الطيوب | حاوره: رامز النويصري
علمتنا التجربة الأدبية في ليبيا، أن الكثير من المنجزات التوثيقية والنقدية والقراءة قام عليها أفرد، بعيداً عن العمل المؤسساتي أو الجماعي، وحتى لا ندخل ميزان تقييم التجربة، نقد غايتنا، وغايتنا هي الناقد والمختص في السرديات الأستاذ عبدالحكيم المالكي، التي أصدر قبل أيام الجزء الأول من مشروعة حول القصة الشابة في ليبيا، والمتمثل في كتابين من أصل أربعة كتب. الكتاب الأول جاء بعنوان (اتجاهات كتابة الشباب للقصة الليبية القصيرة – البعد الاجتماعي للقصص)، أما الكتاب الثاني فبعنوان (الفنتازيا والسخرية – في قصص الشباب الليبي القصيرة).
للتعرف أكثر إلى هذا المشروع نلتقي الكاتب والناقد عبدالحكيم المالكي، للحديث عن القصة الليبية وتجربة الكتاب الشباب للقصة القصيرة.
بداية؛ تعود بدايات القصة الليبية إلى ثلاثينيات القرن المنصرم! كيف تقيم رحلة القصة القصيرة الليبية؟
نعم بدأت القصة الليبية القصيرة في ثلاثينيات القرن الماضي مع وهبي البوري، ويرى البعض أنها بدأت مع بداية الصحف التركية سنة 1908، ولكن المهم أنه منذ الخمسينيات برزت في أعمال كامل المقهور (الذي أعده البداية الحقيقية للقصة الليبية القصيرة الواقعية)، فيما عاش كاتب القصة المميز بشير الهاشمي دون أن تحدث ضجة حوله وحول نصوصه على الرغم من أن بعض نصوصه (في إطارها الزمني) تعد متفوقة جدا.
هذه الإشكالية انسحبت على أغلب الأجيال التالية؛ حيث كان النقد محدودا فيما كان الإبداع يخوض تجارب مميزة مع يوسف الشريف وأحمد الفقيه وخليفة التكبالي وغيرهم من كتاب القصة المميزون.
القصة الليبية القصيرة مميزة منذ بدايتها من خلال الأسماء المذكورة سابقا وغيرهم من الكتاب، مثلا من قرأ للكاتب المميز عبدالله الخوجة الذي صدرت له مجموعته القصصية “فتاة على رصيف مبلل”، الصادرة سنة 1966.م وهي مميزة ومتقدمة فنيا في زمنها، ثم من قرأ قصص أحمد نصر المميزة و خليفة حسين مصطفى، ومن قرأ خليفة الفاخري المميز ذو النكهة الخاصة واللغة الرشيقة المميزة، من قرأ محمد المسلاتي الذي كان ظاهرة خاصة في القصة الليبية القصيرة في تلك المرحلة النصية وأستمر في العطاء، كم رسالة علمية عقدت حول تجربة محمد الزنتاني المميزة في القصة القصيرة الذي أعده لونا مختلفا وصوتا متفردا في القصة الليبية القصيرة، كم شخص انتبه إلى ما يكتبه كاتب القصة الليبية المميز علي الجعكي غفر الله له.
نحن إذا نعيش تجارب إبداعية مميزة في السرد ولكن ينقصنا النشر والتوزيع الجيد وكذلك المواكبة النقدية سواء منها ذات الطابع التعريفي أو الاحتفالي أو تلك الدراسات العميقة.
ما رأيك فيمن يقول: إن القصة في ليبيا ارتبطت بالمدينة؟
نعم في تصوري أن هذا زمن البدايات كان حقيقي فأغلب التجارب الأولى كانت مدينية (تدور حول فضاء المدينة وشخصياتها) أو من زاوية أن من كتبها من سكان المدن.
هنا نسأل؛ هل استطاعت القصة الليبية أن تعبر عن المجتمع؟
نعم كانت في البداية تسعى أن تكون صوتا للمجتمع راغبة في بعض الأحيان (بسذاجة أو بتميز) أن تحل مشاكله، لكن فيما بعد ومع فهم أعمق من الأجيال التالية صار اللجوء إلى المحلي والمجتمع المجاور تقنية وأسلوب، ولكن من خلال البحث ضمن ذلك المحلي، عن العميق والمتواري في تلك الأزقة والحواري أو الجبال والسهوب أو الصحارى؛ فكتب أحمد يوسف عقيلة عن الجبل الأخضر، وكتب محمد الأصفر عن بيئة بنغازي، كما لجأ البعض إلى البيئة الإسلامية ذات الخلفية الصوفية، كما في رائعة عبدالله الغزال السوأة التي كلما قرأتها من جديد وجدت فيها شيئا مميزا لم تلحظه سابقا، كما كتب عمر الككلي عن تجاربه في السجن وفي الحياة المدينية، وكتبت عائشة إبراهيم عن المدينة كما تراها، وكتبت نجوى شتوان في طفل الواو عن مجتمع المدينة لكن من زاويتها الخاصة؛ فلم تعد الكتابة مباشرة أو سطحية أو مناقشة مكررة لقضايا اجتماعية، بقدر ما هي نحت في التكوين الاجتماعي وخلفياته وأبعاد التشكل للوعي والحياة.
ما الذي أردت أن تقوله من خلال كتابكم (اتجاهات كتابة الشباب للقصة الليبية القصيرة – البعد الاجتماعي للقصص)؟
هذا الكتاب هو جزء من سلسلة كتب حول مجموعة نصوص ليبية كتبها الشباب والشابات الليبيون وشاركوا بها في مسابقة سيكلما للقصة القصيرة في دوراتها الأربعة؛ وباعتبار أنني قد حصلت على متن مكون من (95) قصة كتبها شباب من كل ليبيا، وجدتني أمام متن قصصي ينطلق من خلفية اجتماعية، فقررت أن أناقش هذه الخلفية من عدة زوايا في الجزء الأول من هذه السلسلة الرباعية، فيما الكتب الثلاثة الباقية ضمن نفس أسلوبي السابق في التحليل السردي.
أصدرت بفضل الله الكتابين الأول والثاني، وهما يمثلان الجزء الثامن والتاسع ضمن سلسلة الدراسات السردية التي بدأتها منذ فترة وأصدرت منها ثلاثة كتب سنة 2013 وباقي الستة هذا العام، ويفترض أن أصدر قريبا الكتاب العاشر والحادي عشر ضمن السلسة وهما باقي هذه الكتب الأربعة.
تناولت في الجانب الاجتماعي في الفصل الأول مضامين بعض القصص ومنها موضوع الزواج والعنوسة، كما تناولت القصص التي فيها قضايا فقدان الأم، كما درست مجتمعات القصص؛ حيث كانت مجتمعات بعض القصص غير بشرية، كما درست المجتمعات القصصية من زاوية البعد المكاني: فنجد قصص تحدث ضمن إطار مجتمع عائلي (منزلي)، وبعضها تمثل قصص المدينة، وبعضها تحدث في قرية أو حي شعبي قرب مدينة، وبعضها تحدث في البادية أو في الريف.
في الفصل الثاني تناولت جانب الصراع في القصص وهو صراع يحدث على عدة مستويات، حيث هناك قصص يحدث الصراع فيها عبر الأجيال، وبعضها الصراع يحدث على مستوى الأسرة بين الوالدين والأولاد أو البنات، وبعض القصص حول الصراع مع الآخر.
في الفصل الثالث درست المضامين السياسية والثورية والصراعات التاريخية في القصص؛ حيث بدأت بالقضية الفلسطينية في أحد القصص، ثم حضور الحروب العالمية في القصص، ومن ثم الحروب المحلية وأثرها على الشخصيات، ثم تناولت حدث ثورة فبراير وكيفية التعامل معه قصصيا، وكذلك توظيف الأحداث التاريخية الكبرى.
في الفصل الرابع تمَّ دراسة الأزمات الشخصية في القصص؛ حيث كان هناك قصص تدور حول أزمات أسرية، وأخرى حول أزمات فردية شخصية، وأخرى فيها أزمات شخصية غير واضحة الأسباب، وأزمات ناتجة عن وجود السلاح في ليبيا بعد ثورة فبراير.
نود التعرف إلى اتجاهات القصة الليبية الشابة؟
تتنوع الاتجاهات وإن كان هناك حضور للجانب الاجتماعي في كتابة البدايات؛ إلا أن المميزين منهم حولوا ذلك الاجتماعي إلى قصصا إنسانية. كما نجد توظيف القصة الساخرة وتوظيف الفنتازي بنوعيه: الغرائبي، والعجائبي، كما نجد الكتابة عن الأزمات الفردية والجماعية سواء لأهل ليبيا أم لغيرهم، كما كانت الصراعات متباينة في مستوياتها.
سؤالنا الآن: ما هي أهم السمات الفنية لهذه القصة الشابة؟
لعل المكسب الحقيقي هو في ذلك التميز الفني لدى البعض من الكتاب الشباب؛ حيث نجد تجربة متفردة حقيقة في القصة الليبية والعربية فيما أتصور؛ وأقصد بها القصة الفلسفية التي كتبتها آية أبوعقرب (الحصلة في الري)، كما نجد الكتابة الساخرة مع تقنيات سردية احترافية مع المميز مصطفى اللافي في قصة الأستاذ وقصة المحامي.
مصطفى اللافي الذي اعتقد أنه سيكون مميزا جدا ليبيا وعربيا، كما نجد كتابة الشعرية العالية واللغة التي تستبطن الأعماق كما في تجربة المرحوم محمد ساسي العياط (غفر الله له)، كما نجد تجربة قصصية حضرت فيها الكثير من تقنيات السرد كما في قصة الكاغط للمميز محمد النعاس (الذي صار معروفا ليبيا وعربيا بعد جائزة بوكر)، كما نجد تجريب مختلف واشتغال على الإنساني من خلال عدة بيئات وأقصد هنا تجربة إسماعيل القائدي المميزة سواء في نصوصه القديمة المدينية أو تجربته الحديثة وهو ينحت في فضاء البادية والقرية المميز، كما نجد توظيف الاجتماعي من زاوية فنية وباشتغال سردي متفوق كما في تجربة المميزة جود الفويرس في قصتها شهيقة ملعونة، كما نجد القصة التي يحضر فيها التاريخي مع الدرامي كما في قصة أقدار للمميزة إيمان السنوسي وهلي، كما نجد الاشتغال على وعي الشخصيات ورصد الأزمات الشخصية كما في تجربة الشيماء الغرياني نعناع، وهذا قليل من كثير.
هل لمستم تأثيراً لجيل الرواد في كتاب القصة الشباب؟
حقيقة لا يبدو ذلك إلا نادرا، التجارب التي أمامي مختلفة ومميزة ومبهرة في الوقت نفسه.
هل استطاع الكتاب الشباب التعبير عن واقعهم ومعاناتهم؟
دون شك كانت كتابة الشباب صوتا حقيقيا للتعبير عن الواقع والمعاناة الفردية أو الجماعية؛ حيث يمكن أن نجد في القصص مواقف متباينة: فحضر الواقع الآني، كما حضر التاريخي وحضرت الأزمات الفردية والعامة، وكانت النصوص متنا للصراع وللتعبير عن التحولات؛ ذلك أن حقيقة السرد الروائي والقصصي هو رصد طبيعة الصراعات أو التحولات التي تعيشها الشخصيات أو المجتمعات.
كيف يمكن الدفع بالأقلام الشابة لتقديم تجاربهم الإبداعية؟
يمكن الدفع بهم بأن تكون هناك إستراتيجية دعم حقيقية من الدولة للمبدع الليبي تنعكس في صورة المسابقات التي يكون فيه عدل وحسن تقييم، هذه المسابقات يجب أن تبدأ من المدارس الثانوية على مستوى المدن الليبية، ثم الجامعات وما بعدها، أيضا يمكن دعمهم بطباعة كتبهم وكذلك بتبني مشاريع جامعية لدراسات أعمالهم وتقويمهم دون إطراء مفسد أو بخس لقيمة أعمالهم.
كذلك يمكن دعمهم بعمل جوائز ليبية تشجيعية وتقديرية أسوة بباقي جيراننا العرب يتم فيها التكريم بناء على الإبداع والتميز وليس على التملق والتزلف. كما يمكن دعمهم بدعم صحافة ثقافية فاعلة تثري المشهد وتبتعد عن الصراعات التافهة ولكن يشدها فضاء وطن يجمعنا.
يمكن دعمهم بدعم برامج مرئية ومسموعة ثقافية حقيقية تدعم الشباب والكبار وتجعل الإبداع الليبي حاضرا في فضاءات ليبية وخارجية.
وماذا عن دور المؤسسات الثقافية (الحكومية وغير الحكومية) في تنمية المواهب؟
كنت قد أجبت عن جزء من هذا في السؤال السابق، وأضيف للمؤسسات الثقافية دورا مهما خاصة تلك في القطاع الخاص لأن المؤسسة الرسمية في بلادنا فشلت لسنوات طويلة في تبني المثقف والكاتب وأعتقد أن ما تقوم به ليس أكثر من أنها تتبنى قرارات إيفاد للمشاركة الخارجية هنا وهناك بشكل عبثي ودون تخطيط أو وعي.
في ظل هذا التقهقر المستمر من المؤسسة الرسمية تقع على عاتق المؤسسة الثقافية غير الحكومية مسئولية كبيرة وأعتقد أن بعضها قام أو يحاول أن يقوم بدوره، ولعل منها على سبيل الذكر ما قام به موقع بلد الطيوب في مسابقة أحمد إبراهيم الفقيه للرواية، وباقي المسابقات التي أعلن عنها منهم.
الجامعة الليبية يقع عليها دور مهم في دعم الإبداع خاصة الأقسام الأدبية التي أعلم أنها تقوم بتحبير دراسات مهمة عن الإبداع والأدب الليبي ولكنها تعاني من عدم طباعة البحوث والكتب وعدم القيام بالتعريف بالقليل الذي طبعته بشكل جيد.
أين تضع القصة الليبي، على الخارطة الإبداعية عربيا ودولياً؟
تجربتي النقدية بدأت بالقصة القصيرة في موقع القصة العربي، لهذا (أزعم) أنني قد أطلعت على جزء لا بأس به من كتابة القصة العربية، ومن هذه الزاوية ودون تحيز اعتقد أن لدينا كتابا مهمين بعضهم ولد ومات دون أن يسمع به أحد عربيا، وإلا من أين سنأتي عربيا بمن سيكتب قصة بحجم تميز الذئاب وحمى الرمل والثعبان لعلي الجعكي، من سيكتب قصصا بمثل قصص محمد الزنتاني، من سيكتب نصوصا مثل نصوص شبابنا الجدد الذين حاولت أن أنبه لوجودهم (وهذا حقيقة ليس توزيع شهادات مجانية، ولكنها تجارب مميزة جدا أحببت أن اختم بالتنبيه لها لقراءتها) ومنهم: المرحوم محمد ساسي العياط، ومصطفى اللافي وإسماعيل القائدي وآية أبوعقرب وجود الفويرس وغيرهم كثيرون.
ختاماً! ما هي مشاريعك القادمة؟
على المستوى الشخصي أن أنهي الكتابين حول القصة الليبية القصيرة، كما أنني لدي مشروع مفتوح أنجزت جزءا مهما منه حول كتابة النسوة الليبيات وأخر حول كتابة الليبيين للرواية.
على مستوى المختبر النقدي، لدينا أنا والزملاء مشروع للقيام بالدورة الثالثة التي لازلنا لم نحدد بشكل دقيق موعدها ولا موضوعها، كما نسعى لطباعة بعض أعمال دورات المختبر العلمية السابقة.
وكل التحية لكم ولمتابعي بلد الطيوب.