الطيوب : متابعة وتصوير / مهنّد سليمان
نظمت الجمعية الليبية للآداب والفنون مساء يوم الثلاثاء 7 من شهر يونيو الجاري بقاعة المحاضرات بالقبة الفلكية بطرابلس، وذلك ضمن موسمها الثقافي لعام 2023م أمسية تأبينية إحياءً لذكرى الشاعر الليبي الراخل “إدريس بن الطيب“، قدمها وأدارها الكاتب “رضا بن موسى“، وقد شارك فيها ثلة من الكتّاب والشعراء وأصدقاء الشاعر الراحل اللذين سلطوا الضوء على مناقب ومحاسن شخصية الراحل وخصائص منتوجه الأدبي والصحفي، فيما قرأ بن موسى محطات من سيرة الراحل ومسيرته الأدبية والشعرية والصحفية وأبرز إصداراته الإبداعية ليُعرض فيديو من إعداد “جمعة الترهوني” استعرض بشكل بانورامي السيرة الذاتية لابن الطيب وبعض من صوره.
واستهل الكاتب “أمين مازن” أولى المشاركات مستطردا حول طبيعة علاقته بالراحل وظروف تعرّفه عليه على الصعيد الشخصي منذ عام 1969م حين التحق بصحيفة (الثورة) التي كانت تصدر وقتذاك الزمن، وأضاف مازن أن ذاك الجيل تبيّن ما كان يهدف إليه النظام السابق من مرامي وغايات، والشاعر بن الطيب كان ممن أحسنوا الظن في رجالات النظام فقرر الكتابة والعمل بكل ما أوتي من قوة خلافا لمن تحفظوا واعترضوا على سياسات النظام الحاكم، وعرّج مازن على تجربة السجن التي خاضها الراحل مؤكدا بأن ابن الطيب خرج من هذه التجربة أكثر صلابة وأكثر إصرارا على مواقفه نأيا بنفسه عن أساليب التزلف والرياء لغرض الاستفادة فأصرّ على مواصلة العمل الصادق النبيل دون أن يتخلى عن الكتابة والإنتاج الأدبي.
ابن الطيب وعبد السلام الأسمر
كما شارك الشاعر “أحمد بللو” بقراءة قصيدة للشاعر الراحل بعنوان (العناق على مرمى الدم) تلته مشاركة للكاتب “حسين المزداوي” ارتكزت مشاركته على عدة نقاط جمعت ما بين التاريخ الثقافي والقراءة النقدية، واللمسة الوجدانية، متناولا بواكير معرفته بالراحل التي جاءت في وقت مبكر وتابع المزداوي قائلا : إن بعد الإعلان عن صدور ديوانه منتصف سبعينيات القرن المنصرم خرجت مع أحد الأصدقاء بغية ارتياد مكتبات وسط المدينة نقتفي أثر أحدث العناوين والإصدارات حينها فوقعت أعيننا على عنوان (تخطيطات على رأس الشاعر) أول ديوان صدر لإدريس بن الطيب فقد استهوانا العنوان بل صار مزحة بيننا فاشتريناه ولاحقا أهداه لي الشاعر نفسه، وأضاف المزداوي بأن الشاعر نشر في السنوات اللاحقة مقالة نارية عن الشيخ عبد السلام الأسمر وأذكر أنه وعد القرّاء أن في الجزء الثاني من المقالة سينشر المزيد الذي كنت شغوفا بمعرفته حتى أنني ذهبت إلى أحد أكشاك ميدان الشهداء، واشتريت كتاب سفينة البحور للشيخ عبد السلام الأسمر الذي استند عليه بن الطيب في الجزء الأول من مقالته إلا أني لم أستطع الغوص كثيرا في مفردات اللغة الصوفية التي كان يتبناها الكتاب وأردف المزداوي بالقول : إن إدريس ابن الطيب حينما أسقط لام التعريف من اسمه لدواعي اعتقاله السياسي رفع من منزلة الشاعر العلمية والأدبية لديّ فقد رأيت في اسمه “ابن الطيب” امتدادا حضاريا لابن سينا وابن رشد وابن الفارض وغيرهم، مضيفا أن مقالة الشاعر عن الشيخ عبد السلام الأسمر بقيت واقفة في حلق عشر سنين ولازلت أتساءل عن سر هذا الاختفاء للحلقة وللحالق.
الإيمان بالفكرة
من جانب آخر كان للسيد “عبد العظيم قبّاصة” مشاركة أدلى من خلالها بشهادته عن تجربة الشاعر الراحل مشيرا إلى أنه عرف الشاعر داخل جدران السجن وقد كان من نوعية أولئك الأشخاص اللذين يفرضون حضورهم ، وهذا الحضور لإدريس اتسم بجوانب عدة منها الذاتي أو الموضوعي فعلى الصعيد الذاتي هو شخص مسكون بفكرة أن يكون قويا دائما سواء كان بشكل عفوي أو متعمدا، مضيفا بالقول : كان إدريس مثقفا وطنيا تقدميا وفق المعنى الدقيق لهذا التوصيف يؤمن بعمق بالديموقراطية وحريات الرأي والتفكير والمعتقد منحاز للفقراء والكادحين، فكان غالبا ما يدافع عن أفكاره ورؤاه بحماسة كبيرة مثلما كان حريصا على التمسك بآراءه وقناعاته، وأوضح قبّاصة قائلا : إنني رأيت ولمست مدى تطابق فكره مع سلوكه بخلاف الكثيرون اللذين يكتفون بالتنظير فقط .
روح الطفولة
بينما شارك الشاعر “معمر الزائدي” بمداخلة أكد فيها أنه ليس خفيا عن الأصدقاء ذلك التناغم الجميل في شخصية إدريس بن الطيب فهو صاحب الحضور المفعم بالحياة، وأضاف الزائدي قائلا : كان غيابه موجعا بعمق ما تغلغل فينا بحضوره كان خالا مميزا وشاعرا رائعا وصديقا ناصعا على المستوى الشخصي فضلا عن كونه كان طفلا في روحه يضج بالحياة يحلق في الغناء الجماعي حد الطرب، وكنا نشعر بقربه بسعادة مختلفة يغمرنا بما نتطلع إليه عبر صدقه وعفويته وعصبيته في كثير من الأحيان فالحديث عن مسيرته الشعرية يتطلب بحثا منهجيا ليس هنا معرض لتداولها، وتلتها قراءة أخرى انبرى لها الشاعر “أحمد بللو” لإحدى نصوص ابن الطيب بدوره أكد الكاتب “إبراهيم حميدان” أن الشاعر ابن الطيب امتازت شخصيته بالجرأة والشجاعة في كتاباته الصحفية مبكرا موضحا أنه إذا ما جمعنا المعارك الصحفية سنجد بأن أبرز فرسانها هو إدريس بن الطيب في تاريخ الصحافة الليبية فهو يخوض في قضايا حساسة قبل ظهور التيارات الأصولية والمحافظة، واختتمت الأمسية بمشاركة كل من الأديب “منصور أبو شناف”، والكاتب “يونس الفنادي”، والسيد “أحمد الأمين” الذي استرسل من جهته عن جوانب متعددة وكثيرة في شخصية الشاعر الراحل علاوة على قراءة نصوص أخرى للشاعر.