الطيوب : متابعة وتصوير : مهنّد سليمان
أقام صالون الصباح الثقافي الأدبي الفكري الندوة الحوارية الثانية في إطار نشاطه الشهري حيث حملت عنوان (حركة النقد في ليبيا ومواكبتها للإنتاج الأدبي والإبداعي عموما) بحضور نخبة من أساتذة النقد والكتاب والمهتمين، وذلك صباح يوم الأحد 5 من شهر مارس الجاري بقاعة (صلاح الدين الطبال) بمقر الهيئة العامة للصحافة بمدينة طرابلس، وشارك في الندوة كل من الدكتور “حسن الأشلم” أستاذ الأدب والنقد بجامعة مصراتة، والكاتب الناقد “عبد الحكيم المالكي“، والشاعرة “سميرة البوزيدي” وقدم وأدار مجريات الندوة الأديب “منصور أبو شناف“، فيما أعرب الدكتور الأشلم في مستهل مداخلته أن تشخصيه لأزمة النقد في ليبيا سيكون أكاديميا من خلال الممارسة المهنية في تدريس المناهج النقدية في الجامعة منذ عام 2004م، وأردف بالقول: إن الإشكالية قائمة في مسألة النقد وعلاقة النقد بالمعرفة، ومسألة النقد المنهجي وإلى مجال المواكبة الأدبية، وأوضح الدكتور الأشلم بأن الموضوع في غاية التعقيد، وهو ليس مجالا لتبادل التهم أو الدفاع عن النقد بشكل عام لكن ينبغي تشخيصه العملية.
توطئة تشخيصية
وتساءل الدكتور الأشلم عن من هو الناقد ؟ وتابع : هل نتحدث عن الناقد الناقد أم نتحدث عن أستاذ النقد أم نتحدث عن القارئ الناقد فهنالك أسئلة طرحت عبر تاريخ الحركة الأدبية في ليبيا مثل هل يوجد لدينا شعر وشعراء وما شابه وهل يوجد لدينا نقد أم نعاني أزمة نقدية في ليبيا، ويعتقد الدكتور الأشلم أن الفترة الأولى يمكن تشخيصها من قبل الأساتذة الموجودين الرواد بهذا المجال فهم يدركون فترة الستنينيات وحتى مطلع السبعينيات آنذاك لم تكن الحركة النقدية الليبية تستطيع تحمل الوزر الموجود اليوم، وأضاف بأن جامعات اليوم تُدرِّس وتعطي شهادات في الماسجتير والدكتوراة وثمة رسائل جامعية تُنجز وتواكب الأدب الليبي مما يجعلنا نُقيّم أين هذا النتاج النقدي بين أيدي القراء ؟ وما قيمة هذا النتاج النقدي فنحن لا نستطيع التحدث عن موضوع القيمة قبل التحدث عن موضوع التلقي كونه لا يوجد تلقي لكل هذا الجهد النقدي، وهذه أزمة في البحوث الجامعية الليبية بوجه عام، مشيرا إلى أننا في ليبيا نعاني أزمة إنتاج برغم توفر إنتاج نقدي أكاديمي رصين، وجامعة سبها تخطو خطوات متقدمة سبقت في مسألة الحداثة النقدية الجامعات في طرابلس وبنغازي ومصراتة، وثمة كم كبير من هذا الإنتاج لم يُنشر وبالتالي لم يصل لأيدي القراء، وأكد الدكتور الأشلم أن القول بتقصير النقد على الأقل أكاديميا في المواكبة غير دقيقة فأكثر من 95% من الطلبة الباحثين يتوجهون نحو الدراسات الحداثية سواء في مسألة تطبيق المناهج أو الأدب الليبي تحديدا، ومن جهة أخرى أوضح الدكتور الأشلم أن الأزمة الأخرى التي يمر بها النقد تتمثل في أن الكثير من الطلاب يدرسون في بعض الدراسات بصياغة (بي دي إف) الإلكترونية في ظل غياب المراجع والكتب، ويرى الدكتور الأشلم بأنه لا يتوفر مناخ صحي للقراءة في ليبيا لكي نتحدث عن تفاعل يفرز زخما .
مشكلة انقطاع الاتصال والتواصل
بدوره يوضح الكاتب “عبد الحكيم المالكي” أن الناقد الأكاديمي حتى في الدول العربية المجاورة يعيش في برج عاجي فلا يولون مسألة المواكبة الاهتمام الكافي، وقضية المواكبة الجامعة خاصية ليبية باقتدار، وذهب المالكي لطرح سؤال ماهو النقد بالأساس ماذا نعني بالنقد هل هو نقد تقويمي وفق الصورة الماضية مثل القول أن هذا النص مميز وذاك النص مليء بالأغلاط الإملائية والآخر جيد، ويتصور المالكي بأن النقد هو نقد للجماليات فالنقد التقويمي يكون ضمن إطار خاص وربما غير ظاهر للعلن، وأشار المالكي إلى أن قضية انقطاع الاتصال والتواصل بين كتاب والنقاد أكبر مشكل يواجهنا، مضيفا : ماهو مشروع الناقد في الأصل هل سيشتغل على الأسماء والنصوص المعروفة أم سيشتغل على المشاريع الإبداعية الجديدة للشباب، وأكد أن النقد حاضر وبقوة ولكن غياب الطباعة والنشر هما الحاجز الأساسي، وعشرات الرسائل النقدية تُكتب في الجامعات لم يسمع بها أحد حتى أصحاب الأعمال ذاتها، وأردف قائلا : حاولنا بمعيّة الأصدقاء في مجموعة المختبر النقدي أن نوثق هذه الرسائل وبالفعل نجحنا في عرض حوالي 40 رسالة لكن تبقى بقية الرسائل مغمورة والبعض لا يملك الرغبة في إبراز عمل فالدولة ليس لديها إستراتيجية لهذا الأمر ووزارة الثقافة تغرد خارج السرب منذ زمن طويل، موضحا أن من أهم المشاريع الثقافية هو مجلس الثقافة العام ويُعد مشروعا ناجحا ونجاحه كان مرهونا بوجود الكتاب والمثقفين، وبيّن المالكي بأن النصوص النقدية المكتوبة حول الأدب الليبي كثيرة جدا ومتنوعة، مؤكدا بأن الأزمة تدور حول الطباعة والاتصال، والجيل الجديد من الأدباء الشبان لديهم حضور إبداعي قوي ولا يعنيهم النقاد والكتاب الرواد، وسبب ذلك حسب رأي المالكي يُعزى لعدم وجود مدرسة راسخة قوامها تقاليد أدبية ثابتة.
الخلط بين النقد والاحتفاء
كما أشارت الشاعرة “سميرة البوزيدي” إلى أن النقد موجود ولكن هل هذا النقد في المستوى المطلوب، نعم لدينا نقاد جامعيين، والناقد الجامعي يوجّه الطلبة لخوض التجارب السهلة، مؤكدة بأن الناقد ذاته عندما يمارس نقده يتجه إلى نقد النص السهل، ولا يستطيع الاقتراب من النص الصعب وهنا تكمن المشكلة، وأضافت بالقول إن النص الحديث يشكو من غياب الناقد الموضوعي، وطرحت البوزيدي تساؤلا هل يجب أن تكون الدراسات الجامعية نقدية بالضرورة فهي أحيانا تجيء وصفية، ويمكننا القول إن الدراسة الجامعية توظف الأدوات الأكاديمية بشكل جاف وصارم دونما تعمق في النص، موضحة بأن معظم نقاد المهمين للنص الحديث إما شعراء وإما روائيين والكثير من الشعراء اتجهوا للنقد بحكم اقترابهم من روح النص الحديث، والدراسات الأكاديمية تفتقد لهذه الخاصية فهي لم تصل لعمق تجربة النص، وأردفت البوزيدي قائلا: بأن ذائقة الناقد والأستاذ الجامعي تفرض نفسها في معظم الأحوال فإذا كان تقليديا سيعمل على توجيه طلبته للنصوص التقليدية وإذا كان حداثيا وهو قليل سيوجه طلبته للنصوص الحداثوية، وترى البوزيدي أن عدم التعمق في القراءة مفقود لدى الكادر الجامعي تحديدا، وتابعت : بالنسبة لسؤال الذات في النقد فالناقد المتخصص أسئلته ستكون عامة بمعزل عن الأسئلة العميقة حول التجربة فمعظم الدراسات تركز على الأساليب النقدية المتعارف عليها وبالتالي ستأتي الرسائل البحثية في هذا النسق، وتُبيّن البوزيدي بأن الطلبة أبعد ما يكون عن الاهتمام الحقيقي بتجربة النص، مضيفة أن من أسوأ ما يتعرض له النقد هو حدوث الخلط ما بين الاحتفاء وبين النقد، ومرّد ذلك في تقدير البوزيدي لفقدان القدرة على التأويل الحقيقي للنص الذي ينتج كتابة على كتابة بنص مقارب للنص المقروء.
مداخلات وآراء
وأعقب ذلك فتح باب النقاش وتبادل الآراء والاستماع لوجهات نظر الحضور، ويعقد الدكتور “جمعة عتيقة” من خلال مداخلته أنه ينبغي التركيز على النقد المتعلق بالإنتاج المتاح للجميع الشامل لكل الأجناس الإبداعية فهذا ما نعاني من فقر شديد فيه وأضاف عتيقة قائلا : أنا لا أعتبر أن ما أشير إليه عن الإنتاج الجامعي هو نقص أو عيب في مسألة النقد فبطبيعة الحال، وأوضح الكاتب “يوسف الغزال” أننا بحاجة إلى التطور فلا أعتقد أنه في جلسة عن النقد سنكون ممتنين مما وصلنا إليه في النقد أو في الإنتاج الأدبي فالنقد دائما ما يبحث عن ما ينبغي أن يكون، وأردف الغزال أن العملية النقدية في ليبيا آخذة في التبلور، ومؤسسة المختبر النقدي على شبكة الإنترنت يعتبر اليوم من أهم المؤسسات النقدية، من جانبه أوضح الشاعر والكاتب “رامز النويصري” أن الشعر غائب عن الإضاءات النقدية الأكاديمية بخلاف القصة القصيرة والرواية، ويبدو التقصير جليا للنقد الأكاديمي تجاه الشعر حتى الشعراء الحداثويين لم نجد دراسات وأطروحات في الماجستير والدكتوراة اهتمت بنتاجهم الشعري إلا القليل منهم، بدوره أضاف الشاعر “أحمد بللو” أن الناقد يهمه كثيرا أن يلقى القواعد المنهجية التي درسها متمثلة في العمل الأدبي ويرى بللو بأن أحد معضلات البحث النقدي الأكاديمي تكمن في فرق بين المناهج النقدية وبين النص وبين ثقافتنا وبين الثقافة التي وردت منها هذه المناهج وهذه الأساليب، كما أشار الكاتب “عبد الرزاق الداهش” إلى أن الكثير من النقاد تعرضوا للظلم والاضطهاد والتوقيف نتيجة لآرائهم موضحا أن جوهر النقد ينبغي أن يقوم على معايير الجودة مؤكدا بأن غياب النقد هو جزء من المشكلة وهو ما أدى لتفشي ظاهرة الاستسهال.