إبراهيم المطولي | مصر
أبدا متذكرا قول عالم الجغرافيا الجليل دكتور عاطف معتمد في أحد مقالاته عم ضرورة أن يكتب كل مبدع منطقته ليصير لدينا خريطة إبداعية لكامل الوطن.
(تخيل لو أن لدينا في كل إقليم مصري أدبا خاصا بتجليات المكان، أماله وهمومه، سيكون لدينا في النهاية لوحة كبيرة للأدب المصري فيها عشرات قطع الفيسفساء التي تشكل الموازيك الكبير)
وهذا بالضبط ما فعله الأستاذ عبدالستار حتيتة وقد حمل في قلبه قطعة دائرية من مسقط رأسه وبدا يكتب. عن بدو مطروح وتحديدا مدينة براني، همومهم وتعبهم الذي يهد قوى الكبير والصغير، فنرى البدوي وهو يلاقي في يومه العادي اخطار شتى مثل: الجوع والالغام وشرطة الحدود والقبائل الاخرى حتى تعد نجاته اليومية شبه معجزة.
والرواية تدور في عقل شاب بدوي مسجون, وهي أفكاره وأحلامه وذكرياته وأغاني بدوية يحفظها وحكايات قصها عليه جارهم اشجيليف أبو حبيبته نوارة.
أبوه سائق لشاحنة نقل قديمة لا تعمل إلا بعد يدفها هو واخوته في الصباح، ولأن لا أحد يمتلك حق استأجرها، فلا يكون أمام الأب بو مالكي وسط غضب الحياة إلا الحديث مع جاره اشجيليف عن ماضي العربان المبهر.. حينما تغلبوا في وقت ما من الزمن الغابر على الإنجليز على الحدود رغم السلك المكهرب والالغاز ومروا إلى ليبيا لنجدة عمر المختار وهناك تغلبوا على الطليان أيضاً.
يروي اشجيليف (انا واللي معي عدينا، قالوا الحقوا سيدي عمر.. يريد مال وسلاح ونحن عرب هزينا بطون الخيل ومكسنا ظهرها وطارت بنت من فوق السلك واللغم)
وماذا يملك البدوي غير الحكي في هذا الصحراء الواسعة، فيجمع اشجيليف الاطفال ليحكي لهم تاريخ قبيلة أولاد علي، انتصاراتهم وهزائمهم أمام قبيلة الحرابي.
وفي وقت غياب الرجال يجتمع النسوة، يبددن الوقت في الحكي، عن من يسموهن الجرمان والطليان (أي والله يا وليدي مر علينا ترك وعبيد سود وهنود من فوق هالتراب) وتشير إلى الأرض التي تجلس عليها، ثم تكمل (وبقينا نحن على أرضنا)
والمالكي يحب نوراة ابنت جاره اشجيليف، تمنى الآباء قديما أن تصير نوارة طبيبة والمالكي مهندس سيارات (عشان يصلح عربية بوه) لكن هنا لا أحلام تتحقق.
فلا سبيل للزواج مع كل هذا الجوع والجدب، لذا يفكر ان يفر كما يفر الجميع إلى ليبيا، حيث (يؤكد العائدون من زيارات أولاد عمومتهم في برقة من الرجال والنساء ورا السلك في ليبيا خير ما له حد)
اهتز قلبه ونوارة توقفه في سفره لتقول له: وين ماشي.. خليك. تبكي فيتذكر في سجنه بكائها طفلة بصوت مكتوم وهم ذاهبان معا إلي شيخ الكُتاب لأن لم يشتري لها أحد جزء عم.
يصل إلى ليبيا بينما يموت اخرون بفعل الالغام، يعمل في ميناء وفي طريق عودته، يضيع السائق وتنفذ المياه وتمسكه الشرطة المصرية لتودعه السجن.
ويعاني البرد والوحدة وسوء التغذية وسوء الرائحة، بينما تنهال على المالكي شتائم السجانين، (انت لسه نايم يابن الجربانة) و(يا جاسوس القذافي) و(خلي أخوك يجيب في الزيارة فرش حشيش من اللي بتهروبوه من ليبيا).
تنهال علينا نحن القراء عزابات في شكل سرد عن ما حدث ويحدث لقطاع كبير من شعبنا الطيب.