في الذكرى الأولى لرحيل الباحث عبدالرحمن الدبسكي
الطيوب
اللقاء الأول
حالما استلمت نسختي من كتاب (أتوبيس ذاكرة شوارع طرابلس)1، وجدتني أقلب فهرسة للبحث عن شارعنا، شارع بن عاشور، محاولا استكشافه وإجابة بعض الأسئلة التي ظلت عالقة في ذاكرتي بدون إجابة، أولها سبب تسميته ونسبته لـ(بن عاشور)، والتوقف عند بعض المعالم المهمة في المنطقة، منها (جامعة عمورة) حيث انتسبت إلى كتاب (الشيخ مجاهد)، و(سواني سكرة)، و(مقبرة السبعة).
من بعد بدأت تصفح الكتاب، على مهل!!
أما صاحب الكتاب فهو (عبدالمنعم عبدالسلام الدبسكي) -رحمه الله-2، الذي لم تجمعني الأقدار به وجهاً لوجه. إنما تواصلنا عبر منصة التواصل الاجتماعي الفيسبوك، وهاتفياً، والتواصل من أجل إجراء حوار لموقع بلد الطيوب، أجراه الصديق مهند سليمان.
حكاية الكتاب
في إبريل العام 2020م، أعلن الراحل الدبسكي، عن انتهائه من كتابه موضوع قراءتنا هذه، من خلال منشور له على حسابه الشخصي على الفيسبوك، وسريعاً التقطت مكتبة الكون هذا الخبر، وفازت بطباعة هذا الكتاب في ذات العام، وتحديداً في ديسمبر 2020م، في طبعة أولى، وزعت بشكل كبير في مدينة طرابلس، وكان نصيبي أحد النسخ، ولاحقاً نسخة من الطبع الثانية للكتاب.
في تقديمه للكتاب، يقول الكاتب؛ إن العمل على هذا الكتاب بدأ في منتصف العام 2018م، وتم الانتهاء بعد عامين، ويضيف: (وهو أو كتاب من نوعه حسب علمي بفصوله الـ27 يجمع بين الرموز والإعلام والمعالم والأحداث التاريخية حسب الشوارع والمناطق)3.
هذا الكتاب هو حصيلة رحلة بحث للكاتب في 26 مرجعاً تاريخياً، قام على جمع مادته منها وترتيبها بحسب شوارع طرابلس الكبيرة والرئيسية، ولها حضورها التاريخي. وعمد الكاتب إلى استخدام اللهجة الطرابلسية الدارجة، في صيغة أقرب للغة البيضاء؛ بين اللغة الدارجة واللغة العربية الفصحى.
ومن الواجب ذكره، إن الباحث عبدالمنعم الدبسكي؛ هو حفيد الرايس الدبسكي، أحد الرياس الذين شاركوا في أسر الفرقاطة فيلادلفيا، في 1803م. ولعل هذا التاريخ الطرابلسي لعائلة الدبسكي جعل حب طرابلس يتملكهم.
شوارع طرابلس
يعقب مقدمة الكتاب (التمهيد)، وهو أشبه ببانوراما في تاريخ وحوادث مدينة طرابلس، لننتقل من بعد إلى (وين ما شي يا مربح)؛ وهو حوارية بين الكاتب وابنه، تشي بفكرة رحلة الأتوبيس (الحافلة) في شوارع طرابلس، والتي بدأها بلمحة عن تاريخ مدينة طرابلس، وتأسيسها.
فيقوم خلال رحلته باصطحاب ابنه وأصدقائه في رحلة عبر شوارع طرابلس، بواسطة الأتوبيس (الحافلة)، التي تتوقف في محطتها بكل شارع، ليبدأ الكاتب سرده.
خلال فصول الكتاب، يتناول الباحث عبدالمنعم الدبسكي، شوارع طرابلس الرئيسية والتاريخية من خلال التعريف بالشارع، سبب التسمية، تاريخ الشارع أهم المعالم فيه، الأحداث التاريخية، الأعلام والشخصيات المهمة التي سكنت الشارع، وكان لها حضورها التاريخية والاجتماعي.
هذه التفاصيل تختلف من شارع إلى آخر، فبعض الشوارع حظيت بحجم سرد جيد، وأخرى أقل حجماً، وهذا يرجع لما توفر من معلومات في المصادر التاريخية حول كل شارع أو حي. إذ لا يوجد كتاب متخصص في تاريخ شوارع طرابلس، أنما هي أخبار توزعت هنا وهناك، قام الدبسكي رحمه الله بجمعها وتصنيفها، وهو جهد مميز وغير مسبوق، يختص بالتأريخ لمدينة طرابلس.
حجم المعلومات المصنفة لكل شارع وحي، تعكس حجم الجهد الذي تم بذله في استخراجها من مصادرها، وعناية الباحث في تتبعها، وهو جهد كبير يحسب للكاتب. وهنا أنبه إلى تكرار بعض الأسماء بعينها في ذات الفقرة، كما يحدث عند تسمية السواني، فيتكرر اسم السانية مرتين، فعلى سبيل المثال تكرر اسم (سانية البوزيدي)4 مرتين في ذات الفقرة، دون أن يتم التفريق بينهما بأي صفة أو شكل، وهو ما يجعلنا نرجح أنه بسبب المعلومات الكثيرة ربما يكون الكاتب غفل عن هذه التكرارات. وهذا التكرار موجود في طبعتي الكتاب.
نهاية الرحلة
كما لكل رحلة بداية.. وصلنا لنهاية رحلتنا مع هذه الكتاب، الذي يحسب لكاتبه الراحل عبدالمنعم الدبسكي، ولمدينة طرابلس، والذي من المهم أن يكون موجوداً في كل مكتبة، وفي كل بيت. خاصة وإن العائد المادي من بيع الكتاب مخصص لصالح مرضى الفشل الكلوي في ليبيا. لذا فالأجل حاصل لكل من ساهم في هذا الكتاب.
ختاماً، لدي ملاحظتين، كنت أتمنى لو استمر التأريخ لهذه الشوارع حتى التاريخ الحديث، لتتبع تطور مدينة طرابلس والتغيرات الاجتماعية والإنشائية، وهو ما يمكن استدراكه من قبل الباحثين.
المسألة الثانية، هي صغر حجم الصور التوضيحية المستخدمة في الكتاب، وتعرض بعضها للتشوه نتيجة تغيير مقاييسها. وما أتمناه أن يتم تدارك ذلك في الطبعة الثالثة للكتاب.
أخيراً، من المهم ذكر إن هذا الكتاب كان من ضمن الكتب الأعلى مبيعاً بمكتبة الكون، خلال مشاركتها في الدورة الأخيرة لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، الدورة 52م – 2021.
1- عبدالمنعم عبدالسلام الدبسكي (أتوبيس ذاكرة شوارع طرابلس)، مكتبة الكون، 2020م.
2- انتقل إلى جوار ربه في 12 يوليو 2021م، نتيجة إصابته بفيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) وعقب عودته من مشاركته بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، وطباعة كتابه (أتوبيس ذاكرة شوارع طرابلس) لطبعة ثانية.
3- أتوبيس ذاكرة شوارع طرابلس، ص 13.
4- المصدر السابق، ص 154-155.