أنيس السنوسي ميلود محمد
طالب دكتوراه – كلية الآداب والعلوم الإنسانية – قسم اللغة العربية
الملخص
الشاعر رجب الماجري1 من أنبل الشعراء المعاصرين في ليبيا، وأدقهم وأقدرهم على تصوير التجارب، ومحاكاة الطبيعة لتجسيمها وتشخيصها، وبث الحياة فيها من جديد في أسلوب بديع ورفيع، وعاطفة صادقة، وخيال رائع، وعبارة أدبية مصقولة، ومعاني سامية، وموسيقا عذبة، ودقة فنية متناهية في الربط بين عناصر الأدب عن طريق اللغة التي كانت أداة طيعة في نفسه.
للنقد الأدبي أهمية كبرى بين الفنون والآداب ؛لأنه عامل بناء وتشييد، وليس معول هدم وتخريب كما يفهم بعض الناس، إذ ليس من أهداف الناقد تتبع أخطاء الشاعر أو الكاتب للنيل منه، والتجريح فى شخصه كما يفهم بعض الأدباء، وإنما هدفه أن يقيس أدبه بمقياس الفن، ليحكم عليه بالحسن فيزداد الأديب إعجابا بغنه، ويعمل جاهدا على غربلته وتنقيحه من كل الشوائب، فيزداد أدبة قوة، وبهاء، وجمالا، أو يحكم عليه بالفساد والقصور فيرشده إلى أنبل نصائح النقاد وتوجيهاتهم الهادفة2.
ومن الخطأ الكبير أن يعتقد الأدباء أن النقاد سيوف مسلطه على رقابهم يقول مخائيل نعيمة:(إن مهمة الناقد الغربلة، لكنها ليست غربلة الناس، بل غربلة ما يدونه قسم من الناس من أفكار، وشعور، وميول….. فمهمة الناقد، إذن: هي غربلة الآثار الأدبية لا غربلة أصحابها)3.
يقول عبد المولى البغدادي: (لعل من العبث والظلم أن تسلط مقاييس النقد الحديث ومعاييره على الشعر الليبي الذي لازال حتى الآن يتلمس الطريق على مهل باحثا عن أسباب القوة والكمال، ليحقق الأمل المنشود، ويبلغ المكانة المرموقة التي يحظى بها الشعر في بقية البلاد العربية الأخرى)4.
وسأحاول تطبيق بعض المقاييس النقدية القديمة والحديثة على بعض قصائد رجب الماجري، لإبراز شخصيته الأدبية وقدرته على الخلق والإبداع. لما بين هذه المقاييس من ترابط فني دقيق قديما وحديثا، فأخذت من القديم أصالته وعمقه، وجزالته، وفصاحته، ومن الجديد جدته، وطرافته وعذوبته، وابتكار ه5.
بالنسبة للنقد القديم يضع ابن سلام الجمحي، ثلاثة مقاييس للشاعر المبدع وهي: (كثرة شعر الشاعر، وتعدد أغراضه، وجودة شعر م)6.
أما المقياس الأول: فهو كثرة شعر الشاعر، لقد احتوى ديوان الماجري على ثلاثة دواوين في مجملها خمس وخمسون ومائة قصيدة، وهذا يدل على مقدرة الشاعر الشعرية على نظم الشعر، حيث أن اللغة العربية أصبحت أداة طيعة لدى الشاعر وقد نظم على جميع البحور الشعرية بنسب متفاوته حسب الأغراض الشعرية المختلفة، وهذا يدل على مدى قدرته الفنية والكفاءة الشعرية في نظم قصائده وقدرته على الخلق والإبداع والتصوير وطول نفس الشاعر في قصائده.
أما بالنسبة للمقياس الثاني: فهو كثرة تعدد الأغراض الشعرية، يلاحظ الباحث بأن الشاعر أكثر من تعدد الأغراض الشعرية، فقد نظم الماجري على العديد من الأغراض الشعرية، التي بلغت أحد عشر غرضا، ولقد سيطر عليها الشعر الغزلي، لما للماجري من روح قادرة على التصوير والخلق والإبداع، ويدل تعدد الأغراض الشعرية عنده على قوة شاعرية الشاعر وتمكنه من النظم على مختلف الأغراض.
ولقد ارتبطت الأغراض الشعرية عند الماجري بتجاربه الإنسانية التي عاشها مع نفسه ومع رغباته وتطلعاته، وما يدور حوله، وعكست بذلك اتجاهه، ومواقفه الشعرية التي واكبت التحول الذي عرفته بنيات المجتمع، والأدب، والثقافة، مما جعله يعيش واقع التحول والانفتاح على المتغيرات العامة التي شهدها السياق الشعري الليبي وطنيا وقوميا وإنسانيا7.
أما المقياس الثالث: فهو جودة شعر الشاعر، فلقد كان شعر الماجري صادقا إنسانيا، صادرا عن حقيقة نفسية لا مجرد مهارة فنية، ولقد أبدع الشاعر في شعره الغزلي فكان غزله تعبيرا عن أحاسيسه السامية،مطبوعا بطابع العفة والأدب والأخلاق، ينهج فيه نهج الشعراء الغزليين، مثل: كثير عزة، وجميل بثينه؛ لأن شعره جاء مصورا للوعة الحب والهيام بالمعاني السامية والتعلق بالروح وسموها ومالها.
من مكانة رفيعة لدى الشاعر، وتجسد ذلك في قصيدة (ذبول)8 حيث قال:
وقفت أناجي الغصئن، والغصنن ذابل * ترنهة الآلام والحسرات
أسائله أين الطهارة والصفا؟ * وأين الشذى واللحن والقسمات؟
وأين أحاسيس حواليك رفرفت * وقلب رقيق كلة خلجات؟
أيا زهرتي خلفت غصنك ذاويا * عليه من الماضي الجميل سمات
في هذه القصيدة نجد أنفسنا أمام نوع جديد من الحب والمناجاة، حيث شخص الشاعر الطبيعة وجعلها حية ناطقة وخلع عليها من وجدانه ومشاعره صفات تثير المشاعر وتوضحها للنفوس ويلاحظ جدة هذه الأفكار وجودتها وعرضه لها عرضا واضحا جليا في تسلسل رائع متفق مع عاطفة الشاعر الصادقة وذلك يدل على مهارة الشاعر وقدرته على الإبداع والتصوير لمظاهر الطبيعة التي بعث فيها الحياة، كما فعل الرومانسيون أمثال: العقاد، وأبي القاسم الشابي، وتمثلت جودة الشعر أيضا في قصائد الرئاء، وذلك في قصيدة رحماك يا رباه أي مصيبة 9، التي يرثي فيها أستاذه وصديق صباه الشاعر الكبير إبراهيم الأسطى عمر، حيث قال:
هول الفجيعة فيك مد كياني * وأهاج، رغم تصبري أشجاني
أيفيئني فيك التصبر، والأسى * بين الجوارح ثار كالبركان
دمع تفجر من فؤادي نبعة * فيضا من الآلام والأحزان
ماذا دهى عقلي فضاع صوابة؟ * ماذا، وقذ دهم القضاء دهاني؟
يعبر الشاعر في هذه القصيدة عن مرارة اللوعة وحرقة الألم على فراق أستاذه وصديق صباه، وكيف أنه كان منارة الأمل في هذه الحياة، يدعو له بالرحمة والمغفرة، ومما يدل على جودة هذه الألفاظ التي استخدمها الشاعر مثل: (هول الفجيعة هد كياني – أهاج الأسى ثار كالبركان – تفجر من فؤادي نبعه – دهى عقلي – دهم القضاء) يدل ذلك على مدى قوة الصدمة على الشاعر ولكن هذه مشيئة الله سبحانه وتعالى.
هذه القصيدة تمتاز بقوة العاطفة عند الشاعر في تعبيره عن مشاعره تجاه صديقه، وتدرجت عاطفة الحزن من بكاء، وفجيعة، وأسى.
ولم يكن شعره متكلفا أو متصنعا ولكنه صادر عن طبع أصيل وحس صادق.
وابن سلام الجمحي في مقاييسه النقدية غلب ناحيتين الأولى جودة الشعر والثانية كثرة الشعر فإذا اجتمعت تقدم الشاعر عنده10.
وهذه المقاييس الشعرية متوفرة في شعر الماجري ومتجسدة في شعره أجمل تجسيد.
وفي النقد الحديث لو نظرنا إلى قول عباس محمود العقاد الذي يقيس فيه الشعر بثلاثة مقاييس هي: (أن الشعر قيمة إنسانية وليس بقيمة لسانية، وأن القصيدة بنية حية وليست قطعا متناثرة يجمعها إطار واحد، وأن الشعر تعبير، وأن الشاعر الذي لا يعبر عن نفسه صانع وليس بذي سليقة إنسانية)11.
بالنسبة للمقياس الأول عند العقاد: أن الشعر قيمة إنسانية، فيلاحظ أن قصائد الماجري صدرت عن تجربه شعرية إنسانية عميقة تأمل الشاعر أفكارها ومشاعرها ونضجت في نفسه وعقله ثم جات اللحظة الإبداعية حيث تخرج القصيدة على شكل الألفاظ والمعاني، والموسيقا، والأخيلة، والعاطفة، وقد اندمجت وتفاعلت لتستوي إيداعا فنيا متكاملا، وتمثل ذلك في قصيدة (بلدي)12، حيث قال:
بلدي ونبع الحب في أيامي * وربيع أحلام الصبا البسام
عشاقك الشعراء كثر إنما * أنا فيهمو كالطيب في الأنسام
هم ينثرون عليك عطر فصائدي * ويغازلونك من روى أخلامي
وأنا الذي أصفيك ذوب مشاعري * وشجي أنغامي ووهج غرامي
أنا لم أكن يوما صدى لك إنما * أنا أنت في فرحي وفي ألامي
أن يمحوك هوى وهبتك مهجتي * شتان بين هواهمو وهيامي
تعبر هذه القصيدة عن هيام الشاعر في حبه لوطنه وعن صدق مشاعره التي تتضح في رقة الألفاظ وعذوبة الأنغام حيث أختار لها وزنا هادنا (الكامل) وقافية توحي بالحب والغرام وصدق المشاعر (وقافية الميم المشبعة بالكسرة)، فجل قصائد الماجري معبرة عن تجربة شعرية صادقة عاشها الشاعر وتركت آثارا عميقة في وجدانه وصورها أصدق تصوير، ولقد عبر عن تجاربه بعبارة طليه وأسلوب أدبي رفيع وقدرة فنية على تصوير أحاسيسه التي كانت مؤثرة في المشاعر الإنسانية فأضفى على شعره صفات الجودة والبهاء والخلود.
أما المقياس الثاني عند العقاد: أن القصيدة بنية حية وليست قطعا متناثرة يجمعها إطار واحد، فيقول العقاد: (ينبغي أن تكون القصيدة عملا فنيا تاما يكمل فيها تصوير خاطر أو خواطر متجانسه كما يكمل التمثال بأعضائه والصور بأجزائها واللحن الموسيقي بأنغامه، بحيث إذا اختلف الوضع أو تغيرت النسبة أخل ذلك بوحدة الصنعة وأفسدها فالقصيدة الشعرية كالجسم الحي يقوم كل قسم منها مقام جهاز من أجهزته)13، وتمثلت الوحدة العضوية عند الماجري في قصيدة (حنانيك) 14 حيث قال:
ملكت بطرقك الساجي * وشغر فاحم داج
وثغر عابش يفتر * عن مبسمك العاجي
وقد قلق كالزنبق * الرقراق رجراج
وورد شاخص كالجلنار * الغضن وهاج
رنا في رفة السلسل * أو نغمة ديباج
أبحت بذلك الإذلال * والتعذيب والرقا
فصيرت الهوى نارا * فصورت لنا العشقا
ولم تتحققي ولاي أمينا * كان أم صدقا
اجل أن أعذب بالهوى * الهذري أو أشقى
وأنت الحاكم المطلق * ما ضره لو رقا
يصور الشاعر في هذه القصيدة خواطر متجانسة تتعلق بالحب، والوصل، والشوق، واللوعة، والحرقة، مما يجعل القصيدة وحدة شعورية تتشكل عنصرا مهما في فنيتها التامة، وقد صور حبه لمحبوبته كالقلب الظامئ، والجرح النازف، والزهرة التي يهددها الذبول، إلا أنها لم تشفع له وتمده بحبل الود وقد تقصى الشاعر صفات محبوبته بما يوحي بشدة ارتباطه بها ولم يغفل الشاعر عن إتمام لوحته الفنية باختيار لحن موسيقي موحي بإعجابه بالمحبوبة وثقتها به.
وأن القصيدة تمثل عمل فني متكامل متنامي متناسق الأجزاء والنسب معبر عن وحدة الشعور، ووحدة الموضوع.
أما المقياس الثالث: أن الشعر تعبير، وأن الذي لا يعبر عن نفسه صانع وليس بذي سليقة، فيؤكد ذلك العقاد بقوله (الشاعر من يشعر بجوهر الأشياء لا من يعددها ويحصي أشكالها وألوانها وأن ليست مزية الشاعر أن يقول لك عن الشيء ماذا يشبه، وإنما مزية الشاعر أن يقول ما هو ويكشف لك عن لبابه وصلة الحياة به) 15.
وتجسد شعر التعبير عن الذات في قصائد الماجري الغزلية ومنها على سبيل المثال قصيدة (طيف الحب)16.
حيث قال:
تبسمت الآمال لما تبسمت * وثاب لقلبي رشده حين سلمت
وأقبلت الدنيا علي كأنها * مواكب أحلام الصبا حين أقبلت
فقد كنت طيف الحب “إحسان” * شاقني فأمسيت أحلامي وحبي أصبحت
وكنت إذا مازار طيفك خاطري * سالت فؤادي كيف يقوى على الكبت
عرفتك في قلبي وثغري ومدمعي * فما عدت بعد اليوم أسأل من أنت
يتبين كيف أن الشاعر صادق في تعبيره عن نفسه ومشاعره حيث اندماجه مع محبوبته، ومن هنا فهو شاعر مطبوع عبر عن تجربته الشخصية ولم يتصنع حبا كاذبا أو محبوبا متخيلا.
بهذا فإن الماجري شاعر بكل مقياس من مقاييس العقاد؛ لأن شعر الماجري معبر عن الشعور الصادق ويكشف عن حقائق الأشياء ولبابها، ويأتي الماجري بالشعر في صيغة عذبة وعاطفة جياشة.
وبعد هذا العرض النقدي لشعر الماجري، حسبي أن أدع المجال لبعض الأدباء والنقاد، ممن كانت لهم معرفة بالشاعر، ولهم اطلاع على ديوانه لإبداء وجهت نظرهم النقدية.
في مقابلة علمية مع الأستاذ الدكتور / محمد رمضان الجربي، سألته عن انطباعاته حول الشاعر رجب الماجري، فقال: (الشاعر رجب مفتاح الماجري من الشعراء المعاصرين المطبوعين، والذي وهب ركيزة فطرية وحسا مرهفا رفيعا، وثقافة واسعة، وتمكنا من اللغة العربية وآدابها، واطلاعا واسعا على الآداب العربية في عصور ازدهارها، وتأثر تأثرا كبيرا بالشعراء القدامى والمحدثين، وله معرفة دقيقة بالمناهج النقدية المختلفة، وذكاء حاد وقدرة على تطبيق هذه المناهج النقدية والأدبية على شعره الرائع الذي طبع بطابع الجودة، وطول النفس، وتعدد الأغراض، والتعبير عن التجارب الأدبية، وتصوير الطبيعة، والتعبير عن خلجات النفس في وحدة عضوية رائعة، فرسم في شعره لوحة فنية رائعة في نفس طويل، ووصف دقيق، وغزل عف، ووطنية صادقة ووفاء بحق الوطنية التي تجري في دمه وعروقه.
فهو بحق من أنبل الشعراء المعاصرين في ليبيا، وأدقهم وأقدرهم على تصوير لتجارب الأدبية، ومحاكاة الطبيعة لتجسيمها وتشخيصها، وبث الحياة فيها من جديد في أسلوب بديع ورفيع، وعاطفة صادقة، وخيال تفسيري رائع، وعبارة أدبية مصقولة، ومعاني سامية، وموسيقا غنية، ودقة فنية متناهية في الربط بين عناصر الأدب عن طريق اللغة التي كانت أداة طيعة في نفسه.
وقد جمع بين الشعر العمودي، والمرسل، والحر، وشعر المقطوعات، وبذلك تبوا مكانة أدبية مرموقة بين أقرانه ومعاصريه) 17.
ويقول حسن السوسي: (( رجب الماجري أحد الشعراء المعاصرين الكبار على مستوى العالم العربي، لا يبعد كثيرا في لنشائه وباراته وأسلوبه وصياغته واختياره، وهو عندي قريب جدا من الأخطل الصغير “بشاره الخوري” بين الشعراء المعاصرين، وأبي القاسم الشابي في سهولة ألفاظه وجودة صياغته واصطياد المعاني، وديوانه الذي صدر مؤخرا يشهد بتفوقه ويحدد حجمه ومكانته بين الشعراء العرب المعاصرين) 18.
ويقول معمر الأمين الزائدي: (نتاج الشاعر رجب الماجري المتوفر في ديوانه يحتفظ لنفسه بكونه نتاجا أدبيا ينمسك باستقلاليته مع غيره من النصوص في محافظته على مفاهيم تشكل ذاكرة لا نمتك انتقادها أو الاحتفاء بها بقدر ما نحترمها ونحن نقترب منها كما ينبغي أن يكون الاقتراب.
فصائد رجب الماجري إذ تخرج الآن من قمقمها تجعلني أبدو وكأنني في ورطة لطيفة تتمثل في كيفية تعاملي معها دون خلق أزمة علائقية بين النصوص وزمن كتابته وبين زمن المقاربة وتطور المفاهيم… وإن رجلا بقامة الماجري كشاعر ومواطن ملتزم بقضايا بلاده الأدبية والفكرية والسياسية وكذلك القانونية بحكم التخصص.
ولعل الوظيفة الأساسية للشعر في تلك الفترة، إضافة إلى ما مرت به الأمة في تكون همة الماجري وغيرته على شخصيته العربية، إن لم تكن القومية هي ما جعلت الطابع الملتزم بالقضايا السياسية والوعظية الإرشادية غالبا على معظم الديوان مما كاد أن يخفي عنا شخصية الشعر التي نبتغي التوصل إليها لولا بعض القصائد الرقيقة القليلة فمثلا بدا ديوانه بثلاثة أبيات لطيفة:
قالوا محب أجل محب * وليس مثلي في الخلق صب
لو مس حيا في الكون جرع * لكان في لقلب منه ندب
ياليت قومي يذرون أنا * أقوى من الموت إذ نحب
هذا هو رجب الماجري الشاعر رقيق المشاعر مرهف الأحاسيس عليم بالأدواء خبير بما يعتقده، يتألم بصدق ويحب برفق ويحمل هم المجتمع على عاتقه، هذا المجتمع الذي ينكر عليه أن يكون رقيقا ولطيفا إلا عند ما يعنيه الأمر.
والذي يعتبر الاتصاف بمثل هذه السجايا ضعفا منبوذا لا يجب أن يكون عليه الرجل في تلك الفترة، وإنما يجب أن يكون قويا وخشنا بقسوة الهزيمة التي استوجبت مثل رد الفعل هذا:
وأنا بلبل حبس التقاليد * قصارى شكواه لخن حزين
وبالرغم من كونه كذلك فالماجري لم ينخل عن موقفه مجتمعه رغم ما فيه من سلبيات وتناقصات. فهو يؤكد نفسه في الوسط الثقافي والسياسي وكذلك الاجتماعي) 19.
ويقول جميل حمادة: (ربما قد يعتبر مدعاة للتساؤل حول شعر رجب الماجري، هذا الكم من الغزل بعيدا عن الهموم الأخرى للإنسان العربي المعاصر، فمثلا قليلا ما نسمع أو نقرأ قصائد وطنية للماجري أو قصائد تعالج الوضع العربي المتردي أو هذا التشرذم الذي تشهده الأمة العربية والإسلامية على حد سواء، ولكن قد يكون ذلك يصب في مصلحة الماجري، الذي كأنه وهب قصيده للجمال وتقديرا لجماليات من بينها المرأة20.
* المجلة العلمية بكلية الآداب، مجلة علمية ربع سنوية محكمة، جامعة طنطا – كلية الآداب، العدد 25، المجلد 2012، الصفحة: 367 – 382.
1- ولد بمدينة درنة وبقى بها حتى سنة 1946 م، ثم انتقل بعدها إلى بنغازي، وفي سنة 1951 م، انتقل الشاعر إلى مصر لإكمال دراسته الثانوية وبعد ذلك الجامعية، تحصل على ليسانس الحقوق من جامعة عين شمس بالقاهرة عام 1956 م، والتحق بالنيابة العامة حيث عين وكيلا للنيابة سنة 1958 م في مدينة بنغازي، وتولى مناصب عدة في سلك الحقوق، نشر أول قصيدة عام 1947 م بمجلة الفجر، ويعتبر من رواد الرومانسية في ليبيا. ينظر مجلة الفصول الأربعة، العدد: 79 – 1995 م.
2- النقد ا دبي: د/محمد رمضان الحربي، د/ علي رمضان الجربي، الجزء الأول، المنشأة العامة للنشر والتوزيع والإعلان، طرابلس، ب.ح، ص8.
3- الغربال: دار الفكر- القاهرة، ط 1- 1951ف، ص 13.
4- الشعر الليبي الحديث “مذاهبه وأهدافه”، عبدالمولى البغدادي، رسالة دكتوراه، جامعة الأزهر – كلية اللغات العربية – 1971 م، ص 321.
5- ينظر البلاغة التطبيقية (دراسة تحليليه لعلم البيان): د/محمد رمضان الجربي، منشورات إلجا – مالطا، ط 2 -2000 م، ص 54.
6- طبقات فحول الشعراء: محمد بن سلام الجمحي – تحقيق: د/ محمود شاكر دار المعارف ـ مصر. ط 1، 1952ف، ص 26.
7- ينظر مجلة الفصول الأربعة: العدد 79، 1995 ف. تصدرها رابطة الأدباء والكتاب – طرابلس، ص54.
8- ينظر ديوان الماجري (في البدء كانت كلمة): رجب مفتاح الماجري، منشورات مجلس تنمية الإبداع الثقافي- بنغازي، ط 1 – 2005م، ص 57.
9- المصدر السابق: ص 62.
10- ينظر تاريخ النقد العربي إلى القرن الرابع الهجري: د/ محمد زغلول سلام. دار المعارف مصر.ط 1- 1964، ص 32.
11- في الأدب الحديث: د/عمر الدسوقي، دار الفكر العربي مصر، ط7 – 1994ف، ص 276.
12- ينظر الديوان: ص 138.
13- في الأدب الحديث: ص 271.
14- ينظر الديوان: ص 53.
15- في الأدب الحديث: ص 270.
16- ينظر الديوان: ص 182.
17- مقابله أجراها الباحث مع الدكتور/ محمد رمضان الجربي في منزله بمدينة مسلاته. ليبيا. الموافق: 16-3-2006ف.
18- مقابلة مع الشاعر/ حسن السوسي، بمبنى مكتبة الكتب الوطنية- بنغازي، الموافق: 14-5-2006ف.
19- مجلة الفصول الأربعة. العدد 79 – 1995ف. ص 146-147. مقالة بقلم /معمر الأمين الزائدي.
20- مقابلة مع الشاعر الناقد، في مبنى القبة الفلكية. طرابلس. أجرها الباحث. الموافق: 18-3-2006ف.
فهرس المصادر والمراجع
1) البلاغة التطبيقية (دراسة تحليلية لعلم البيان): د/ محمد رمضان الجربي، منشورات جامعة إلجا – مالطا، ط2، 2000م.
2) تاريخ النقد العربي إلى القرن الرابع الهجري: د/ محمد زغلول سلام، دار المعارف مصر، ط 1 – 1946 م.
3) ديوان الماجري ( في البدء كانت كلمة ): رجب مفتاح الماجري، منشورات مجلس تنمية الإبداع الثقافي – بنغازي، ط ١، 2005م.
4) الشعر الليبي الحديث (مذاهبه وأهدافه): عبدالمولى البغدادي، رسالة دكتوراه، جامعة الأزهر – كلية اللغات العربية – 1971.
5) طبقات فحول الشعراء: محمد بن سلام الجمحي، تحقيق: محمود شاكر، دار المعارف مصر، ط 1 – 1952م.
6) الغربال: مخائيل نعيمة، دار الفكر – القاهرة، ط 1 – 1951م.
7) في الأدب الحديث: د / عمر الدسوقي، درا الفكر العربي – مصر، ط 7 – 1994م.
8) مجلة الفصول الأربعة: العدد 79 – 1995 م، تصدرها رابطة الأدباء والكتاب – طرابلس.
9) مقابلة أجراها الباحث مع الدكتور / محمد رمضان الجربي، في منزله بمدينة مسلاتة – ليبيا، الموافق 16-3-2006م.
10) مقابلة مع الشاعر / حسن السوسي، بمبنى الكتب الوطنية- بنغازي، الموافق: 14-5-2006.
11) مقابلة مع الشاعر الناقد / جميل حمادة، في مبنى القبة الفلكية، طرابلس، أجراها الباحث، الموافق: 18-3-2006م.
12) النقد الأدبي: د / محمد رمضان الجربي، د / علي رمضان الجربي، الجزء الأول، المنشأة العامة للنشر والتوزيع والإعلان طرابلس، ب. ت.