قصة

الوصية

أحمد فكرون

من أعمال التشكيلي عبدالرحمن الزوي

قدوس… قدوس…

السعادة ليست سلعة تشتريها، بل هي كنز محبوه، ابحث عنه حيث لا تتوقع.

أقطعت البحار لأسمع هذه الإجابة فقط! هل استسلم؟ إنها وصية أبي لن أتركها – عش سعيدا ولا تجعل مجالا لليأس .

ولزم باب خلوة الشيخ. وفي صباح اليوم التالي عاود الكرة. فوجد الخلوة تفوح برائحة البخور، والشيخ هائم في أوراده وتسابيحه، جلس أمامه في وقار وانتظره حتى أكمل.

قال الشيخ في جلال ووقار: لكل إنسان إكسير للسعادة، القليل منا يجده أنا وجدت إكسير سعادتي في الأوراد والتسابيح والبخور، اذهب وابحث عن سعادتك تجدها في مكان كنت تجهله، وتغض الطرف عنه.

ركب السفينة وهم بالعودة إلى دياره، وعلى ظهر السفينة استلقى على ظهرها، بينما كان السفِن يقوم بجولة عليها سأله: هل تحب البحر؟

أجاب السفِن: البحر هو إكسير سعادتي لا أستطيع البعد عنه. 

وفي الصباح حطت السفينة في نعومة وهدوء، وأفرغت حمولتها. وغادرت من جديد.

لم يعد الفتى إلى البيت، سار إلى جبل بعيد عن المدينة، اعتزل فيه الدنيا آملا أن يجد إكسير سعادته، بقي حيناً من الدهر في الجبل لم يهتد إلى شيء. 

وبينما هو يتجول في المدينة والبؤس يملأ وجهه، رأى فتاة تسير في حشمة وحياء، تبضعت وعادت إلى منزلها، تتبع طريق عودتها.

من هي؟ لم أر مثل حسنها من قبل؟

تبادرت هذه الأسئلة والجمل لعقله، وهو يتوسد فراشه يبحث عن قليل من النوم، ومرت أيام ولم يرها، وهو يتجول في المدينة ويمر أمام بيتها كل صباح، لم يظهر له حتى طيفها، وبينما هم بالذهاب أمام المنزل وإذا بصوت ينادي:

… بتول! بتول ….! اذهبي إلى الدكان وهاتي لنا حاجاتنا.

لم يعد يسيطر على نفسه، توجه إليها، وأهداها وردة بنفسجية، فتبسمت، وعاد أدراجه إلى البيت.

شعور غريب يلم به، فرحة عارمة تجتاح فؤاده: أسعادتي في حبها؟ سأتزوجها، ماذا إن كانت متزوجة؟ سوف أترك الأمر إلى القدر يسوقني حيث يشاء!

وأمام البين وجد رجلاً كهلاً يحاول إصلاح عربته، ساعده بما يستطيع فعله، زاد حجم الفرخ في قلبه، عرف إكسير سعادته. هو الحب! حب الناس المرسل للخير والبسمة، وتزوج بتولا وساعدا الناس بما يستطيعان، وغمرت السعادة قلبيهما وبيتيهما.

وقبل أن يدرج في قبره، يتذكر أبناؤه وصيته لهم: أخبروا الناس يحبكم الناس، وابحثوا عن إكسير سعادتكم في قلوبكم.

ووري الثرى، ودمع الناس يهطل كالمطر على فراقه.

مقالات ذات علاقة

البرقية

إبراهيم دنقو

يا رجلاً يقـف بين بين

العـالِـق

أحمد يوسف عقيلة

اترك تعليق