شخصيات

البوري في ذمة الله.. الكلمات لا تكفي في رثاء منصف

الراحب عبدالمنصف البوري
الراحب عبدالمنصف البوري

في الكثير من الأحيان، الكلمات لا تكفي، أو أنها تعجز عن التعبير عما يدور في الخلد من أحاسيس ومشاعر.، وما يشتعل في الصدر من وجـع وتفاعلات، وعند هكذا حالات، تكون الدموع الصامتة التي تنهمر دون توقف، المعبر الأصدق والأقوى من كل التعابير والكلمات.

وفي ساعة الخبر المفجع برحيل رفيق وصديق عزيز، يصعب تذكر ما تعرف وما يجب أن يقال، ويصعب استرجاع شريط الذّكريات القريبة والبعيدة، أو الوقوف عند كل المحطّات. ربّما يكون ذلك بعد فترة من الوقت تطول أو تقصر، لتعبر الكلمات كما عبرت الدموع ساعة تلقّيها خبر الرحيـل المفجع، ويبقى الدعاء والتضرع إِلى الله، في كل الأحوال والأوقات، هو الملاذ والمخرج الوحيد من حالة الحزن والأسى، وهو ما يحتاجه الفقيد والباقي لــه.

بكل هذه المشاعر استقبلت مساء يوم الأربعاء بتوقيت الشرق الأوسط، السابع من رمضان 1444 هجري الموافق 29 مارس 2023م، الخبر المفجع برحيل الصديق العزيز، طيّب القلب وصافي النية، رفيق الدرب والمنافي، صاحب القلم الصادح بالحق والمواقف الوطنية التي سجلها التاريخ، صاحب الفكر النير والرأي السّياسي الصريح الشجاع، عبدالمنصف حافظ البوري (1947م – 28 مارس 2023م)، المعروف باسم «منصف».

دخل منصف إِلى المستشفى بمدينة كولومبيا بولاية ميزوري في أمريكا منذ ثلاثة أسابيع مضت، وكان قد اصيب بسرطان البنكرياس منذ سنة تقريباً، وتُوفي اليوم الأربعاء عند الساعة السابعة صباحاً بتوقيت ولاية ميزوري الواقعة في منطقة الغرب الأوسط من الولايات المتحدة، عن عمر يناهز خمسة وسبعين عاماً. ويدفن مساء نفس اليوم، وقبل ساعة الفطور في هذا الشهر الفضيل، في مقبرة المسلمين بمدينة جفرسون سيتي «Jefferson City»‏ عاصمة ولاية ميزوري، والتي لا تبعد كثيراً عن مدينة كولومبيا مقر بيت الفقيد.  

كان طوال فترة حكم معمّر القذّافي مناضلاً شرساً ضدَّ نظام الظلم والعدوان والاستبداد، وإنساناً ليناً هيناً متسامحاً كريماً مع رفاقه، لا يحمل شراً لإنسان، ولم تخرج منه كلمة تسيء لأحد. شارك في جميع نشاطات المعارضة الِلّيبيّة في المهجر في زمن حكم القذّافي الاستبدادي، وكان صوتاً قوياً يجلجل من وراء مايكرفونات إذاعة «صوت الشعب.. صوت الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا»، ثم إذاعة «الأمل» على الانترنت.. وقلماً مميزاً يتابع الأحداث ويكتب عن هموم الوطن ويعبر عن آرائه ومواقفه السّياسيّة من خلال مجلّة: «الإنقاذ» صوت «الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا»، مجلّة: «شؤون ليبية» صوت «الحركة الِلّيبيّة للتغيير والإصلاح» التي شغل منصب رئيس تحريرها، ثم المواقع الإلكترونية: «ليبيا المستقبل» و«ليبيا وطننا» و«المؤتمر الوطني للمعارضة اللّيبيّة» والصفحة الشخصية على «الفيسبوك».

وبعد ثورة السابع عشر من فبراير، عاد إِلى عمله في الخارجية الِلّيبيّة كونه يحمل مؤهلات عليا في «العلوم السّياسيّة» التي درسها في مصر والولايات المتحدة، فعينه المجلس الوطني الانتقالي الذي قاده المستشار مصطفى عبدالجليل، في العام 2012م سفيراً فوق العادة ومفوضاً لدى دولة قطر، واستمر في عمله أربـع سنوات.  

رحل منصف البوري أو «نصيف» كما كان يسميه الراحل الكبير منصور رشيد الكيخيّا، عن دنيانا تاركا لنا حسن سيرته وأعماله الطيبة، ونقاء سريرته، وأجمل ذكريات الصداقة والأخوة ورفقة النضال.

رحل الصديق والرفيق والأخ الأكبر، الذي كان عنواناً للوفاء ورمزاً في إخلاصه لوطنه، وعزاؤنا انه ترك وراءه عشرات المقالات والدراسات.. وعشرات التسجيلات الإذاعية والحوارات الصحفية والمقابلات الإعلامية.. ومَنْ يسيرون على دربه النضالي وينهجون مدرسته الصحفية المتميزة بالأمانة والصدق والموضوعية.

أخيراً.. أسأل الله سبحانه وتعالى أن يتغمدك عزيزنا منصف برحمته الواسعة وأن يجزيك خير الجزاء على جهادك واغترابك وأن يجعل الجنّة دارك ومأواك.

إنا لله وإنا إليه راجعون

الأربعاء 7 رمضان 1444 هجري

الموافق 29 مارس 2023 ميلادي

مقالات ذات علاقة

خنساء الجبل – الحاجة سالمة بنت طاهر محمد حسين البرعصي

نورا إبراهيم

الشيخ رافع بن عبدالرحمن القاضي

المشرف العام

صورة قلمية للدكتور محي الدين فكيني

أحمد إبراهيم الفقيه

اترك تعليق