قال: ثورة التحرير الجزائرية نجحت لأنّها كانت شعبية، وثورة تحرير فلسطين فشلت لأنّها كانت تنظيمات متعددة فهل فهمتموني؟
قلت: النجاح والفشل لا يفسران حقيقة الثورات، ولكن هناك أسرار كثيرة لا تفهمها الشعوب، ويفهمها الجنود في ميدان المعركة، ويفسّرها الخبراء في سرّية تامة. فثورة الجزائر نجحت لأنّها تورة ولدت مقهورة بألم الحرمان، وألم الجهل وألم الجوع وألم الحرب ،قهر تجاوز كلّ حدود الزمن والمكان، ولذا هبّ كل مواطن يذود عن عرضه ،وعن بيته وعن حقله وعن كلّ ذرة من ترابه فتحوّل الغضب إلى ثورة شعبية توحّدت فيها كلّ السواعد، وكلّ القلوب، وكلّ دماء الجهات ، ثورة حديثها لا ينتهي في كلّ المحافل، ولم تزل هاجسا مخيفا للأجيال التي ولدت في بلد المستعمر فرنسا الآن تحترق بنار الفشل الثوري، ونار الحقد الكامن في أعماق الأجيال المتعاقبة ،وفي قرارات الأنفس لا تعترف بوحشيتها الدامية على أرض الجزائر.
وأمّا ثورة فلسطين فكانت ثورة مقهورة تاريخيا وعقائديا، فسقطت فيها كلّ معاني العزّة، وسقطت فيها سطوة الأنبياء الذين ولدوا على ترابها، وسقطت فيها سطوة الإسراء والمعراج، وسقطت فيها سطوة الفتوحات، فتوحات خالد بن الوليد، صلاح الدين، ولم تبق فيها غير غضبة شعب أعزل لا يمتلك بين يديه سوى تلك الحجارة التي يقاتل بها الصغار والكبار، وفي ذات الوقت تلك الزعامات التي تتداول على التفاوض عبر شاشات الفضائيات، وهنا يتجلّى للعالم ذلك العجز الذي تصنعه دولة المحتلّ على أرض القدس، وأمام المشهد الكبير المؤلم تتألم شعوب الوطن العربي التي هي الأخرى عاجزة عن صنع النجاح الباهر، كما تحاول صنعه شعوب القارة الأوروبية بأجمعها على أرض أوكرانيا ،وكلّ الدول تقدم السلاح والمال والغذاء والدواء ،وتضميد الجراح. فلا تعب يا صديقي ولا تقارن بين ثورتين لم تكن محترقا بنار واحدة.