النقد

سخط قرزة

ومضات في الكتابة الليبية

رواية (الكلب الذهبي) لمنصور بوشناف (الصورة: الكاتب نورالدين النمر)
رواية (الكلب الذهبي) لمنصور بوشناف (الصورة: الكاتب نورالدين النمر)

بما يمكن وصفه بـ”مناورة إزاء التنّاص” يعبر الكاتب منصور بوشناف عن إحراجه في نص كتبه منذ سنوات بعنوان “المسخ الليبي” على صفحته بالفيس بوك ،ربما تمهيداً لروايته مقحماً سارده بضمير “الكلب الذهبي” في شبكة التناصات مع النصوص التمثيلية من مسخ كائنات أوفيد ومسخ السحر الذي استحمر لوكيوس آبوليوس والروايات الحديثة من كافكا إلى سلمان رُشدي التي تداولت قصة التحوّل أو المسخ المعتادة والمتكررة في الميراث الأنساني منذ قديم الزمان.

كتب بوشناف في المسخ الليبي: “ان بإمكاني وقد اجعل ذلك مشروعا سرديا قادما، اعني ان اعيد الحياة لأولئك المسخوطين في “قرزة”, ان تتحول تلك التماثيل الى كائنات حية تسعى من جديد، مهتديا طبعا “بانتيجون” وحتى “سيدتي الجميلة” , ذلك عمل ملئ بالدلالات , قد تحتاجه البلاد والعباد اكثر من قصتي هذه, فعودة الحياة من ذلك “التحجر ” الطويل, سيكون ملحمة ليبية جديدة بامتياز, ولكنني تورطت الان في “المسخ” ولن اتراجع عنه”

فرانتز كافكا في روايته التحوّل استخدم الكلمة الألمانية “Die Verwandlung “،مستبعداً الـ ” Metamorphosis ” كما أوردها الكاتب الروماني اوفيد بترجمتها من اللاتينية للعربية بـ”بالمسوخ”. السبب أن التحوّل الذي طرأ على غريغوار سمسا غيّره جسدياً إلى حشرة ضخمة ،ولم يغير هوّيته الإنسانية إزاء نفسه وعائلته .ثم أن الكلمة الألمانية “Die Verwandlung ” لا تقتصر على التحوّل الجسدي من صورة إلى أخرى ،بل تشير إلى حالة تحول معنوية من مسار حياتي إلى آخر كما هو مضمون العنوان الذي وضعه الناشر لرواية الكاتب النمساوي تسفايج بعد وفاته”Rausch der Verwandlung” حيث أتبع كلمة التحوّل بوصف التسمّم Rausch .

تحوّطاً من الوقوع في التناص، مستلهماُ ربما استعارة “الكلب الميكانيكي” في رواية راي برادبري الدستوبية فهرنهايت 451 يصدّر بوشناف غلاف روايته بأسمين “الكلب الذهبي”وThe Golden” Dog “مغيراً “الحمار ” في عنوان الكاتب الليبي/الروماني ابوليوس بـ “الكلب” مبقياً على وصف “الذهبي” ومستبعداً كلمة ” Metamorphosis ” التحوّل” التي تترجم في اللغة العربية إلى مسخ .

يكتب بوشناف عن خلاصه من قلق التناص: ” تذكرت شيئا هاما يخصني عن المسخ، وهو مسخ ليبي بامتياز ولا تشوبه شائبة اجنبية “هو ليس من القصة (الكلب الذهبي) التي اكتبها الآن(…) بل من”امثولة”(مسخ قرزة) أي مسخها حجرا، حيث لازال يمثل بشر متحجرون بعضهم يحرث وبعضهم يحصد ,بعضهم يصعد نخلة وبعضهم يصطاد غزالا, فتبدو كل حياة الأسلاف القرزاوين متحجرة منذ ما يقرب من الالفي سنة “

يلجأ بوشناف إلى استبدال كلمة “مسخ” بكلمة “سخط” الذي أنزله الله حسب الرواة الشفويون بـ”قرزة فتصير حجرا ولتكون عبرة على مر الدهور!! هذا الاستبدال يرسخ في أذهاننا نظرية هرالد بلوم كما طرحها في كتابه “قلق التأثر The Anxiety of Influence “: بأن الأعمال الأدبية الكبرى ـ كـ نصوص المسوخ ـ ليست مجرد مواضيع للدرس، بل هي بيئات لفهم طبيعة الإبداع والطبيعة البشرية على السواء.

والتي في آخر الأمر لم تمنع لوكيوس من العودة إلى طبيعته البشرية في صورة مجازية كناية عن التحوّل إلى صيرورة إنسانية جديدة هذا التحوّل الذي تّم بتدخّل الإلهة (إيزيس أو تانيت أو نايت) التي يطلق عليها في الأناشيد المصرية الليبيّة) والتي تأمر في هذا المختتم المؤثر لوكيوس بالعودة إلى هوّيته الإنسانية: “أشارت علّي الربة أن أعود إلى نفسي وشخصي. حمدتها قدر ما استطعت، لا قدر ما تستحق ( … ) وخررت ساجدا عند قدميها وغسلتهما بدموعي وأنا أصلّي لها بصوت تخنقه العبرات”.

مقالات ذات علاقة

لعنة أطفال النار

مفتاح العماري

الشاطئ الرابع.. والسرد بين زمنين

إنتصار بوراوي

بن يتمحص.. جزر ممكنة

نادرة عويتي

اترك تعليق