب)، وذلك بمركز المؤتمرات بمدرج رشيد كعبار أدارها وقدمها الدكتور “ناصر اشتاوة” وسط حضور نخبوي أكاديمي كبير، وأشار الدكتور الزيات في مستهل توطئته إلى أن موضوع المحاضرة تتداخل فيه جملة من العناصر ومتكاملة بمعنى أن الواحد منها يتصل بالآخر حتى أني أشبهها بمثلث تتعاطى كل زاوية فيه مع الأخرى أو لا تقوم واحدة منها دون الآخرين، وأردف قائلا : إن الحديث عن الاستشراق يثير تساؤلات عدة مثل ماهية الاستشراق والتغريب وما هو الاستغراب؟ وهل نجح الاستشراق في مهمته التغريبية؟ هل ثمة علاقة ما بين التغريب والحداثة ؟
غايات الاستشراق
ويرى الدكتور الزيات بأن الاستشراق هو معرف ومؤسسات يقودها ويشرف عليها ويعمل بها أعضاء باحثون من مختلف أمم العالم الغربي رجالا ونساءً وجدت في الغرب بهدف تلبية احتياجات تلك المجتمعات العلمية والاقتصادية والسياسية وما نحوها، وأضاف بالقول : أن مفهوم التغريب جاء من الغرب أو جعل الشيء غريبا وجعل الشيء أيضا غريبا ولا خفاء في أن بين الغرب والغرابة ملابسة كبيرة كون أن الغرابة تتعلق بالغروب، وهو ذهاب الشمس أو اختفاء ضوئها، وما يقصده الدكتور الزيات هو جعل كل شيء وكل أمر غريبا عن بيئته المحلية، وأوضح كذلك أن الفكر الإسلامي المقصود به هي العلوم المختلفة والمعارف المتوارقة والثقافة التي تتأصل بالإسلام قرآنا وأقوالا لكبار الصحابة والتابغين وإجماعا واجتهادات مختلفة وكتبا شارحة وآراء مبينة وموضحة وأردف قائلا : أن في بعض السياقات يقصد بالتغريب تغريب العلوم الإسلامية من فلسفة ومنطق وطب وغيرها لصالح الحضارة الغربية بمعنى يهدف لاقتناء التراث الذي به هذه العلوم وترجمته والاستفادة منه ومراجعته والإضافة إليه بل وربما سرقته، وبيّن الدكتور الزيات أن هذا الأمر هو ما عُني به الاستشراق في مرحلة متقدمة من مراحل تاريخه لكن في المقابل التغريب هو خلق عقلية جديدة تعتمد على تصورات الفكر الغربي ومقاييسه ثم محاكمة الفكر الإسلامي من خلالها.
ترسيخ التغريب
فيما أكد الدكتور الزيات بأن الغاية من وراء الترويج لفكرة ترسيخ التغريب في المجتمعات العربية والإسلامية يتمثل في حمل المسلمين على قراءة تاريخهم وفكرهم من خلال مناهج الغرب ومعاييره، وبالتالي محاولة خلق دائرة فكر تسعى إلى تحطيم المسلمات والبديهيات التي يؤمن بها المسلمون وانتقاص الفكر وإشاعة الشبهات والطعون والتقليل من مكانة وأهمية التراث، وأشار الدكتور الزيات إلى نقطة هامة مؤادها أن الاستشراق يستهدف الوصول إلى قناعة أن لا استقلالية للفكر الإسلامي والمسلمين في الأحكام والآراء، وأن العالم الإسلامي والعربي هو نتاج الفكر الغربي وما يُغدقه الغرب على العالم الإسلامي من أحكام عبر فلسفة الغرب الكونية كما يزعم فالعالم الغربي من منطلق وعيه بذاته وبتجربته وبتقدمه يدعي أنه يعترف بمن يشاء ويلغي من يشاء فالغرب أعطى لنفسه الحق ولاسيما منذ القرن التاسع عشر صفة الوعي الكوني ومركز القيم الإنسانية، ولفت الدكتور الزيّات إلى أن الاستشراق قد حقق هدفه التغريبي مما جعل الكثبر من قادة الفكر ورواد الثقافة في الأمة الإسلامية والعربية يذعنون ويستسلمون تحت نير التبعية المطلقة للغرب، فدعا الكثيرون منهم لأن نكون جزءا من التراث الغربي، مضيفا بأن المستشرقون في عملية تغريب الفكر الإسلامي لم ينحرفوا قيد أنملة عن كبار المنصّرين ممن وضعوا أسس الاستشراق في الأندلس.