إذا صحت نظرية مرور وادي “النيل” بالجنوب الليبي ودمجه بوادي “الأجال” حسبما استنتجناه من خريطة “هيرودوتس”، فإن الحضارة الليبية، من مرتفعات “تاسيلي” إلى “الكفرة” مروراً بجبال “تيبستي”، هي حضارة محلية ولم تتأثر -بدايةً على الأقل- بحضارة وادي النيل، وربما تكون سابقة لها، رغم الشبه الكبير بين الحضارتين. وقد سجل المؤرخون الوجود الليبي بالدلتا في حدود الألف الرابع قبل الميلاد، مما يعني أنهم حملوا أفكارهم ومعتقداتهم إلى مصر منذ ذاك التاريخ قبل أن ينساحوا بأعداد كبيرة ويستقروا هناك.. ومن أبرز الملامح الحضارية التي وُجدت بالجنوب الليبي كانت قد برزت بكثافة في الآثار المصرية القديمة واشتهرت بها، وذلك مثل: القوارب النهرية والأهرامات وتحنيط الموتى وارتداء الأقنعة والأفاعي للحماية وطرد الأرواح الشريرة والرموز الكتابية التي تطورت فيما بعد إلى الهيروغليفية الشهيرة وغيرها.


أما فكرة التحنيط فتأتي ضمن مسيرة الانسان أثناء البحث عن خالق هذا الكون حتى يُشبع فيه غريزة العبادة، فاعتقد في الحياة الثانية التي ستوفر له السعادة المفقودة في الدنيا. فأراد الليبيون الحفاظ على جثث موتاهم إلى اليوم الموعود.. وأما بناء الأهرامات فهي في نفس السياق تقريباً حيث يحمي الهرمُ المثلثُ الجثةَ من سرعة التحلل خاصة بسبب أشعة الشمس، فكان بعضهم يحافظ على المتوفى في حالة جلوس عند الاحتضار، ثم يغمرونه بالطين بعد خروج الروح، فيكون القبر على هيئة هرم صغير، ثم كبر مع الزمن وصار على هيئة أهرامات “الحطية” الواقعة على بعد 20 كلم من مدينة “جرمة” الأثرية، أما في مصر فبلغت أهرامات “الجيزة” شهرة أوسع نظراً لضخامتها وتطور الفكر المصري في هندستها وأسرار بنائها. (يتبع).
الصور: شخصيات ليبية مع قارب نهري.. طرق الدفن عند قدماء الليبيين.. أهرامات الحطية بمدينة “جرمة”.