مختارات

صفحات من حكاية الليبيين والفنادق

سالم الوخي

فندق زميت
فندق زميت

أدخل الإيطاليون لليبيا؛ مصطلح أو مفردة (هوتيل)؛ وكان الليبيون قبل الاحتلال الإيطالي يستخدمون كلمتي (فندق) و(بيرقو)؛ مفردتا (بيرقو) الايطالية الجذور و (هوتيل) الانجليزية الأصل ذهبت ادراج رياح التغيير اللغوي والاجتماعي؛ وبقيت كلمة (فندق) على اللسان الليبي والحياة الليبية؛ كما ادخل الطليان مفهوما وتطبيقا وعصريا جديدا للحياة الفندقية لم يكن معروفا أو معتادا لليبيين..

موضوع الفنادق القديمة يحوز على اهتمام خاص لارتباطه لدي العبد لله بشأن ذاتي وتاريخي؛ لعلاقته بحادثة استشهاد خالي المرحوم محمد الطشاني شقيق المرحومة الوالدة داخل فندق الهنشيري بسوق الترك؛ خلال القصف الجوي والبحري بالحرب العالمية الثانية؛ حينما رفض النزوح خارج اطرابلس الغرب مع العائلة خلال هذه الحرب..

قديما الفندق تعني في أحد معانيها المكان العمومي المعروف بالفوضى؛ وأن الدخول اليه والمبيت فيه لكل من هب ودب بما فيها مختلف الانعام والبضائع؛ ولهذا السبب دخلت الكلمة عالم الأمثال الشعبية (تحسابه فندق..) أو فوضى عارمة.. في هذا التعبير الشعبي فأن الأجداد رحمة الله عليهم؛ دقيقين؛ يتمتعون بحس مدني وحضاري رفيع..

كانت ملكية الفنادق خلال الحقب الماضية عامة لكل الليبيين مسلمين أو يهود أو مسيحيين.. تطبيقا لمبدأ المواطنة…

كما كانت حجرات الفنادق في فترة الاحتلال الإيطالي وما قبله مكانا للقاءات بين المثقفين الليبيين؛ ورصد التاريخ الليبي أسماء لعدة فنادق كانت مقرا للاجتماعات السياسية السرية أيام الأتراك والطليان؛ ومكان اللقاءات الثقافية؛ وكذلك مقر جلسات وسهرات الأنس والترويح في مجتمع منغلق اجتماعيا وترفيهيا… وحملت الفنادق القديمة أسماء مؤسسيها أو ملاكها وأحيانا ارتبط الاسم بنشاط اقتصادي…

 وكتب المرحوم الأستاذ مصطفى فوزي السراج في كتابه (ذكريات وخواطر)؛ صفحات مشوقة عن ذكريات داخل فندق الحصائر بشارع الوادي مع رفاقه وزملائه واصدقائه..

كما سجل الأستاذ العلامة المرحوم علي مصطفى المصراتي في كتابه (نماذج في الظل)؛ صفحات هامة ومثيرة ودلالية عن شخصية (عيشاتو) حارسة ومشرفة إحدى فنادق زنقة الفنيدقة المشتق اسمها من الفنادق والمشهورة جدا بالفنادق القديمة…

نعم؛ عيشاتو؛ كانت امرأة ليبية حارسة ومشرفة ومديرة لإحدى فنادق الفنيدقة؛ في مشهد اجتماعي تقدمي عرفه المجتمع الليبي ربما لا يتكرر.. حينما تتولى امرأة إدارة فندق  في عصر وزمن شبه قديم اجتماعيا ؛ وربما لا نشهد له صنوا أو شبيها حاليا في عصر خروج المرأة الليبية للمجتمع وتؤدي دورا هاما بدلا من سجن أو كهف البيت ؛ كما كانت الامهات والجدات…

ومن المثير والهام في التاريخ الاجتماعي الليبي؛ عندما نقل إلينا الأستاذ الجليل المرحوم علي مصطفي المصراتي موقفا اجتماعيا محظورا لأحد نزلاء الفندق وبمعيته رفيقة أو صديقة له أو إحدى بنات الليل يزمعان الدخول للفندق؛ كانت الحارسة عيشاتو لهما بالمرصاد..

لا غرابة في ذلك؛ عيشاتو حارسة أيضا على القيم الأخلاقية المجتمعية المحافظة جدا في تلك الآونة من التاريخ الليبي..

 ويبدو أن هذا المشهد اللافت الذي بطشت به عيشاتو يعتبر ظاهرة اجتماعية في تلك اللحظات من التاريخ الاجتماعي الليبي تفسر عدة تفسيرات …

وكانت زنقة الفنيدقة بالمدينة القديمة؛ أبرز وأشهر مكان للفنادق القديمة التي أصبح معظمها في حالة يرثي لها … لذا نسج الليبيون اسم الزنقة التراثية من وجود عدة فنادق بها لاتزال أسمائها مشهورة؛ وتعتبر رموزا حية على لحظات تاريخية هامة…

مقالات ذات علاقة

طرفة لغويّة

الصديق الطيب البخاري

الأسطول الدنماركي النرويجي يهاجم طرابلس عام 1797

المشرف العام

سنة الزلزال

أحمد يوسف عقيلة

اترك تعليق