المقالة

فيروز والانقلابات العسكرية

يسري عبدالعزيز

من ذكريات سنوات مضت

نصري شمس الدين وفيروز (الصورة: من اختيار الكاتب)
نصري شمس الدين وفيروز (الصورة: من اختيار الكاتب)

في أحد أيام شهر مايو من سنة 1978 كنت جالسا في انتظار دوري بمحل حلاق لبناني بمدينة فري تاون (Freetown) عاصمة دولة سيراليون بغرب أفريقيا… وكان صوت فيروز وأصوات نصري شمس الدين وانطوان كرباج وغيرهم تنبعث من المسجل الموجود بالمحل بحوارات وأغاني لمسرحية لم اسمعها من قبل ولكن ما سمعته منها أثناء انتظاري جعلني أعرف انها تتحدث بسخرية وبكوميديا راقية عن الانقلابات العسكرية وكانت كلماتها تعبر عن واقع أعرفه جيدا من خلال المعايشة لكوني مواطنا بواحدة من الدول العربية التي اكتوت بنار هذه الانقلابات..

اعجبتني المسرحية كثيرا من خلال ما سمعته منها وعرفت أنني لم اسمعها من قبل لاستحالة عرضها في قناة التلفزيون الليبي أو بيع اشرطتها في ليبيا بسبب موضوعها الساخر من الانقلابات العسكرية.

بعد أن انتهيت من الحلاقة لم أغادر المحل إلا وكانت أشرطة الكاسيت الثلاث التي تحوي التسجيل الكامل للمسرحية في يدي بعد أن اقنعت الحلاق ان يبيعني اياها.

سمعت المسرحية بعد ذلك عدة مرات حتى كدت احفظها عن ظهر قلب…تبدأ المسرحية بانقلاب وتنتهي بانقلاب آخر وما بين الانقلابين الكثير من الحوادث والأمور التي نعرفها جيدا في العالم العربي من كثرة ما وقع في منطقتنا من انقلابات عسكرية….

الأخوان عاصي ومنصور الرحباني اللذان أتحفا التراث الأدبي الفني بأعمال مسرحية غنائية عظيمة سجلت قيماً انتقادية اجتماعية وثقافية واقتصادية اضافا بهذه المسرحية بعدا سياسيا لأعمالهم ينتقد بسخرية محببة مزجت بين جمال النص والموسيقى والغناء وبين فضحها الساخر للأوضاع المزرية التي طالت بعض الدول العربية نتيجة تلك الانقلابات.

حدثت أول الانقلابات العسكرية العربية سنة 1949 في سوريا بانقلاب حسني الزعيم علي الرئيس المنتخب شكري القوتلي.

لم يطل حكم حسني الزعيم طويلا فبعد أشهر قليلة انقلب عليه وفي نفس العام العقيد سامي الحناوي الذي اذاع في بيانه الأول أنه قام بثورة علي الحكم الظالم استجابة لـ(مطالب الشعب) وهي نفس الجملة التي تصدرت بيانات كافة الانقلابات العسكرية في العالم العربي فيما بعد.

بعد نجاح الحناوي في انقلابه قام بتسليم رئاسة الدولة إلي رفيقه هاشم الأتاسي واكتفي هو برئاسة المجلس العسكري الأعلى…ولكن لم يدم الحكم للحناوي وجماعته فقد قام أديب الشيشكلي بانقلاب اطاح بهم بعد أشهر قليلة.

وهكذا استمرت الانقلابات في سوريا انقلاب يتبعه انقلاب حتي بلغ عددها 9 انقلابات كان أخرها الذي قام به حافظ الأسد على نور الدين الاتاسي عام 1970 والذي وبعد وفاته ورث ابنه الرئيس الحالي بشار حكم السوريين تماما كتوريث الحكم في الأنظمة الملكية التي قامت معظم تلك الانقلابات بحجة القضاء علي انظمة التوريث الرجعية في بلدانها.

الدول العربية الأخرى التي شهدت هي أيضا انقلابات عسكرية تسببت في تخلفها وفي احالة حياة المواطن إلى جحيم بعد ان سلبته حريته هي العراق (التي شهدت 4 انقلابات منذ 1958 وحتى 1979) ومصر واليمن والسودان وليبيا وأخيرا موريتانيا التي وقع بها 7 انقلابات خلال 40 عام كان آخرها عام 2018 …كما وقعت بعض المحاولات الانقلابية الفاشلة في دول عربية أخري…

اتذكر عبارة قرأتها منذ فترة طويلة يشبه كاتبها الانقلابات العسكرية بمعجون الاسنان الذي إذا اخرجته من انبوبته استحال عليك إعادته إليها.

 الانقلابات العسكرية كانت وبدون استثناء عامل هدم للمجتمعات والدول وكل من أتت بهم للحكم كانوا من المرضى النفسيين المتألهين الذين أفسدوا مجتمعاتهم وأضروا شعوبهم بشعاراتهم الرنانة التافهة والهدامة.

لقد كان وجود هؤلاء الطغاة المتمسكين بكراسي الحكم حتى موتهم كارثة على بلدانهم بكل المقاييس.

ويعيش…يعيش… “يعيش صاحب السدة العليا…يعيش ألف مرة…. إذا كان ذلك سيقنع عزرائيل” .كما قال الصادق النيهوم

مقالات ذات علاقة

كم دبابة يملك المثقف؟

الصديق بودوارة

زرايب العبيد.. .أدب… تاريخ ومجتمع النفاق

المشرف العام

الحرايمي، لَمْ يَكُنْ يهودياً

المشرف العام

اترك تعليق