البساطة فيها جعلتني أحبها، كنت أخبر أمي بأنهم لا يعرفون النوم، تستيقظ جدتي منذ الفجر، ولا تنام بعده، يأتي الجيران يلقون السلام في الصباح الباكر، يحضر بعضهم سحلباً دافئاً، وبعض تنوراً ساخناً، والكثير من الأخبار العاجلة.
كثرة النخيل جذبت انتباهي، فتنت بطولها وتغير أشكالها أحياناً تماشياً مع حركة الرياح، بعضها في حالة الركوع، وبعضها ينمو مائلا على الأرض ثم يعود للوقوف، أما عن نخلة التي تقف في منزل جدتي، فهي قصة أخرى، سألت جدتي عن سبب ميول سعفها لجهة واحدة، قالت إن عمرها تعدى مئة العام، وإنها آيلة للسقوط. حزنت من أجلها كثيراً، كانت طويلة جداً، تقف كعجوز شامخة في زاوية المنزل، عندما نفترش للنوم في المساء وانظر إليها أشعر كأنها متدلية من السماء، يُخيل لي كما لو أنني أصعد عليها أصل إلى السماء فاقطف النجوم من رحمها، واجلس على سعفها المائل فأرمي النجوم مع كل أمنية!
رأيت الكثير من النخيل بلا جدوع، سألت جدتي عنها “متى تنمو لها جذوعاً؟” ردت علي باستغراب “أنها ليست نخيل!”، قلت في نفسي إذا لم تكن نخيلا فماذا تكون! ولكنني لم اتجرأ لأسألها تانية. طالما اعتقدت جدتي أن وجودنا في المدن يقلل من مستوى ذكاءنا، فكل سؤال اطرحه عليها تتلقاها ببعض من تهجم، لما اجهل شيء كهذا وأنا في هذا العمر. قالت لي ذات مرة أن طريقة تفكيري لا يتعدى طفل في الرابعة من عمره من قطرون، ذلك يعود إلى المعلبات، والعصائر التي نشربها بدل حليب الإبل والمعز! كان ذلك أقسى توبيخ تلقيته.