المقالة

الفاشية والأوليغارشية وجهان للدكتاتورية

من أعمال التشكيلي المغربي خليل بوبكري (الصورة: عبدالمجيد رشيدي-المغرب)

إن مشكل الفكر السياسي في العالم يتمثل في كون السياستان الفاشية والأوليغارشية وجهان للدكتاتورية الممثلة لسلطة الأقلية كأداة للحكم في الفكر السياسي، لب الفاشية احتكار السلاح من قبل أقلية خارج نطاق الجيش الوطني والأجهزة الأمنية لدولة الشعب المنبثقة عنه سلطاتها وذلك بغية الوصول إلى السلطة عبر حكم السلاح، وأداة الفاشية ممارسة التخويف وترويع الآمنين لتطويع الشعوب، ولب الأوليغارشية احتكار المال العام -عوائد الثروات الطبيعية للشعب واستثماراتها- من قبل أقلية خارج نطاق سلطات الشعب المنبثقة عنه وذلك بغية الوصول إلى السلطة عبر حكم المال، وأداة الأوليغارشية ممارسة تعسير الخدمات الأساسية لتطويع الشعوب، إن هذا المشكل الفكري -الفاشية والأوليغارشية- امتداد للذهنية الاحتكارية الغربية المتضحة جليا في العشرية الثانية من القرن العشرين -وهما امتداد لما قبلها غربيا- وإلى غاية نهاية القرن العشرين ولازالت ظلال الفاشية والأوليغارشية تحاولان تكرار أنفسهما في العشرية الأولى والثانية من القرن الواحد والعشرين عصر تلاشي هذه الذهنية الاحتكارية المكرسة للدكتاتورية الممثلة لسلطة الأقلية كأداة للحكم عبر احتكار إما السلاح وإما المال العام خارج الأطر الشرعية لسلطات الشعب المنبثقة عنه وأداتهما التخويف والتجويع لتطويع الشعوب.

إن المسؤولية وعي وكلما ازداد الوعي ازدادت المسؤولية، الوعي رأس المادة، المادة تتبع الوعي والوعي لا يتبع المادة مطلقا، المادة تابع والوعي متبوع، المادة أداة الوعي نحو تحقيق ما فيه الخير للصالح العام، وكلما ازداد وعي الشعب المتصاعد بأن لا حق لأقلية في احتكار السلاح خارج نطاق الجيش الوطني والأجهزة الأمنية لدولة الشعب المنبثقة عنه سلطاتها ازداد تلاشي الفاشية المكرسة للدكتاتورية الممثلة لسلطة الأقلية عبر احتكار السلاح خارج الأطر الشرعية للدولة وازداد تلاشي أداة الفاشية المتمثلة في ممارسة تخويف وترويع الآمنين لتطويع الشعوب، وعيًا بأن وضع السلاح تحت سلطة الدولة المنبثقة عن شعبها ضرورة قصوى لإرساء الأمن والاستقرار للشعب وتمكينه من تصدير نخبه وسلطاته عبر التقديم والترشح والتصويت المباشر وهذا لا يتأتى إلا باحتكار الدولة للسلاح في جيشها الوطني وأجهزتها الأمنية النظامية ومنع احتكار السلاح من قبل أقلية خارج نطاق الجيش الوطني والأجهزة الأمنية للدولة، هنالك يتزايد تلاشى الفاشية كليًّا، وكلما ازداد وعي الشعب بأن لا حق لأقلية في احتكار المال العام -عوائد الثروات الطبيعية للشعب واستثماراتها- خارج نطاق سلطات الشعب المنبثقة عنه ازداد تلاشي الأوليغارشية المكرسة للدكتاتورية الممثلة لسلطة الأقلية عبر احتكار المال العام خارج الأطر الشرعية للدولة وازداد تلاشي أداة الأوليغارشية المتمثلة في ممارسة تعسير الخدمات الأساسية لتطويع الشعوب، وعيًا بأن وضع عوائد الثروات الطبيعية للشعب واستثماراتها تحت سلطة الدولة المنبثقة عن شعبها ضرورة قصوى لتيسير الخدمات والتنمية للشعب ودعم نمو اقتصاده الوطني وتعدد مصادر دخله العام في القطاعين العام والخاص ومنع احتكار المال العام -عوائد الثروات الطبيعية للشعب واستثماراتها- من قبل أقلية خارج نطاق سلطات الشعب ودولته المنبثقة عنه، هنالك يتزايد تلاشى الأوليغارشية كليًّا.

إن حل هذا المشكل الفكري الذي يتطلب بدايةً تزايد الوعي المذكور أعلاه يكمن في الاتزانية السياسية حيث الشعب مصدر النخب والسلطات وله أحقية التقديم والترشح والتصويت المباشر رئاسيا وبرلمانيا ومحليا، في نظام رئاسي متزن يعتمد الفصل المتوازن بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية ويعزز استقلالية القضاء، ويعتمد التعددية المبنية على ثوابت مشتركة بين جميع المواطنين تنص عليها وثيقتهم الجامعة المؤسسة لدولتهم المتزنة، ويعتمد الحكم المحلي للسلطة التنفيذية بميزانيات مستقلة لكافة البلديات بالمدن خدميا وتنمويا وفقا للتعداد السكاني والمساحة الجغرافية بما يفتت المركزية المالية والخدمية والتنموية كليًّا ويضمن وصول الخدمات والتنمية لكافة أرجاء مدن الدولة الواحدة متعددة الولايات (الإشرافية والرقابية) والبلديات (الخدمية والتنموية)، حيث تكون الولايات إشرافية رقابية على البلديات ولا تتركز بها الخدمات والتنمية وكافة القطاعات الخدمية والتنموية تكون في الهياكل التنظيمية للبلديات بالمدن، وتقتصر رئاسة الحكومة الواحدة في أعلى السلطة التنفيذية على الحقائب السيادية وحفظ التوازن المالي والخدمي والتنموي بين الولايات والبلديات الموزع عليها الميزانيات والقطاعات الخدمية والتنموية لتديرها محليا، إن الدولة المتزنة نموذج أفقي تصاعدي من العمق إلى الأفق نموذج الدولة الواحدة متعددة الولايات والبلديات متعددة المراكز المالية والخدمية والتنموية، وتمنع احتكار السلاح من قبل أقلية خارج نطاق الجيش الوطني والأجهزة الأمنية لدولة الشعب المنبثقة عنه سلطاتها وتمنع احتكار المال العام خارج نطاق سلطات الدولة المنبثقة عن شعبها والتي بدورها تدير هذه العوائد بما يدعم تيسير الخدمات والتنمية للشعب ووعيه وأرضه ومؤسساته ونمو اقتصاده الوطني وتعدد مصادر دخله العام.

إن نموذج النظام الرئاسي المتزن هو النظام السياسي الذي تطمح إليه الشعوب المناضلة لنيل استقلالها وسيادتها وريادتها على عقولها وأراضيها ومواردها لاسيما بعد أن تجاوز وعيها مشكل الفكر السياسي المتمثل في الفاشية والأوليغارشية الغربيتان المكرستان لدكتاتورية سلطة الأقلية الاحتكارية نحو الحل النموذجي المتمثل في الاتزانية السياسية جامعة الأغلبية، نحو الانتقال من نموذج النظام الهرمي التنازلي المضطرب إلى نموذج النظام الأفقي التصاعدي المتزن، لا للأوليغارشية المحتكرة للمال العام عبر أقلية خارج نطاق سلطات الشعب المنبثقة عنه بغية الوصول إلى السلطة عبر حكم المال، ولا للفاشية المحتكرة للسلاح عبر أقلية خارج نطاق الجيش الوطني والأجهزة الأمنية لدولة الشعب بغية الوصول إلى السلطة عبر حكم السلاح، المال العام والسلاح حكر للدولة تديره بما يخدم مصلحة شعبها ووعيه وأرضه وموارده استقلالًا وسيادةً وريادةً لدولته المنشودة، الدولة المتزنة المقسطة غير ذات الإفراط والتفريط في الحقوق والواجبات سواء الشعب فيها مصدر النخب والسلطات والجميع فيها سواسية أمام القانون، قيمتها وشعارها تحقيق القسط والعدل ودفع الظلم والجور تكاملًا للمنافع وتعاطلًا للمضار إزاء الصالح العام على كافة الأصعدة وفق ميزان سليم دون إفراط أو تفريط في تكامل المنافع ودون إفراط أو تفريط في تعاطل المضار بإتقان قدر الاستطاعة والإمكان، المجتمع المتزن هو الدرجة الأولى مصدر النخب والساسة المتزنون والنخب المتزنة هم الدرجة الثانية والساسة المتزنون هم الدرجة الثالثة، والنظام المتزن من المجتمع ونخبه وساسته المتزنون والنظام المتزن هو الدرجة الرابعة، ويتكامل المجتمع ونخبه وساسته المتزنون في النظام المتزن نحو تكامل المنافع للصالح العام وتعاطل المضار عنه على الدوام تحقيقا لما فيه الخير للصالح العام.

• الخلاصة: [إن مشكل الفكر السياسي في العالم يتمثل في كون السياستان الفاشية والأوليغارشية وجهان للدكتاتورية الممثلة لسلطة الأقلية الاحتكارية كأدة للحكم في الفكر السياسي، نموذج النظام الهرمي التنازلي المضطرب، والحل يتمثل في الاتزانية السياسية جامعة الأغلبية، حيث الدولة المتزنة المقسطة غير ذات الإفراط والتفريط في الحقوق والواجبات سواء، الشعب فيها مصدر النخب والسلطات رئاسيا وبرلمانيا ومحليا والجميع فيها سواسية أمام القانون، في نظام رئاسي متزن يعتمد الفصل المتوازن بين السلطات ويعزز استقلالية القضاء، ويعتمد التعددية المبنية على ثوابت مشتركة بين المواطنين في الوثيقة الجامعة المؤسسة للدولة المتزنة، ويعتمد الحكم المحلي للسلطة التنفيذية عبر الولايات والبلديات بتوازن تحفظه حكومة الدولة الواحدة فيما بين ولاياتها وبلدياتها المتعددة لتفتيت المركزية المالية والخدمية والتنموية كليا في نظام أفقي تصاعدي متزن، الحل النموذجي لمشكل الفكر السياسي].

الجمعة 5 رجب 1444 هـ

الموافق 27 يناير 2023 ف

مقالات ذات علاقة

محيي الدين المحجوب .. شهيّة الظل

مهند سليمان

صَحافة زازيَة *

سعاد سالم

الفنادي يفند تهمته كناقد

المشرف العام

2 تعليقات

نعمان رباع 31 يناير, 2023 at 20:50

اخي الكريم بوخريص تمنياتي لك ان تكون على خطى وصفي وناهض ولكن بخصوصية ليبية ولا اريد ان تكون نسخة من هشام البستاني ولبيب قمحاوي وفؤاد النمري ومطلب العلمي وبسام بدارين وطارق خوري

رد
المشرف العام 1 فبراير, 2023 at 09:51

نشكر مرورك الكريم

رد

اترك تعليق