أحمد ناصر اقرين
– ابسطي كفك الغضة عساي أقدر ان أقرأ ما بين طياتها البكر.
– كفي مبسوطة منذ بدء الخليقة، فنحن ما تسمّونا “سنوات” تتشابك أيادينا ونرث بعضنا بعضاً. أرنا مهارتك وترجم هذه الخطوط المتداخلة كلماتٍ، أيها العراف.
– لستُ منجّما. غير انّي سأستنطق آثار أسلافك واحاول أن اتهجى ما يستبين منها:
> لم ينتهِ الوباء بعد ومن المرجح ان يعود بأمواجٍ تصعد وتهبط، تنداح وتنحسر. فضيوفنا الجراثيم مراوغة ماكرة رغم ضآلتها. تغير أشكالها وتجلياتها بأنماط لا تطرأ على البال. سيزيد هذا من حس التوجس والريبة لدينا نحن الكائنات البشرية فيما بيننا وبين بعضنا، وفيما بيننا وبين بيئتنا.
> هناك زلزال بدأت بوادره عند الحافة الشمالية الغربية للبحر الأسود، حيث تصادمت صفيحة تكتونية بشرية عملاقة مع أخرى عملاقة أيضاً، في البقعة المسماة “أوكرانيا”. ليعاد صياغة توازن القوى العالمية. مما سبّب ارتداداتٍ متشنجة، عمّت أرجاء العالم بأسرِهِ. ليعاد صياغة توازن القوى العالمية.
> ينذر هذا بمواجهة نووية تضع البشرية على محك الفناء من اجل الهيمنة والبقاء. فيكفي حماقة واحدة أو سوء تقدير من أي طرف لتقابلها حماقة مضادة وننزلق جميعنا نحو الهاوية المنتظرة.
> قد يتسع هذا الصراع ويكبر وينتقل الى بحر الصين الجنوبي ويتمدد شرقاً نحو الجزر اليابانية. قد يتحول الى منطقتنا “كمنظر جانبي للصراع العالمي” فتقرر إسرائيل ان تهاجم إيران في عقر دارها، بعد ان باتت هذه الأخيرة على حدودها.
> قد يشهد العالم بمجمله ركوداً اقتصادياً ونقصاً في إمدادات الطاقة والغذاء، فتتفجر الازمات في مناطق كنا نظنها ملاذاً آمناً وجنة أرضية. وتنفقع التناقضات في مجتمعات كنا نراها سائرةً الى المزيد من التجانس والوئام، فتسود الفوضى وتطغى الغرائز البدائية التي طالما تفنن البشر في إخفائها تحت ركام من قشور الحضارة والتقدم. فيصحو العالم كله على شفا هاوية تؤدي الى هلاكه وانقراضه. وقد………!
– رويدك أيها العراف الغِر، وريدك… لست َ مطالباً بالثرثرة عما يحدث في العالم وبلدك فاقداً لبوصلة تهديه، ومنارة ترشده. أنت تقطن بقعة منسية تقع في منتصف جنوب المتوسط فماذا عنها؟ ..تمعن جيداً وانطق بما تستطيع رؤيته.
– هنا سيدتي تختلط التوقعات بالأماني وتتشابك التنبؤات بالتطلعات. هنا سأكون أكثر ذاتية وسأتخلى عن الكثير من الموضوعية. فأعذريني إن أسرفتُ في هلوساتي وأمعنت في اهوائي…
لا اخفيكِ أن الوضع ضبابي ومفتوح على احتمالات شتى تتراوح بين السيء والأكثر سوءً وعلى المزيد من السكون والترهل أو نحو شيء من الحركية والانفراج.
هنا نحن محكومون بالخارج أكثر مما يحكمنا الداخل بكثير. فما يحدث بالداخل سوى انعكاس ركيك لمجمل الصراع الإقليمي والدولي، والذي يزداد تشابكاً وتضارباً وتشتتاً وعدم اتساق في الرؤى.
بشكل أو بآخر لا بد من تجديد الاجسام الموجودة ولا سبيل لهذا سوى انتخابات كيفما تكون لاستبدال كل الاجسام الحالية، التي فقدت شرعيتها ومصداقيتها وصارت ساقطة اخلاقياً قبل ان تكون ساقطة سياسياً وقانونياً.
لا بد من هذه الانتخابات والتي نأمل ان تفرز لنا نتاجاً أفضل يؤسس لمرحلة جديدة تتوحد بها المؤسسات المتنافرة والمتناحرة. لا بديل عن سلطة واحدة نعترف بها جميعاً وهنا لا أملك إلا بضع أمنيات متناثرة. منها أن نعي كلنا أنه ليس لنا سوى وطن وحيد، ليس لنا ولأبنائنا مأوى غيره. ولا املك سوى نصيحة يتيمة لأهلي وهي أنه لا بديل لنا إلا العودة لشرعية التوافق. فشرعية المغالبة التي عشنا بها عقوداً عديدةً لم تؤدي بنا إلا الى التشرذم والتشتت والانفراط.
هل انتظر معجزة ما؟ ربما.. ربما فمن ذا الذي يجرؤ على الجزم بنهاية المعجزات. قد يكفي ان تتراكم نتفٌ من المعجزات الصغيرة اللامرئية والتي تتشكل في غفلة عن الزمن، لتولد معجزة كبرى غير متوقعة….
… تراني أفلحت في قراءة كفك سيدتي الصغيرة؟!!!!
– لن أصدر أحكاماً فما زلت في أيامي الأولى.. سننتظر ما تتمخض عنه الليالي القادمة…
– نعم، بالتأكيد، فإن الشمس تشرق كل صباح متشوقة للجديد المتجدد. هذا ما نسميه (الأمل) ونقيّد أنفسنا به. فلسنا نملك سواه قيداً وخلاصاً…