المقالة

مقالات قصيرة

(الكرسي) من أعمال التشكيلي الليبي عبدالجواد المغربي
(الكرسي) من أعمال التشكشيلي الليبي عبدالجواد المغربي

كلمات فضفاضة…

المثقف السياسي -في كثير من الأحوال- يهوى الانتقال اِنسيابياً من أيدولوجية إلى أخرى وفي منتهى السلاسة والسهولة والثقة الكاملة ؛ بل وبطريقة ذكية ولا تأتي مصادفة فهي تخضع للحساب والتقييم ، وهي مفارقة قادرة على الخلاص من قيد القنوط الأيديولوجي القديم  تنطلي على المغفلين والطيبين و بقدرة عجيبة ،  وفراسة خداع وتزوير تستمر في وجودها اليومي المُخاتل للعقل حيث تُنزل اللا معقول منزلة المعقول سليل القدرة الغامضة على الاندهاش العميق المدبب الأطراف، فهذا النمط من مثقفي السياسة لديه براعة لا يجاريه أحد فيها للتنقل -ذهنياً ومهنياً- من كلمة فضفاضة إلى أخرى متناقضة معها وقد تكون غامضة وغير معروفة وباطنها أشد تعقيداً، فإذا كان في فترة من الفترات يسارياً فهو هناك مع “الكادحين” مدافعاً عن “دكتاتورية البروليتاريا” بمعايير رؤيته الأيديولوجية في مرحلة ماضية  أما إذا انتقل إلى الصف اليميني بأي معنى من المعاني  نحو الأمام الزمني فهو مع ”الرأسمالية” مدافعاً عن “ليبرالية المتنورين” على نحو تطهري لتنظيف ذاتها من أدرانها السابقة . فهو يجيد التطابق السعيد بين صورته القديمة وصورته الجديدة وبحرفنةٍ يسارية تبشر بالخير السياسي والاجتماعي والثقافي الليبرالي على امتداد الساحات الليبية، غير أنّ الفارق صعب الاندثار لا يظهر إلا في شكله الخارجي، فكلاهما يُعتنق من أجل الزيف والتزوير والنفاق السياسي وخداع الذات وخداع الناس تشبثاً بالتحريف والتشويش. فالصدق إذا فُقد من الضمير لا يوقظه طبلٌ.

نعمة المعرفة في لحظة الفراق:

إذا كان اللفظ الفضفاض، خارج المجال المعرفي، ولعقود طويلة من الزمن، والمُتنكر للأسئلة الشاقة، يظهر في وقته ساعة اعتلال الرؤية ويسود بفضل الاعتقاد الثابت فإنّه ينهار في وقتٍ لاحق ليحل محله لفظ فضفاض آخر ليس صعب المنال فقد يتصل في موضع وينقطع صراحةً في مواضع أخرى. ومن الحق في هذه الحالة أنْ ينتهي اللفظ الجديد مع صنوف خياله بكيفية طبيعية عادية من قاموس الناموس المثالي لأنّه يقع ضحية الزمن المتراكم المتوالي المتقلب في الفضاء الثقافي وساحة التنافس التنظيري وحواراته وأسئلته. يحدث هذا في زحمة النوائب السياسية وفي تدفقٍ عاصفٍ يحجب على المجتمع نعمة المعرفة ومعاملة الحياة برؤية واحدة لا ثانية لها وينتج خطاباً سياسياً له القدرة على المناورة خارج طرائق فهم الواقع الفكري والاجتماعي ليعيش داخل الوعي الشقي مرتدياً لبوساً من شبكة صلات التواصل السائبة في فضاء النت معتاشاً في فضاء فجوة الثقافة وهواماتها داخل المملكة الموصدة وحشودها الزاحفة من اجل توزيع المغانم بين شطارها المتآزرين في نهب المال العام واغتيال الثقافة.

ماذا لو كان اللفظ الفضفاض استقر في وجدان الناس وعقولهم؟

الحيرة ليست بالأمر الغريب:

بناءً على نعمة المعرفة وهي تشي بإيقاع الزمن الخفي:

الاشتراكية لفظ أثير يحمل أكثر من مدلول سحر الناس وغنت له عواطف الشعراء ثمّ دار به الزمن وفقد بريقه دون جهد بعد أنْ كان يشيد – حالماً – بأيام كفاحية من اجل العدل الاجتماعي، ومع تغير الزمن تعارف الناس على موقف ساحر آخر شبيه في المخادعة، أّيّ عرفوه في الديمقراطية بثقة بالغة تُبطن ولا تُظهر، وهو لفظ تسمعه وتقرأه ويهرول خلفه الناس ايضاً بهمة ونشاط وكأنّ الظن كاليقين ومفتاح كنوز الدنيا المفقودة. وواقع الأمر من جهة الفكر في السياسة فإنّ أيديولوجيا ” الاشتراكية” تستند على ركيزة أفهوم عام، ميتافيزيقي أكثر منه سياسي، لم يتحقق على أرض الواقع فهجره صاحبه ولم يحقق آماله فطفق يجدف وراء أفهوم آخر ميتافيزيقي وأكثر شهرة وتداولاً بين محبيه والمدافعين عنه تسمع عنه في اليوم ألف مرة في الفضائيات المبرقعة، غير أنه عند الصحو فهو ولاء موزع بين اللفظ الحميم الأول وبين اللفظ الثاني حسب نعيم الريع وما تكسبه اليد الخفية وغير الخفية. أحياناً يحار المرء فيما يختار فيظل يحن أحياناً إلى قديم العبارات بقدر واضح من التناقض وخداع الذات! عندئذٍ يقوم متحسساً طريقه في عتمة المجهول، فقد صحي وانتقل من الاشتراكية ذهنياً إلى الديمقراطية ذهنياً ومهنياً فلابد أن يكون طليعي في الفكر والموقف النضالي وناقد وصحفي ومفكر ومؤرخ شمولي النظرة يتميز بدقة عميقة في تضليل الناس. على أنْ يتبع الحيل الماكرة فمن الممكن انْ يتبدل الزمان.

مقالات ذات علاقة

الحيشان ترجمة لشخصيات من فزان

المشرف العام

حركة الهيبيين

أحمد معيوف

المدينة الرمادية

يوسف القويري

اترك تعليق