قصة

معلّقة على الحائط

من أعمال التشكيلي الليبي توفيق بشير
من أعمال التشكيلي الليبي توفيق بشير

في إحدى الصباحات كنت أتحدث إلى زميلتي في الجامعة، عندما لاحظتُ إحداهن وهي تراقبني من بعيد، كانت تُمعن النظر فيّ فقلت في نفسي مثلها مثل الآخرين، ظننتها تتساءل عن الوجه الذي يخفيه هذا الحجاب، بينما كنت أواصل الحديث مع زميلتي كنت أرمقها بنظراتي من بعيد لأعلمها أنني أيضًا مثلها أضع علامات استفهام على نظراتها الغريبة، ثم همّت بالقدوم نحوي إلى أن اقتربت بابتسامة هادئة؛ أخذت فرشتها ورسمت لي عينين صغيرتين يكادان يختفيان بمجرد أن أضحك، ما أن أنهت رسم عيني قالت بكل استغراب لصديقتها من أين أتى الكحل وأنا لم أرسمه؟ فقلت لها: “من ربي”، ضحكت وكأنّها لم تصدقني، وقالت بكل استغراب: “وهل أهل الجنوب كلهم يملكون مثل عينيك؟” ضحكت ضحكة غريبة كغرابة سؤالها وقلت لها: “ولله في خلقه شؤون.”

في المساء أردت أن أنسى ما حدث، فخرجت مع جارتي إلى إحدى صديقاتها، كنّ لطيفات، كعادتهن يكثرن السؤال عن البخور والعطور وما تتمتع به المرأة الجنوبية من خبرة فيه، في بداية تعرفي عليهن كنت أُبدي استغرابي، ولكنني اليوم اعتدت عليهن، ولم تعد أسئلتهن محطّ استغراب، وكان كل شيء على ما يرام إلى أن دخلت علينا جارتها؛ جلست وقلنا كلامًا يشبه التعارف، وتبادلت معها حديثًا خجولاً ينمّ عن المسافة التي بيننا، وفي خضم ذلك قالت بصوت عالٍ: “سبحان الله الخالق تبارك الرحمن بسم الله ما شاء الله! وكانت تنظر إليّ”، إنها تقصدني، وقلت: “يا إلهي!” وقد تغير لون وجهي ووجدت نفسي أتصبب زيتًا، إنني أقطّر زيتًا ملونًا وأعود وأتشكّل كلوحة زيتية بين يدي كلماتها، قالت وهي تنقل النظر بيني وبين جاراتها: “أليس وجهها كأنه مرسوم رسمًا؟!”

حاولت في لحظتها أن أبتسم بين تلك النظرات، وحاولت أن أتكلم ولكن لم أستطع، فقد رُسمتُ صامتة هكذا كما أنا؛ “بوجه جميل أذكرها بالخالق!”

وعندما نمت تلك الليلة استيقظت في صباح اليوم التالي وجدتني معلّقة على حائط منزلنا.

مقالات ذات علاقة

لوحة فنية

ريم العبدلي

عبق وقلق

إبراهيم الككلي

الـدم الأسـود

إبراهيم بيوض

اترك تعليق