علي الصادق حسنين
بعد أن فتر وطيس معارك المنشية (24 – 27 أكتوبر 1911) استعد الإيطاليون لخوض غمار معركة عين زارة التي كانت خاتمة المعارك التي شهدتها ضواحي مدينة طرابلس، علماً بأن أدوار المجاهدين وما بقي من القوات العثمانية قد احتشدت في سواني بن آدم والمنطقة الغربية علاوة على عين زارة.
إن أهم عنصر من عناصر استعداد القوات الإيطالية قد تمثل في مد خط للسكة الحديد بين سقالة الحلفا وعين زارة ساعدهم على سرعة تزويد جبهة القتال بالسلاح والعتاد والرجال.
فبعد أن استرد أنفاسه في أعقاب معارك المنشية خطط العدو وعمد لاستئناف القتال بغية ضرب معقل المجاهدين في عين زارة. كانت قوات المجاهدين لا تزيد عن خمسة آلاف مقاتل، أما جيش العدو فكان مؤلفا من 15 ألفا غير الاحتياطي.
في الساعة السادسة من صباح اليوم الرابع من شهر ديسمبر 1911 قام الأسطول البحري الإيطالي بقصف حي العمروص ومنطقة الفرناج وغيرهما. ثم قامت فرقة من الوحدات الاحتياطية بمناورة تطويقية واسعة النطاق وذلك بالإضافة إلى بعض التحركات الاستراتيجية الأخرى. وبعد ساعتين من تصدي المجاهدين لطلائع قوات العدو، التي كانت تحتل مواقعها على الهضاب المواجهة، التحمت قوات الجانبين ببعضهما.
وحوالى الساعة الحادية عشرة دفع المجاهدون ببعض قواتهم إلى الجناح الأيمن من قوات العدو بمنطقة قرقارش وبقوات أخرى إلى أقصى الجناح الأيسر. وفي خلال الفترة التالية انتهز المجاهدون الفرصة للانسحاب من الخط الدفاعي الأول إلى الخط الدفاعي الثاني ذي الخنادق المحصنة.
كانت مقاومة المجاهدين مقاومة طاحنة وكانت المعارك من أصعب معارك هذا النضال وقد دام ذلك حتى الساعة الثالثة من بعد الظهر حين وصل العدو وباشر احتلاله لخنادق عين زارة. وإذ كان حي العمروص منطقة مقوامة عنيدة اضرمت فيه النار بعد سابق قصفه له من البحر، ونتيجة لكل ذلك تحتم انسحاب المقاومين صوب الجنوب إلى العزيزية.
هذا وقد صرح مصدر عسكري إيطالي بما يلي: “إن الرابع من ديسمبر يمكن اعتباره يوما حاسما بالنسبة للقطر الطرابلسي وذلك لأن فيه زال الخطر عن مدينة طرابلس وواحاتها وفيه بدأ عزل بقايا القوات العثمانية عن البحر وعن مصادر التهريب عبر حدود مصر شرقا وتونس غربا، ومع ذلك يجب الاعتقاد بأن مقاومة الجانب الآخر لم تنته إذ كانت تشير الدلائل إلى عقد النية على مواصلة المقاومة”.
هذا ومن الجدير بالذكر أن القائد الأعلى للقوات العثمانية الليبية بطرابلس كان مير آلاي (أمير فيلق = عميد) إسماعيل نشأت بك، وقد اشترك في هذه المعركة كوكبة من الضباط الليبيين الذين تخرجوا من الكليات العسكرية التركية نذكر منهم:
المقدم محمد فائق أبوشويرب -وشقيقه النقيب محمود أبوشويرب والملازمان محمد زكي امقيق -وإبراهيم حسن القره مانلي. وقد استشهد في المعركة الملازم إبراهيم القره مانلي، رحمهم الله جميعا وأسكنهم فسيح جناته.