المقالة

قراءة في الثقافة السائدة (الموتى في قبورهم)

يوسف الغزال

من أعمال التشكيلي الليبي_ عبدالرزاق حريز

من الطبيعي أن كل الأجساد بعد الموت تنتفخ بسرعة تتعفن، ويتحول نصف الجثة إلى ديدان عمياء تتغدى على النصف الآخر، وعندما ينتهي الغذاء يتغدى الدود القوي على الدود الضعيف حتى يموت آخر الدود من الجوع، ويعود الجسد من جديد إلى التراب.

هناك بعض الإشارات في النصوص الدينية تشير إلى أن أجساد كل الانبياء المذكورين في القرآن والشهداء لا تبلى في قبورها وتبقى كما هي حتى يوم القيامة، وهذا الفهم ترسخ في الثقافة السائدة  وأصبح جزء من عقيدة بعض الناس وأن أجساد الانبياء والأولياء والشهداء من الصحابة الانقياء هم مازالوا كما هم يوم دفنهم، وأجسادهم لا تبلى ولا تتحلل ولا يأكلها الدود والتراب، بل ينامون في قبورهم على وجوههم ابتسامة ويشع منها نور إلهي وتفوح من أجسادهم رائحة أهل الجنة، هذا ما سمعته من واعظ في درس ديني في وفاة شهيد أيام حرب البنيان المرصوص، من يومها شغلتني الفكرة كتبت هذا المقال وترددت في نشره في ذلك الوقت حتى لا يفهم أنه تشكيك في شهادة الشهداء.

أذكر ذلك الخطيب المفوه، يخطب بحماسة وخشوع يكاد يبكي في خيمة العزاء والناس مبهورة بما تسمع من بلاغة الخطيب وحلاوة وطلاوة لسانه.

 قلت في نفسي إذا كان ذلك كذلك كما قال الواعظ المتحمس لماذا لا يعاد دفن كل الانبياء والصحابة الشهداء في كبسولة من الزجاج القوي ضد الرصاص مفرغة من الهواء حتى لانحرم الناس من رؤية نور وجوه الانبياء وكافة الشهداء من الخلفاء الراشدين أبوبكر وعمر وعثمان وعلي والحسين وكل الصحابة الانقياء أمثال حمزة عم الرسول شهيد بدر، ونرى وجوه الأمة الاربعة وغيرهم من الاولياء الصالحين وتكون هذه الرؤية بمثابة معجزة حافز قوي دعوة  مقنعة لدخول الناس في دين الله أفواجاً بناء على ما رأوا بعيونهم من معجزة، تقشعر لها الأبدان.

كم نأمل أن يكف الواعظ على خلط الحقيقة بالوهم في الدين، وأن نبتعد عن الروايات الضعيفة والتي تخالف المنطق العلمي والواقع العملي حتى يبقى الخطاب الديني عقلي منطقي بعيد عن خيال.

في الطب الشرعي كل الأجساد تتحلل، بل هناك مراحل معروفة تمر بها الجثة من حالة البرودة إلى التيبس الرمي ثم الانتفاخ والتحلل حسب جدول زمني معروف ولا فرق في ذلك بين جثث كل الكائنات الحية.

إن أخطر شي على (الدين) هو حماس الجهلة من الوعاظ، حيث يندفع بعضهم للمبالغة لإقناع الناس، نراه يقول كل ما يخطر على باله من أفكار حماسية أثناء الخطبة عندما يسمعها واعظ آخر يكررها من باب الإعجاب ويعتقد أن لها أصل في الكتاب أو السنة، مع التكرار تشاع بين الناس وتصبح وكأنها من ثوابت الدين.

هكذا يتم تشويه الدين وإلصاق به ما ليس منه من خرافات وبدع واساطير.. ولذا لا رأي بدون دليل ولا دليل يخالف العقل، ولا اجتهاد مع النص، ولا اجتهاد بدون نص، كتحريم قيادة السيارة على المرأة المسلمة وأن الطامة الكبرى في الدين هو الخلط بين كلام الخطيب الواعظ وبين كلام العالم المحقق.

مقالات ذات علاقة

جحا وحماره

علي مصطفى المصراتي

التحفظ الاجتماعي

المشرف العام

خميسة مبروكة الفضية

منصور أبوشناف

اترك تعليق