قراءات

خيانة السيد الرئيس

كتاب خيانة بوش  سحق الحرية والعدالة والسلام بحجة تخليص العالم من الإرهاب والاستبداد لمؤلفه جايمس بوفارد
كتاب خيانة بوش سحق الحرية والعدالة والسلام بحجة تخليص العالم من الإرهاب والاستبداد لمؤلفه جايمس بوفارد

لم يكن الكتاب الذي أصدره مؤخراً مساعد تحرير صحيفة واشنطن بوست الصحافي الشهير بوب وودورد الكتاب الأول الذي هزَّ البيت الأبيض واتهم فيه بوش بالكذب علي الشعب الامريكي، فلقد سبقت كتاب بوب وودورد الموسوم ب حالة إنكار عدة كتب ومؤلفات تطرقت للوضع المزري الذي تمر به السياسةالامريكية منذ تولي بوش زمام الرئاسة في كانون الثاني (يناير) 2001، ومن بين تلك الكتب والمؤلفات كتاب خيانة بوش  سحق الحرية والعدالة والسلام بحجة تخليص العالم من الإرهاب والاستبداد لمؤلفه جايمس بوفارد والذي سبق له أن أصدر كتاباً مثيراً للجدل عُنون ب الإرهاب والاستبداد والحقوق المسلوبة.

جايمس بوفارد في كتابه الجديد الذي صدرت ترجمته عن مركز التعريب والترجمة بالدار العربية للعلوم في بيروت، تناول عبر صفحات كتابه البالغة 438 صفحة من الحجم الكبير مسألة إقدام الرئيس الامريكي بوش علي نكث القسم الذي تعهد فيه بصيانة الدستور وتعزيز الحياة الديمقراطية في أمريكا، وذلك عبر ستة عشر فصلاً من التحليل والنقد اللاذعين لجملة الممارسات السلبية التي ارتكبتها ولا تزال ترتكبها إدارة بوش.

يتحدث المؤلف عن جملة النتائج السلبية التي ترتبت علي أحداث الحادي عشر من ايلول (سبتمبر)، حيث يتناول بوفارد تلك النتائج من خلال انعكاساتها المرئية علي المشهد السياسي الامريكي، وبالأخص ما يتعلق منها بالحريات، فنجد بوفارد يستهل هذا الفصل بتناول مسألة إقدام إدارة بوش الإبن علي انتهاك خصوصية المواطن الامريكي مؤكداً علي أنه عقب أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر)، باتت الخصوصية رفاهية لم يعد في مقدور الامريكيين تحمل تكاليفها، فالإدارة حاولت بمختلف الطرق أن تعطي لنفسها الحق في التجسس علي البريد الإلكتروني لعامة الناس عبر نظام كارينفور التابع لمكتب التحقيقات الفيدرالي، فأطلقت العنان لعملاء المكتب للبدء بعمليات المراقبة في كل مكان تقريباً، وسمحت لرجال المباحث بتفتيش بيوت الناس سراً وشرّعت للبنتاغون فتح مئات الملايين من الملفات الخاصة بمواطنين أمريكيين، ووسّعت دور المؤسسة العسكرية في عملية المراقبة المحلية، واستبدلت البيانات الشخصية بكود فيدرالي ملوّن لكل مسافر بالطائرة.

العقبات والعراقيل التي اجتهدت إدارة بوش من أجل وضعها أمام لجان التحقيق التي شكلها الكونغرس من أجل معرفة الأسباب التي أدت لوقوع أحداث الحادي عشر من ايلول (سبتمبر)، وتحايل إدارة بوش علي خزانة المجتمع الأمريكي إبان تمويل حملة الانتخابات الرئاسية لعام 2004 كانت من بين المواضيع التي تناولها بوفارد بالنقد والتحليل عبر صفحات هذا الفصل، حيث اعتبرها جايمس بوفارد من أكبر مظاهر الدجل في إدارة بوش، وعن الحرب في العراق ويري بوفارد أن السياسة الخارجية التي اتبعها بوش أوجدت أعداءً للولايات المتحدة أكثر من الذين تخلصت منهم، كما إنه من الواضح أن إدارة بوش قد أخفقت في حماية الأمريكيين من كافة الأعداء الجدد الذين تفرخهم سياساتها غير الناضجة.

تقديس وتورية

تحت عنوان أحداث الحادي عشر من ايلول (سبتمبر)  التقديس والتورية يتناول بوفارد مسألة توظيف إدارة بوش لأحداث الحادي عشر من ايلول (سبتمبر)، حيث اعتبر بوفارد ذلك التوظيف بمثابة جريمة بشعة كان ضحيتها الشعب الأمريكي الذي انخدع بخطاب التقديس والتورية الذي تبنته إدارة بوش بعد تلك الأحداث من أجل إخفاء حقيقة فشلها الذريع في حماية أمن واستقرار الولايات المتحدة.

لقد حاولت إدارة بوش منذ الأيام الأولي التي تلت أحداث 11/9 صنع خطاب منبري وبلاغي يرتكز علي مضامين أسطورية تبجل كلاً من الرئيس والحكومة، والمفتاح المناسب لترسيخ ذلك الخطاب تمثل في التكتم علي الحقيقة، فخلال الأيام التي تلت الأحداث المأساوية أنكر بوش وكبار الموظفين الفيدراليين ما تردد عن تلقي الحكومة تحذيرات سبقت هجوم القاعدة علي الولايات المتحدة، وذلك رغم وجود إثباتات تفيد أن الموجز الرئاسي الذي قُدم للرئيس بوش في 6/8/2001 أشار إلي أن بن لادن عازم علي توجيه ضربة انتقامية للولايات المتحدة، كما أن استخبارات غربية عدة كانت قد وفرت عدة معلومات وتقارير أمنية تؤكد علي استهداف أمريكا من قبل تنظيم القاعدة، فعلي سبيل الذكر لا الحصر وفر جهاز الاستخبارات الألماني لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية الاسم الأول ورقم هاتف مروان الشهّي، والذي كان أحد أعضاء القاعدة الذين قادوا الطائرة المختطفة التي اصطدمت بمبني البنتاغون يوم 11/9 كما نبه الخبراء الألمان وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في عام 1999 م إلي أن مروان كان قد أجري اتصالاً بالخلية المشتبه في انها تنتمي إلي القاعدة في هامبورغ، غير أن الوكالة لم تكلف نفسها عناء تعقب ذلك الرجل، وعندما سُئل مدير وكالة الاستخبارات المركزية السابق جورج تينت عن هذا الفشل في جلسة استماع أمام الكونغرس في شباط (فبراير) 2004 أجاب تينت: أعطانا الألمان اسماً، وهو مروان ورقماً هاتفياً، لكنهم لم يعطونا الإسم الأول أو الأخير إلا بعد 11/9، إضافة إلي معلومات أخري.

انهم يكرهوننا لأننا منافقون

يتناول بوفارد بإسهاب المخاطر التي تواجه الحياة الديمقراطية في الولايات المتحدة الأمريكية من جراء التدابير التعسفية التي اتخذتها الدوائر الأمنية في أمريكا بعد أحداث الحادي عشر من ايلول (سبتمبر)، ويحاول الكاتب هنا تصوير مدي حجم الضرر الذي تعرضت له حرية المواطن الأمريكي بعد تطبيق تلك التدابير التعسفية والتي بدأت ملامحها في الثلاثين من ايار (مايو) 2002 عندما تم إلغاء القيود التي كانت مفروضة علي مراقبة الحياة اليومية للأمريكيين وأنشطتهم السياسية من قبل مكتب التحقيقات، ويقول بوفارد انه قبل إلغاء تلك القيود (كان لدي عملاء مكتب التحقيقات مطلق الحرية في الدخول إلي المساجد أو حضور اللقاءات السياسية، لكن فقط في حال كان هناك مؤشر علي سلوك إجرامي) ص 63.

لقد سبق القرار الآنف والخاص بإلغاء القيود المفروضة علي مراقبة الحياة اليومية مذكرة للمدعي العام السابق جون أشكروفت كان قد وجهها للجنة القضائية التابعة لمجلس الشيوخ وجاء فيها قوله إلي أولئك الذين يخيفون الشعب المحب للسلام بأشباح فقدان الحرية .. أساليبكم لن تساعد سوي الإرهابيين لأنها تقوض وحدتنا الوطنية وتمنح الحصانة لأعداء أمريكا ص 51.

ومن خلال العبارة السابقة ينطلق مؤلف الكتاب جايمس بوفارد ليحلل وفق رؤيته الخاصة حجم القمع والتضييق الذي تعرض له المواطن الأمريكي من جراء تلك الرؤية الأمنية الضيقة سيما وأن وزارة الأمن الداخلي كانت قد أوصت في ايار (مايو) 2003 بضرورة أن تراقب أقسام الشرطة المحلية كل من يعبر عن كراهيته لمواقف حكومة الولايات المتحدة وقراراتها.

ومن خلال المضامين الكمية والكيفية لمادة هذا الفصل يسرد مؤلف الكتاب تفاصيل أكثر من حادثة تسببت فيها إدارة المخابرات السرية ومختلف الأجهزة الأمنية في أمريكا في تضييق الحريات علي المواطن الأمريكي وذلك بحجة حماية أمريكا من أعدائها الذين يكرهونها، ومن بين الحوادث التي أشار إليها بوفارد حادثة جرت في 24 تشرين الاول (أكتوبر) 2000، حيث سافر بوش بالطائرة إلي كولمبيا، ساوث كارولينا لكي يلقي خطاباً في أحد المطارات أمام مرشحين جمهوريين في انتخابات الكونغرس حيث قال بوش للحشد المتيم به  هناك عدوّ يكره أمريكا بسبب الأشياء التي نحبها في أمريكا، ونحن نحب صحافتنا الحرة، ونحن نحب كافة أوجه حريتنا، ولن نتخلي عن ذلك.

عملت إدارة المخابرات السرية علي تأمين منطقة المطار من أجل الخطاب البلاغي الذي يعشق الحرية وذلك بقمع المخالفين في الرأي قبل وصول بوش، فقد اعُتقل بريت بورسي، البالغ من العمر 54 عاماً لأنه كان يرفع لافتة كُتب عليها  لا للحرب من أجل النفط  في مكان قريب جداً من عنبر الطائرات حيث كان بوش سيلقي خطابه.

رشوة محلية وسياسات تعليمية فاشلة

يسخر المؤلف من سياسات بوش الاقتصادية وبالأخص ما يتعلق بتطبيقاتها العملية الخاصة بمبدأ التجارة الحرة والتي ينعتها بوفارد بالمتخلفة، فتحت عنوان (الفولاذ الأجوف  بوش مقابل التجارة الحرة) يسخر مؤلف الكتاب جايمس بوفارد من رؤية إدارة بوش لمفهوم التجارة الحرة مُدللاً في سياق سخريته تلك بالعديد من الأمثلة التي ربما كان أهمها قرار إدارة بوش المتعلق بزيارة التعريفات الجمركية بنسبة 30 بالمئة وأُجبرت إدارة بوش علي وقف العمل به في الرابع من كانون الاول (ديسمبر) 2003 بعد أن ألحق القرار خسائر فادحة بالاقتصاد الأمريكي. ويؤكد بوفارد من خلال صفحات هذا الفصل الرابع أن القرار المشار إليه آنفاً لم يكن إلا مجرد رشوة لصناعة محلية ومحاولة لكسب تأييد أصوات صانعي الفولاذ في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في 2004 والتي كان قد فاز فيها بوش بولاية رئاسية ثانية، لقد تسببت تلك الرشوة في خسائر عدة للاقتصاد الأمريكي مثل ارتفاع أسعار الفولاذ الأمريكي إلي مستويات أعلي بكثير من أسعار الفولاذ العالمية وزيادة التعريفات الجمركية علي الواردات من الطلب قتلت الوظائف في الولايات المتحدة الأمريكية وأصبحت برنامجاً لتنمية الوظائف في كوريا واليابان وغيرها من البلدان التي تنتج قطعاً للسيارات تتمتع بجودة عالية، ومنذ أن بوشر بتطبيقها في اذار (مارس) 2002 قارب عدد الوظائف التي قضت عليها هذه التعريفات في الشركات المستهلكة للفولاذ عدد الوظائف المتوفرة في مجمل الصناعة المنتجة للفولاذ في أمريكا، وهناك بعض مصانع قطع السيارات في تنيسي التي أقفلت بسبب التكاليف المرتفعة للفولاذ التي نتجت عن هذه التعريفات. بوفارد لا يكتفي فقط خلال هذا الفصل بالسخرية من قرارات بوش الاقتصادية بل يحاول أيضاً أن يميط اللثام عن تلاعب إدارة بوش بمبدأ التجارة الحرة وتوظيفه بشكل غير مجد علي الصعيد الخارجي. وضمن هذا السياق يناقش بوفارد الفشل الذي رافق سياسات الإصلاح الأخلاقي التي تبنتها منظمة أمريكوربس المدعومة مادياً ومعنوياً من إدارة بوش.

أعلي عجز في تاريخ الميزانية الأمريكية

ينتقد جايمس بوفارد طريقة تعامل إدارة بوش الإبن مع موضوع المساعدات الخارجية والتي تصرفت فيها إدارة بوش الإبن بشكل حولها إلي عامل معرقل لتطور الاقتصاد الأمريكي، خاصة بعد ما اتضح ان تلك المساعدات لم تحقق غاياتها وأهدافها الاستراتيجية. ويشير بوفارد في هذا السياق إلي أن فشل المساعدات الخارجية يُعزي في جانب منه إلي الفساد المستشري في الدول التي يتم منحها تلك المساعدات.

إن المساعدات الخارجية الأمريكية عند بوفارد ما هي إلا وسيلة لدعم حكومات اللصوص وبالتالي كان علي إدارة بوش الإبن قبل أن تبدأ في تبذير أموال الشعب الأمريكي علي رؤساء وحكام لصوص ومفسدين أن تعالج مسألة الفساد المستشري في تلك الحكومات سيما وأن الدراسات تؤكد علي أن معظم من يتلقي المساعدات الأمريكية المخصصة للتطوير أصبح اليوم أفقر مما كان عليه قبل تلقيه المساعدة الأمريكية الأولي. ص 161.

علي كل حال ليست مسألة المساعدات الخارجية هي المسألة الوحيدة التي تناولها جايمس بوفارد عبر هذا الفصل بل هناك العديد من المسائل التي تناولها بوفارد من أجل أن يثبت فشل إدارة بوش في الحفاظ علي المال العام الأمريكي.

إن بوش كما يقول بوفارد يقدم لأمريكا أعلي مستويات العجز في تاريخ ميزانيتها، ويتوقع الخبراء الاقتصاديون بأن العجز سيتراوح ما بين 400 و500 مليار دولار في معظم سنوات العقد القادم، ومع ذلك لا ينحني بوش ليعترف علناً بالأعباء التي يجبر الأمريكيين اليافعين ودافعي الضرائب المستقبليين علي تحملها، وبدلاً من ذلك، يتم الافتراض بأن أي انفاق حكومي يصب في مصلحة بوش خال من التكاليف.

الرئيس المدمن في مواجهة حرب المخدرات

جاء بوش إلي الرئاسة ولديه من الخبرة في التجارة غير المشروعة بالمخدرات أكثر من العديد من شاغلي المناصب حديثاً في المكتب البيضاوي، فخلال حملته من أجل الوصول إلي الرئاسة، راجت شائعات علي نطاق واسع بأن بوش كان يتعاطي الكوكايين وأنواع المخدرات الأخري ص 187.

ويحاول بوفارد ان ينبش ملف تعامل إدارة بوش الإبن مع قضية تعاطي وتجارة المخدرات في الولايات المتحدة الأمريكية ويقول من خلال مقدمته التي سلط من خلالها الضوء علي تجربة بوش مع المخدرات أن هذا الأخير اعترف من الناحية العملية بأنه واحد من بين أكثر من 90 مليون أمريكي، وفقاً للمسوحات الممولة من الأموال الفيدرالية، تعاطوا المخدرات مرة علي الأقل في حياتهم، ولسوء الحظ، فإنه من الواضح أن تجارب بوش الخاصة لم تفعل شيئاً من أجل إخفاء مسحة إنسانية علي نظرته تجاه المدمنين علي المخدرات.

ويتناول بوفارد قضية نُويل بوش ابنة جيب بوش حاكم ولاية فلوريدا وابنة أخ الرئيس بوش التي تبلغ من العمر 25 عاماً وكانت قد اعتقلت لأول مرة في 2002 عندما كانت تحاول شراء إكزاناكس وهو عقار مسكن يخضع لإشراف إدارة مكافحة المخدرات، مستخدمة وصفة طبية زائفة، وكان من الممكن أن يُحكم عليها بالسجن لمدة خمس سنوات بتهمة تزوير وصفة طبية من أجل تعاطي المخدرات، وبدلاً من ذلك، أوكلت قضيتها إلي برنامج يسبق المحاكمة حيث أرسلت إلي مركز فخم لإعادة التأهيل، وهو مركز  عش حياة خالية من المخدرات  في أورلاندو.

وعلي غرار ادارات سابقة فادارة بوش تستمر في خسارة الحرب التي تشنها علي المخدرات وتستمر في خداع الشعب الأمريكي بشأن عدم جدوي الحرب الفيدرالية علي المخدرات، كما يستمر المسؤولون في الإدارة في تصوير القضية علي أنها مسألة خير في مقابل الشر بدلاً من إثارة السؤال البديهي التالي  ما مدي صوابية تكرار السياسات الفاشلة التي تعاقب شريحة واسعة من الأمريكيين في حين تفشل في تحقيق أهدافها ؟

الديمقراطيات تموت خلف الأبواب الموُصدة

يري بوفارد ان السياسات التي تتبعها إدارة بوش، والقائمة علي زيادة صعوبة الكشف عن أفعال الحكومة، تعرض حقوق الأمريكيين للخطر. وينتقد هنا تمظهرات عدة رافقت سعي إدارة بوش إلي اسدال ستار حديدي يلف الوكالات الفيدرالية ويجعل من الديمقراطية المطبقة في الولايات المتحدة أشبه بملكية فردية مستبدة، ومن بين المسائل التي يرتكز عليها بوفارد في هذا الفصل الموسوم ب عندما تعمل الحكومة في الخفاء مسألة رفض وزارة الدفاع الأمريكية للطلبات التي كانت تسعي لمعرفة العمليات التي تنفذ وفقاً لمخطط مراقبة الإدراك التام للمعلومات.

ويشير بوفارد الي أن أكثر حالات الرفض للطلبات التي قدمت بناء علي المرسوم تضمنت ادعاء الإدارة لسرية المعلومات المتعلقة بأسماء 1200 عربي، ومسلم وغيرهم ممن جري اعتقالهم علي خلفية الاشتباه بأنهم إرهابيون عقب هجمات 11/9، لقد أصرّت وزارة العدل علي جلسات استماع مغلقة في المحاكم حول كافة قضايا الترحيل اللاحقة، ومع أن أحداً من هؤلاء المعتقلين لم تكن له أية صلة بهجمات 11/9، لكن إدارة بوش استمرت في الادعاء بأن الكشف عن أي من هذه الأسماء يمكن أن يوفر فسيفساء ربما تقدم مساعدة حتمية لمدبري الهجمات الإرهابية، وأصدر قاضي الاستئناف الفيدرالي دايمون كيث حكماً ضد سياسة بوش في عام 2003 م جاء فيه:

طالب يتحدى الرئيس بوش

تحت عنوان تصرفات في المطارات تثير الضحك يتوقف جايمس بوفارد في محطة إدارة أمن النقل ليتجول عبر مجموعة التدابير والسياسات التي اتخذتها هذه الإدارة منذ الحادي عشر من ايلول (سبتمبر)، ومن خلال سبره التحليلي في مضامين ملف الإجراءات الأمنية في المطارات يتضح لمؤلف الكتاب ان تلك الإجراءات لا تزال دون المستوي المطلوب وذلك رغم قيام إدارة بوش بصرف أكثر من 10 مليارات دولار علي عملية تحديث تلك المطارات. ويري بوفارد أنه فضلاً عن سهولة اختراق الحواجز الأمنية بالمطارات فإن إدارة أمن النقل بذلت ما في وسعها من جهد من أجل تضييق حرية الركاب والمسافرين عبر المطارات الأمريكية، وكدليل علي فشل الإجراءات الأمنية المتبعة في المطارات الأمريكية وكذب بوش الذي يحاول طمأنة الشعب الأمريكي بأن الأمور تسير علي ما يرام في وسائل النقل الأمريكية. يشير الكاتب إلي حادثة الطالب هيتوول ففي 17 تشرين الاول (أكتوبر) 2003 عرف الأمريكيون كيف أن طالباً جامعياً يبلغ من العمر 20 عاماً سخر من جيش أمن المطارات الذي يتألف من خمسين ألف عنصر تابعين للعم سام، فقد هرّب ناثانيل هيتوول من دامسكاس، ميرلاند أسلحة مخبأة  عبارة عن صندوقين رماديين من قطاعات الورق كل منها مزود بشفرة، وما بين 10، 12 أونصة من المتفجرات البلاستيكية المقلدة  قوالب من الطين الأحمر  وعشرات من أعواد الثقاب، وحوالي 8 أونصات من سائل للتنظيف  عبر النقاط الأمنية في المطار ودس هذه المواد في دورات المياه في الطائرات، أولاً في الطائرة التي كانت في رحلة من غريتر بورو في نورث كارولينا إلي بالتيمور، وبعد ذلك بيومين في الطائرة العائدة من بالتيمور إلي نورث كارولينا، ترك هيتوول رسالة يحدد فيها متي وأين أخذ الصندوقان المهربان عبر نقاط التفتيش، وبعد ذلك، بعث برسالة إلكترونية إلي إدارة أمن النقل يشرح فيها ما قام به بالضبط، تواريخ الرحلات، وأرقامها، أين كان الصندوقان مخبأين في الطائرتين، أما عنوان موضوع الرسالة الإلكترونية فكان معلومات تختص بستة خروقات أمنية حديثة.

استبدال القانون بمحاكم عسكرية

يسرد الكاتب التدابير والإجراءات التي اتخذتها إدارة بوش وأدت فيما بعد إلي الإساءة لسمعة الديمقراطية المطبقة في الولايات المتحدة وإلي ممارسة المزيد من الاستبداد والظلم علي المواطن الأمريكي وذلك تحت مبررات ودواعي حماية أمريكا من الإرهاب وأعداء الحرية، فتحت عنوان حق الرئيس في تدمير كافة الحريات يشير بوفارد إلي أنه عقب أحداث 11/9، باتت الكلمة التي يتفوه بها الرئيس بمثابة الحماية الوحيدة التي تحتاج إليها حقوق الشعب الأمريكي وحرياته، ونتيجة لهجمات 11/9 ، أعطي بوش نفسه الحق في امتلاك سلطة غير محدودة وغير خاضعة للمراقبة علي كل شخص في العالم يشتبه في كونه إرهابياً، وهذا بالتأكيد، الذي يفتقر إلي أي أساس، من جانب الرئيس يتجاوز كافة الإجراءات القضائية وتدابير الحماية التي تراكمت خلال ما يزيد عن مئتي عام من تاريخ هذا البلد. في 13 تشرين الثاني (نوفمبر) 2001، أصدر بوش أمراً تنفيذياً يؤسس محاكم عسكرية من أجل محاكمة وربما إعدام كل شخص وصفه بوش  بالعدو القاتل  أملي بوش رأيه في ان الأشخاص الذين يصنفون علي أنهم أعداء مقاتلون  لا ينبغي أن يحظوا بامتياز طلب أي نوع من العلاج بشكل مباشر أو غير مباشر في أية محكمة في الولايات المتحدة.

عرف بوش العدو المقاتل بأنه شخص يعطي  سبباً للاعتقاد  بأنه عضو حالي أو سابق في تنظيم القاعدة أو شخص  اشترك أو ساعد أو شجع علي ارتكاب عمليات إرهابية دولية أو التحضير لأعمال تسببت أو تهدد بالتسبب أو تهدف إلي التسبب في أذية الولايات المتحدة أو التأثير عليها سلباً أو علي مواطنيها أو علي أمنها القومي أو علي سياستها الخارجية أو علي اقتصادها.

وبعد انتقاد القرار الآنف واعتباره قراراً يهدف لاستبدال القانون الأمريكي بمحاكم عسكرية غير مشروعة يقول بوفارد ان بوش اخترع صلاحية تضييق الناس بأنهم أعداء مقاتلون وسلبهم حقوقهم القانونية من مرسوم بسيط، وإذا سُمح لهذه الصلاحية بالاستمرار، فالمسألة لن تعدو كونها مجرد وقت قبل أن يصدر بوش أو الرؤساء الذين يسألون من بعده مراسيم جديدة تلغي حقوق مجموعات أخري.

أكاذيب عن أفغانستان والعراق

تورطت ادارة بوش في مستنقعي أفغانستان والعراق، والكاتب يتناول هنا باستفاضة أهم الأخطاء الاستراتيجية والتكتيكية التي ارتكبت في أفغانستان والعراق مؤكداً من وجهة نظر مقارنة علي أن العامل المشترك الذي ميز تجليات التورط الأمريكي في المستنقعين يكمن في مجموعة الأكاذيب والترهات الوهمية التي ادعتها إدارة بوش وورطت من خلالها الشعب الأمريكي في مأزق مُهين لكرامته، ومن بين تلك الأكاذيب التي يتحدث عنها، أكذوبة استهداف تنظيم القاعدة لمنشآت أمريكية والتي اعترفت بها إدارة بوش بعد سنتين من الدعاية لها. لقد كانت إدارة بوش تدّعي أن تنظيم القاعدة كان يستهدف مفاعلات نووية أمريكية وعمل كبار مسؤولي وكالة الاستخبارات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالي لتضخيم التهديد بأن مقاتلي تنظيم القاعدة الذين يتمركزون في أفغانستان كانوا يستهدفون منشآت نووية لتوليد الطاقة في الولايات المتحدة. وادعاء إدارة بوش بأن هزيمة طالبان أدت لتمكين الفتيات الأفغانيات من الالتحاق بالمدارس في حين أن تقديرات الأمم المتحدة تشير إلي أن 3 في المئة فقط من الفتيات الأفغانيات التحقن بالمدارس في بعض الأقاليم الجنوبية  حيث يذهب كافة الصبيان تقريباً إلي المدارس  وإذا نظرنا إلي مجمل البلاد، نجد أن عدد الصبيان الذين يذهبون إلي المدارس يزيد علي عدد الفتيات بأكثر من الضعف . الأكذوبة الثالثة التي أطلقها بوش إبان حربه علي أفغانستان تمثلت في قوله ان نظام طالبان نظام بربري ووحشي لا يوجد له مثيل في تاريخ الإنسانية لأنه مسؤول عن مقتل أكثر من 25000 مدني في مدينة كابل وحدها. ولا يستسيغ الكاتب كل هذا التضخيم الذي لا يخلو من الحقيقة ويقول لكن وحشية طالبان لم تصل إلي مستوي وحشية الجيش السوفييتي الذي قتل ما بين مليون ومليوني أفغاني في الفترة الممتدة بين عامي 1979  1989.

هناك العديد من الحكومات التي ارتكبت مجازر أشد هولاً من تلك التي ارتكبتها طالبان، فقد اختفي ثلاثة ملايين من أبناء كوريا الشمالية بسبب القمع الوحشي الذي تمارسه الحكومة هناك وبسبب انهيار القطاع الزراعي، كما قُتل أكثر من مليون شخص علي أيدي القوات الحكومية والمنظمات شبه العسكرية الهائجة أثناء عمليات التطهير العرقي التي شهدتها رواندا وبروندي في عام 1994، وقتل الخمير الحمر حوالي ثلاثة ملايين كمبودي بدءاً من عام 1975 م  أي قرابة ثلث عدد السكان، كما أن سجل طالبان المخيف لا يقارب مع سجل ألمانيا في عهد هتلر أو روسيا في عهد ستالين أوالصين في عهد ماو، وأعمال طالبان تبدو بسيطة بالمقارنة مع ما قام به العديد من الفاتحين في التاريخ القديم من القبائل الرّحل المغولية إلي الصليبيين في العصور الوسطي.

بالإضافة لأكذوبة خلو أفغانستان من المخدرات يتعرض الكاتب إلي ما روّجته إدارة بوش من دعايات تتعلق بأفول طالبان وانتهائهم في أفغانستان حيث يقول لا تزال طالبان تشكل خطراً مميتاً بالنسبة إلي العديد من الأفغان الذين يسعون إلي التقدم بالبلاد وإشاعة الاستقرار فيها، وحتي آذار (مارس) 2004، لا تزال طالبان والجماعات الأخري تسيطر علي ثلث أراضي أفغانستان تقريباً، وعلي وجه الخصوص في المناطق الجنوبية المجاورة لباكستان . وعن العراق يتعرض بوفارد لأكاذيب بوش المتعلقة بامتلاك نظام صدام حسين لأسلحة دمار شامل كما يربط بين حادث سجن بوغريب وانتهاكات حقوق السجناء في غوانتنامو، وبين الاتفاقية الدولية الخاصة بمحاربة التعذيب التي بذلت إدارة بوش الإبن ما في وسعها من أجل تجاوزها والتحايل علي بنودها حيث يؤكد بوفارد في هذا الصدد علي أن نيوزويك كانت قد أشارت إلي أن مذكرة أعدّتها وزارة العدل لوكالة الاستخبارات المركزية في خريف عام 2001 وضعت تفسيراً ضيقاً للاتفاقية الدولية الخاصة بمحاربة التعذيب، يسمح للوكالة باستخدام نطاق شامل من الأساليب بما في ذلك الحرمان من النوم، واستخدام أشكال التخويف، ونشر عوامل الإجهاد في استجواب المشتبه بانتمائهم إلي القاعدة، تتضمن إحدي الطرق الشائعة وضع رأس المحتجز تحت الماء وحمله علي الاعتقاد بأنه سيغرق من أجل التسبب بالإجهاد والإكراه. وأشارت النيوزويك إلي أن الخبراء قاموا بتطوير 72 نقطة بما في ذلك استخدام درجات الحرارة شديدة الارتفاع والانخفاض، والحرمان من الطعام، وتغطية الرأس لعدة أيام، وترك المحتجز عارياً في الطقس البارد ووضعه في زنزانة مظلمة لأكثر من ثلاثين يوماً، وتهديده بالكلاب  من غير أن تعضه كما أنها سمحت باستخدام محدود لوضعيات مجهدة، مصممة من أجل تعريض المحتجزين لمستويات متصاعدة من الألم، وبعد أن أفضت عمليات الاستجواب القاسية إلي تحقيق نتائج في أفغانستان وسجن غوانتنامو، عمد وزير الدفاع إلي وضعها موضع التنفيذ واستخدامها في العراق، مع أنه كان من المفترض أن تخضع الحرب لاتفاقيات جنيف.

اخيرا

لقد نكث بوش تلك الوعود وجرّ البيت الأبيض لكوارث ومآزق كان في غني عنها لو تصرف بواقعية بعيدة عن تطرف تلاميذ المفكر شتراوس (المحافظين الجدد) والذين قادوا البلاد لمرحلة سياسية هي الأسوأ في تاريخ الدولة المهيمنة علي مجريات السياسة الدولية منذ تشظي وأفول الاتحاد السوفييتي ومنظومته الاشتراكية.

إن تداعيات خيانة بوش للشعب الأمريكي جعلت جايمس بوفارد يختتم سطور كتابه بدعوة الأمريكيين إلي إعادة ترتيب أوراقهم الفكرية والسياسية وإلي التخلي عن بعض العادات الانتخابية غير الناضجة وغير المستوعبة للخطر الذي يهدد الحياة الديمقراطية الأمريكية. يقول بوفارد في خاتمة كتابه: يتعين علي الأمريكيين قطع الأمل بمجيء سياسي علي صهوة حصان أبيض يحل كافة المشاكل التي تعاني منها البلاد دفعة واحدة، وقد آن الأوان لكي يتمتع الأمريكيون بما يكفي من النضج لكي يدركوا بأنه ما من أحد سوف يأتي  بمعني أن البرامج والسياسات الحكومية التي تحتوي علي عيوب مهلكة لا يمكن إصلاحها من قبل شخص يدعي بأنه أكثر اهتماماً أو أكثر ذكاء أو يحمل (أو لا يحمل) شهادة ماجستير في إدارة الأعمال، وينبغي علي الأمريكيين التوقف عن النظر إلي رئيسهم كمخلص وأن ينظروا إليه بدلاً من ذلك علي أنه يد مستأجرة، وُضعت علي جدول رواتب الموظفين لفترة زمنية محددة من أجل القيام بمهام معينة.

إن محاولة وضع حدّ لسوء إدارة الحكم في واشنطن بالاقتصار علي تغيير الحزب السياسي الحاكم أشبه بسعي مدمن علي شرب الكحول إلي حل مشكلته عبر التحول من شرب الويسكي إلي شرب الرم. سيتطلب الأمر ما هو أكثر من تغيير الأطباء الدجالين لحل مشكلات الجمهورية الأمريكية.

إذا كان الأمريكيون يرغبون في أن يكون لديهم قادة أفضل، يتعين عليهم أن يصبحوا مواطنين أفضل، والانتخابات لن يمكنها حماية حريات الناس ما لم يفهم الناخبون كيف تعمل الحكومة علي التعدي علي حقوقهم.

مقالات ذات علاقة

“والعكس صحيح” فيلم عن الإنعكسات النفسية للحرب في ليبيا

المشرف العام

قراءة في كتاب “في بنغازي كانت لنا أيام”

المشرف العام

نجوى بن شتوان .. وتعرية أمراض المجتمع الليبى

إنتصار بوراوي

اترك تعليق