ليس العقل الخرافي، هو الذي يؤمن بالخرافات والأساطير، والأوهام، كما يبدو.. بل هو في الواقع، العقل المعطل.. هذا هو الأقرب للمعنى، والأجدر بالوصف.
ذلك، لأن الخرافة تقترن بالكذب والباطل والمعتقدات العارية عن الصحة.. أي إنها نتاج العقل الذي لا يستخدم إمكاناته.. لا يعمل سليما، في ضوء العلم، والصدق مع حقائق الأمور.. ولا يأخذ بسنن الحياة التي أجرى الله بها حركتها، ووضعها القوانين التي تحكمها، وتنظمها في مجرياتها.
يقابل ذلك، العقل غير الخرافي، العقل العامل السليم، الذي بطبيعته يتساءل، ويبحث عن جواب.. يشك، ويختبر، ولا يأخذ الأمور على علاتها.. ينقد، من أجل التقويم والبناء الأفضل..
وفي كل الأحوال، هو دوما يبحث عن إجابات أقرب للحقيقة..
إنه العقل الذي يتحمل مسؤوليته، ويؤدي واجبه في زمنه بظروفه، وقضاياه، وعلومه، ومسؤولياته.. فيراجع ويقارن ويصحح، وينتج ويبتكر ويبدع…
إنه العقل الذي يحمل الأمانة، ويؤديها بعمله وجهده.. لا أن يأخذ الأفكار كما تأتي، من أي مصدر كان؛ شخصا أو كتابا أو إذاعة، أو موقعا إلكترونيا، مثلا؛ دون أن يكلف نفسه قليلا أو كثيرا من التفكير..
فيظهر غريبا في زمنه، مشوها، سلبيا، خاملا، واهنا، خانعا لأقوال وآراء واعتقادات وتصورات خاطئة، أو سيئة، منكرة، لا يقبلها أدنى العقول السليمة تفكيرا..
ومن ثم، على العقل أن يأخذ بزمام نفسه، ويقوم بدوره الفطري الذي خُلق من أجله. عليه أن يسعى دائما لرزقه الحقيقي، ألا وهو العلم.. وأن يبذل الإنسان جهدا للحصول عليه باستمرار، وتتسع مداركه في شتى المعارف الممكنة، فينوّع من قراءاته، واهتماماته المعرفية.. لا يقتصر على مجال واحد، أو فرع منه، فقط لا غير.. فيكون بذلك، كالمبصر بعين واحدة، ضعيفة..
إن العالم متشابك العناصر والآليات، متداخل العلوم والمعارف، ولم يعد يكفي تماما النظر في موضوع ما، من خلال حقل علمي واحد، أو فقط مبحث من مباحثه، فكل العلوم تحتاج لبعضها البعض، وبخاصة في المجالات المتقاربة.
مثل العلوم الاجتماعية، والعلوم الطبيعية، والعلوم الأساسية، والعلوم الطبية، وعلوم اللغة، وفنون الهندسة، أو فنون الأدب، الخ..
بل الحقيقة، هناك تناغم أصيل بين كل العلوم والفنون، بحيث لا يمكن الفصل في مسألة معينة في أي مجال، بشكل كامل، من مختلف جوانبها، دون الاستعانة بمجالات العلوم الأخرى، جلها، أو بعض منها.
إن الإنسان هو كتلة من الاحتياجات والمطالب المتوزعة باختصاصاتها على شتى العلوم والمعارف. وليس هناك في واقع الأمر، علم أفضل من علم في حد ذاته، دون اعتبار بما يعود منه على الإنسان من نفع. بل تحديد ذلك هو تحديد نسبي، يتعلق بمطلب العلم المعني ومدى الحاجة إليه، في ظرفية زمانه ومكانه.. سواء على مستوى الفرد أو المجتمع، أو على مستوى الإنسانية ككل.