رأفت بالخير
منذ ترشيحها للقائمة الطويلة بجائزة بوكر للرواية العربية، سعيت للحصول عليها، ولم أكن أعرف أن حكاية بحثي عنها هي حكاية بحثي عن جزء من تاريخ وطني، جزء غض كثير من حُكٌامنا عنه، وغض الشعب بأكمله بصره عنه. زرايب العبيد، هذه الرواية الليبية الحدث، تحكي عن الكثير من المآسي، وتتناول العديد من سلبيات المجتمع الليبي المتجذرة فيه والمتواصلة إلى يومنا هذا، زرايب العبيد ليست كتابا للتاريخ ولكنها أقرب لواقع نعيشه اليوم بشخصيات أخرى صيغت في قالب أدبي سلس ورصين بكل حرفية وجدارة.
نجوى بن شتوان كاتبة الرواية، وضعت حبر قلمها على جروح غائرة في التركيبة النفسية للمجتمع الليبي وأزاحت الأقنعة عن هذا المجتمع المحافظ “ظاهريا” الفاسق “سرٌيا”، دون تكلف أو مواربة. فالرواية توضح حالة الاستعباد التي يعيشها المجتمع الليبي فالسيد يستعبد “العبد”، والأب يستعبد الزوجة والأبناء، والابن يستعبد الأخوات والحاكم يستعبد الرعية، ولا تتوقف الرواية هنا بل تواصل تفصيل شرح المشاكل النفسية لدى مجتمع يفترض فيه أن يكون مسلما يرفض كل أشكال التمييز، لكن هذا المجتمع يواصل هرطقاته التي تحركها دائما المصالح الاقتصادية، لتقول :”هكذا تحولنا إلى عبيدٍ من نوع آخر، عبيد غير مرئيين نُدير تجارة غيرنا ونعيش بما يقتسمونه لنا، لكنهم أبداً لن يسمحوا لنا أن نطاولهم في البنيان”.
الرواية تسلط الضوء على الهجرة من الجنوب إلى الشمال وتتحدث عن طريق الموت في الصحراء الليبية الذي يقطعه العبيد مجبرين سابقا، والمهاجرون يقطعونه بملء إرادتهم نحو الحلم الأوروبي اليوم، لكن الصحراء هي ذاتها تبتلع الضعفاء منهم وغير المحظوظين، وتقول: “تبكي متذكرة طفلا كان رزقا للطيور في الصحراء الليبية، كآخرين سواه ولقرون مديدة”.
رواية زرايب العبيد حتى وإن لم تظفر بلقب البوكر للرواية العربية بعد وصولها للقائمة القصيرة، يجب أن تصل لكل الليبيين ليتعرفوا على أنفسهم من جديد، ويتصالحوا مع تاريخهم بالاعتراف بأخطائه والالتزام الجماعي بعدم تكرارها سعيا لمستقبل أكثر أمانا لكل من تعويضه وعتيقه.
___________
نشر بموقع ليبيا المستقبل