النقد

جمعة الفاخري يقترف الوطن

د. يوسف حطيني

ابتداء من عنوان المجموعة “مراسم اقتراف وطن” يضعك جمعة الفاخري، في قصصه القصيرة جداً، أمام لغة جديدة، عمادها الانطلاق من تجاورات لغوية غير مألوفة، ويشعرك أن الصيغ الجاهزة والمسكوكات اللغوية، لا مكان لها في سياقاته، إلا إذا كانت في هيئة تناص يعيد القاص تشكيله وإنتاج دلالاته.

ترى هل يُقترف الوطن؟ وأيه جريمة يمكن للمرء أن يقترفها حين يحبّ وطنه؟

كتبتُ ذات مرة عن مجموعة قصصية قصيرة جداً عنوانها (جرائم شتوية) للقاص السوري عماد نداف مقالةً عنوانها (اقتراف الكتابة في الجرائم الشتوية)، متيمّناً بشاعرنا الكنعاني محمود درويش الذي اعترف ذاتَ قصيدة بما اقترف الفؤاد من الحنين.

أقول هذا هنا لأنّ فعل الاقتراف، في المعجم اللغوي السائد، يحيل على الجريمة والأفعال المشينة، غير أنّ جمعة الفاخري أراد أن ينقل الفعل إلى ساحة أخرى؛ ليختصر كلّ الجرائم والويلات التي ترتكب في وطنه الليبي النازف؛ وليعلن من ثمّ أن اقتراف الانتماء شرف للمبدع الذي يحمل جرح الوطن في قلبه وعلى لسان قلمه.

اللغة، في هذه القصص القصيرة جداً، لغة شاعر، يستثمر إمكانات الشعر في خدمة الحكاية، دون أن يضحي بأيّ منهما، فاللغة الجميلة لديه متّكأ لصناعة حدث، وحبكة وعقدة تقود إلى حلّ، يشبه شرفة مفتوحة على اللانهاية.

وإذ يضع القاص نفسه في صف الذين يدافعون بحماسة عن القصة القصيرة جداً؛ فإنّه يقدّم قصة تدلّ على وعي نقدي كامل بإرادة التجديد، في مواجهة الذين ما زالوا يشككون بجدوى هذا الجنس الأدبي، وجدارة انتمائه للسرد؛ لذلك فإنه ينتمي إلى جموع الساردين الذين لم يؤمنوا على دعوة خطيبهم بالابتعاد عن اقتراف القصة القصيرة جداً. يقول الفاخري في قصة إِبَاق:

“وَقَفَ إِمَامُ السَّارِدِينَ خَطِيبًا: ” أَيُّهَا السَّارِدُونَ ، أُوصِيكُم وَنَفْسِيَ الأَمَّارَةَ بِالسَّرْدِ ، فَالقِصَّةُ الْقَصِيرَةُ جِدًّا أَمَةٌ مَارِقَةٌ .. فَلْتَحْذَرُوهَا ..”

دَعَا فلم يُؤَمِّنُوا ..

فِيمَا كَانَتْ مُخَيَّلاتُهُم مَشْغُولَةً بِإِيْقَاعِ إِمَاءٍ آبِقَاتٍ جُدَدٍ .”

وعلى الرغم من الاستقرار النسبي للقصة القصيرة جداً مصطلحاً وأركاناً وتقنيات، فإنّ القاص يسعى إلى كسر احتكار التنظير، والعبث بنظام القصة القصيرة جداً، من خلال استثمار ما تتيحه له اللغة، وما يتيحه له السرد، في صناعة أشكال مختلفة من الحكايات، فها هو ذا في قصة “تَشاخُرٌ” يقدّم لوحة قصصية، تعرض أجزاءها المكونة للحكاية عرضاً موشورياً، لتصل من ثم إلى نهايتها التي تتوالد من مفردات يحيل بعضها على بعض، فالنهر يحيل على الشجرة، والشجرة على الظل، والظلّ على الجذع، وهكذا عمر مستنفد يشخر بالفجيعة، مستفيداً من الإيقاع المتولّد من تكرار الفعل يشخر في كلّ مرة.

ومثلما يبدو القاص مولعاً بتوالد الشخصيات من بعضها في صناعة الحكاية (النهر، الشجرة، الظل، الجذع….) من خلال الفعل يشخر، فإنه يعود إلى استثمار التقنية ذاتها في قصة أخرى عنوانها ” اِلْتِهَام “، مستفيداً أيضاً من التوازن التركيبي، غير أنه لا يترك النهاية مفتوحة، كما يفعل في “تَشَاخُر” بل يلمّ تفاصيل مفرداته، في بناء تعاقبي، لكنه شبه دائري، يعيد فيها النهايات إلى بداياتها. تقول القصة:

“لِيُنْجِزَ كِتَابًا وَاحِدًا .. اِلْتَهَمَ أَلْفَ كِتَابٍ ..

اِلْتَهَمَ الْفَأْرُ كِتَابَهُ ..

اِلْتَهَمَتِ الْقِطَّةُ الْفَأرَ ..

اِلْتَهَمَتِ الْكِلابُ الْقِطَّةَ ..

فِي اللَّيْلِ الْبَهِيمِ ، كَانَتِ الْمَدِينَةُ تُنْصِتُ لِصَوْتِ كِتَابٍ يَنْبَحُ ، زَارِعًا لَيْلَهَا قِطَطًا .. وَفِئْرَانًا .. وَكِلابًا لا تَنَامُ ..!!؟”

كما يستثمر القاص الأحلام والكوابيس ببراعة، ولا تبدو عنه مجرد زينة لفظية، أو تقنية منبتة عن السرد، ففي قصة “تَقَمُّص” تنبني الحكاية على الكابوس الذي لا يفاجئ السرد، بل ينبع من تفاصيله، ليصحو في ليل الشخصية المذعورة كابوساً دموياً مفزعاً.

* * *

وتبدو المفارقة في قصص جمعة الفاخري لعبة متقنة الصنع، والمفارقة كما هو معروف، أحد أعمدة القصة القصيرة جداً، ولا يمكن أن تقوم لهذا الجنس الأدبي قائمة دون الاعتماد عليها. ولأنّ المفارقة تقوم غالباً على علاقة يقترحها المبدع بين الشيء ونقيضه فقد بنى الفاخري مفارقاته على العلاقة بين الأصل والظل وبين الأصل والمرآة وبين الحرية والسجن، غير أنّه اقترح بنى سردية متعددة، من خلال عدة من القصص، لتصوير العلاقات المحتملة بين الأصل والظل؛ ليبدو الظلّ عنده متّكأً أساسياً في قصص “اِنْبِعَاث” و”اِتّصَال” و “تَوَحُّد” و”اِنْتِهَاز” و”إِسْقَاط” و”سُقُوط”. وعلى الرغم من أنّ القاص ينجح في كلّ مرة بابتداع بنية سردية جديدة شائقة لتلك العلاقة، فإنّ تكرار المتّكأ يبدو لي أمراً محفوفاً بالمخاطر؛ لأنّ تكرار الإبداع ليس إبداعاً، ولأن اعتماد التقنية ذاتها، ليس عند جمعة وحده، بل عند عدد معتبر من القاصين، سينتج قصصاً متشابهة.

وثمّة متَّكأ آخر في صناعة المفارقة في قصص جمعة الفاخري، وهو مستخدم بكثرة في القصة القصيرة جداً، إنه المرآة التي ما هي إلا تجسيد مخاتل للظل، ونشير هنا إلى أنّ ظل المرآة إن لم يكن مخاتلاً، فليس ثمة إبداع، ولا أعرف كاتباً مبدعاً رأى ظله في المرآة كما هو؛ إذ لا فضل لمرآة المبدع إذا قامت بوظيفتها المعتادة. وقد أفاد الفاخري في قصة عنوانها “اِقْتِرَافٌ” وفي قصة عنوانها “هُرُوبٌ”، وفي القصتين ثمة فعل للمرآة يخرج عن نطاق وظيفتها، ويضعها في صيغ إبداعية جديدة.

* * *

ويستثمر جمعة الفاخري في قصصه القصيرة جداً التي تملأ صفحات هذه المجموعة تناصات ثقافية مختلفة المرجعيات، فثمة إفادة من المرجعية الثقافية (العربية والغربية)، ومن المرجعية الدينية، ومن الذاكرة الجمعية الشعبية، وغير ذلك. ولعلنا نشير هنا إلى قصة “نَظَرِيَّة” التي يفيد فيها الكاتب من إشارات رولان بارت اللامعة حول “موت المؤلف” معدّلاً النظرية إبداعياً إلى موت القارئ أولاً (ليس بالمعنى النقدي) ليبني حكايته على مأساة شكسبيرية تلقي بالجميع في اتون الموت.

ولا بد في إطار استثمار المرجعية الثقافية في التناص من الإشارة إلى قصة “تَمْتَمَات”؛ إذ لا تكتفي هذه القصة باستعراض بيتي عنترة المشهورين:

ولقد ذكرتك، والرماح نواهلٌ مني، وبيضُ الهند تقطر من دمي

فوددتُ تقبيل السـيوف لأنها لمعت كبـارق ثغـرك المتبسِّـمِ

بل يجعل من أبنيتهما السردية الصغرى متكآت حكائية، لافتتاح القصة وتطوّرها ونهايتها، إذ يصبح هذان البيتان حاضرين، على مساحة القصة، يوجهان الحكاية والشخصيات الثانوية التي تنهي القصة بأمنية تناصية، توافق تناصات سابقة أفادت منها القصة.

ويقدّم الفاخري في إطار الإفادة من الثقافة الشعبية، الأثيرة إلى قلبه، قصة بعنوان “تَبَادُل”، يعيد فيها صياغة المثل الغربي المشهور”إذا كنت تسكن في بيت من الزجاج عليك ألا ترمي الناس بالحجارة”.

ونلفت النظر ها هنا إلى أنّ الثقافة الشعبية منجم هائل لاستلهام القصص القصيرة جداً، يمكن أن يفيد منه الأستاذ جمعة االفاخري، وهو المتخصص في التراث الشعبي الذي أفاد منه القاص والباحث التراثي الفلسطيني محمد توفيق السهلي أيما إفادة في مجموعة من القصص القصيرة جداً التي نشرها عام 2001 بعنوان “الحلم المسروق”، وقدّم فيها عدداً من القصص التي أفادت في بنائها من الأمثال الشعبية الفلسطينية.

وثمة للفاخري قصة بعنوان “مُحَاكَمَة” يفيد فيها من التناص الديني، ومن سورة يوسف عليه السلام، ليدين عسف الطاغية الذي يتشكل بمئة لبوس، ليجهض أحلام الناس ورؤاهم، وليلبَس من ثمّ ثوب الحمل الوديع.

* * *

وثمّة في قصص الفاخري ملاحظة بادية لكل عين قارئة، وهي اعتماده على إثارة الأجواء الغرائبية (الفانتاستيكية) من خلال تحولات الشخصية، أو صناعة الحدث، أو إقامة علاقات غير واقعية بين عناصر السرد التي تشكل القصة. في قصة “دَوَرَان” هناك اعتماد على فكرة التحوّل؛ إذ تبدو القصة فكرة كافكاوية مركّبة وسريعة وحاسمة، تقود الشخصية من حالة إلى أخرى، وتتعرض من خلال وضعها الجديد إلى أحداث يفرضها ذلك الوضع.

وفي قصة أخرى عنوانها “مَرَاسِمُ” تبدأ الحكاية من رجل يلمح خر نعيه على الجدران، وتنتهي بركضه نحو المقبرة لحضور مراسم الدفن. وفي قصة عنوانها “اِخْتِطَافٌ” الفنانُ رجلاً مخموراً بشعاً، فيجرّه المخمور إلى داخل اللوحة، غير أنّ أجمل القصص التي تقيم هذه العلاقة الفذة بين عالم اللوحة وعالم البشر قصة تحمل عنوان “اِخْتِفَاء” التي يقول فيها:

أَقَامَ مَعْرِضًا لِلْخُبْزِ .. رَسَمَهُ بِأَنْوَاعٍ وَأَحْجَامٍ مُخْتَلِفَةٍ .. بَعْدَ دَقائِقَ قَلِيلَةٍ مِنِ افْتِتَاحِهِ لَمْ يَبْقَ لِلْخُبْزِ أَثَرٌ فِي لَوْحَاتِهِ ؛ فَعُيُونُ الْجَوْعَى كَانَتْ تَلْتَهِمُهُ بِشَرَاهَةٍ هَائِلَةٍ ..!

ويطوّر الفاخري فكرة الاتصال بين اللوحة وخارجها إلى فكرة أخرى تفيد من التشكيل في تكوين عالم إبداعي يقوده القاص نحو كمالٍ ما، على نحو ما نجد في قصة “تَكَوُّن” التي تحكي مخاض قصيدة وولادتها.

وتعتمد الغرائبية في بعض الأحيان على التشخيص، وتتجه نحو الإنسنة لتقدّم أجواء شاعرية مشحونة بالرؤى الرومانسية والإنسانية، ولعلنا نشير ها هنا إلى قصة “خُرُوجٌ” التي تعيد إنتاج حكاية العشق الخالد.

ويحمّل القاص الشجرة في قصة “اِهْتِزَازَت” عبء النهوض بفكرة السلام ورفض العنف والاقتلاع، فيما يعيد صياغة حكاية استسقاء نبيلة في قصة “نِدَاء”؛ إذ يجأر الخروف (من أجل انتصار حبّه ولو في خياله) بالدعاء لهذه الأرض التي تهتّز لتنبت من كل زوج بهيج. تقول القصة:

“تَمَظْهَرَتِ الْغَيْمَةُ نَعْجَةً .. رَفَعَ الْخَرُوفُ عَيْنَيْهِ نَحْوَهَا .. صَاحَ مُنَادِيًا فَسَالَتْ إِلَيْهِ مَطَرًا .. مِنْ حَوْلِهِ نَبَتَ رَبِيعٌ عَمِيمٌ ..!”

* * *

في هذه المجموعة القصصية يؤكد جمعة الفاخري أن القصص القصيرة جداً لم تخلق لأصحاب الرؤى القصيرة جداً، فثمة في قصصه مكان لما هو فلسفي وإنساني وذاتي ووطني. ويبدو الوطن في قصص الفاخري بسيطاً جميلاً، يشبه حديقة كبيرة، يبنيها الأطفال، ويقدّرونها، ويحافظون عليها قبل أن تتسخ قلوبهم بالعصبية والمذهبية والقبلية والعشائرية. وفي قصة “قبلات” يرسم القاص لوحة بديعة من الكلمات، ليقدّم لنا قصة قصيرة جداً، تتألق رونقاً ورؤية وفناً وبهاء. يقول فيها:

“طَلَبَتْ مِنِّي أَنْ أَرْسُمَ عَلَمَ الْوَطِنِ عَلَى وَجْهِهَا .. وَأَنْ أَطْبَعَ عَلَى كُلِّ لَوْنٍ قُبْلَةٍ .. فَفَعَلْتُ ..

شَكَرَتْنِي بِابْتِسَامَةٍ صَافِيَةٍ ..

تَوَسَّدَتِ الْعَلَمَ وَنَامَتْ ..

فِي الصَّبَاحِ رَفَضَتِ صَغِيرَتِيْ غَسْلَ وَجْهٍ يُشْرِقُ مِنْهُ الْوَطَنُ ..!

هكذا بدا لنا جمعة الفاخري في “مراسم اقتراف وطن” قاصاً يمتلك أداته الفنية، ورؤيته التي تصل إلى القارئ عبر أقصر الطرق، وهل ثمة طريق أقرب من االقصة القصيرة جداً التي تبدو مزدهرة على يد كتابها ومبدعيها؟؟

___________________________________________

ملاحظة: هذه مقدمة كتبتها لمجموعة “مراسم اقتراف وطن” التي ستصدر قريباً في ليبيا

مقالات ذات علاقة

علكة تتألم في أفواهنا

محمد الأصفر

بصمات النقد في قصة صناعة محلية

إبتسام صفر

رواية تكون الشخصية عند “وفاء البوعيسي” من ليبيا

المشرف العام

2 تعليقات

علي الخليفي 16 نوفمبر, 2013 at 11:09

الثقافة السمعيه الغير بصريه والغير بصيريه ان جاز لنا أن نسميها ثقافة تجاوزا توقع صاحبها في مطبات مميتة.
الثقافة السمعيه تعتمد على الألتقاط من كل المصادر المتاحة للسمع بغض النظر عن ماهية هذه المصادر .
الثقافة السمعيه ترصد للمثقف السميع بعض الكلمات الفاخرة المفخمة ولانه فقط سميع وغير باحث فانه يلجأ إلى خلفيته المعرفيه المتواضعة المعتمدة على السماع لإيجاد معاني لهذه الكلمات التي تبدو له فاخرة وفخمة ومن تم يقوم باستعمالها فيما يطرحه وفق ما استقر عليه تفسيره الذهني وربما غرضه الوحيد من ذلك التعالي على البسطاء الذين يظنون بموسعية من بستعمل هذه الكلمات التي لاتدخل في قواميس مفرداتهم اليوميه ويتلقفونها عن هذا المثقف السميع بنفس المعنى الذي وضعها هو لهذه المفردات وبذلك ينتشر الجهل وعدم المعرفة.
هل أتعب صاحي المجموعة او من يتصدى لنقده أنفسهما في البحث في أي معجم لغوي عن معنى دقيق لمفردة إقتراف.
أشك في ذلك لأنهما لو فعلا لما وضعنا أنفسهما في هذه الورطة ولكننا سمعنا بالغموض في الأدب فاغمضنا أعيننا وصرنا نخبط خبط عشواء بين المفردات والمعاني.
هل حوت معاجم اللغة عن معنى اخر غير معنى إرتكاب أو القيام ب لمفردة إقتراف وهل إقتران هذه الكلمة بالجريمة او الإثم يجعلها تصلح بذاتها لتكون دالة على الفعل المشين كما يشير صاحب السطور اعلاه؟
لا ئأظن أن المعاجم حملت معنى لمفردة يقترف غير معنى يرتكب أو يقوم ب أو يكتسب ولو وضعنا معنى هذه المفردة بدل المفردة في عنوان المجموعة او في عنوان مقالة (الناقد ) فهل سنحصل على غير هذه الجملة المفككة التي لاتحمل أي معنى والتي تقول : إرتكاب وطن .. أو فلا يرتكب الوطن .. أو يقوم بالوطن .. أو يكتسب الوطن .. وكلها جمل أعجميه لا تحمل معنى ولا مدلول.
لك الله يا ثقافة في ديار ليبيا.

رد
علي الخليفي 16 نوفمبر, 2013 at 11:09

الثقافة السمعيه الغير بصريه والغير بصيريه ان جاز لنا أن نسميها ثقافة تجاوزا توقع صاحبها في مطبات مميتة.
الثقافة السمعيه تعتمد على الألتقاط من كل المصادر المتاحة للسمع بغض النظر عن ماهية هذه المصادر .
الثقافة السمعيه ترصد للمثقف السميع بعض الكلمات الفاخرة المفخمة ولانه فقط سميع وغير باحث فانه يلجأ إلى خلفيته المعرفيه المتواضعة المعتمدة على السماع لإيجاد معاني لهذه الكلمات التي تبدو له فاخرة وفخمة ومن تم يقوم باستعمالها فيما يطرحه وفق ما استقر عليه تفسيره الذهني وربما غرضه الوحيد من ذلك التعالي على البسطاء الذين يظنون بموسعية من بستعمل هذه الكلمات التي لاتدخل في قواميس مفرداتهم اليوميه ويتلقفونها عن هذا المثقف السميع بنفس المعنى الذي وضعها هو لهذه المفردات وبذلك ينتشر الجهل وعدم المعرفة.
هل أتعب صاحي المجموعة او من يتصدى لنقده أنفسهما في البحث في أي معجم لغوي عن معنى دقيق لمفردة إقتراف.
أشك في ذلك لأنهما لو فعلا لما وضعنا أنفسهما في هذه الورطة ولكننا سمعنا بالغموض في الأدب فاغمضنا أعيننا وصرنا نخبط خبط عشواء بين المفردات والمعاني.
هل حوت معاجم اللغة عن معنى اخر غير معنى إرتكاب أو القيام ب لمفردة إقتراف وهل إقتران هذه الكلمة بالجريمة او الإثم يجعلها تصلح بذاتها لتكون دالة على الفعل المشين كما يشير صاحب السطور اعلاه؟
لا ئأظن أن المعاجم حملت معنى لمفردة يقترف غير معنى يرتكب أو يقوم ب أو يكتسب ولو وضعنا معنى هذه المفردة بدل المفردة في عنوان المجموعة او في عنوان مقالة (الناقد ) فهل سنحصل على غير هذه الجملة المفككة التي لاتحمل أي معنى والتي تقول : إرتكاب وطن .. أو فلا يرتكب الوطن .. أو يقوم بالوطن .. أو يكتسب الوطن .. وكلها جمل أعجميه لا تحمل معنى ولا مدلول.
لك الله يا ثقافة في ديار ليبيا.

رد

اترك تعليق