قراءات

ليس دفاعا عن خبز الخال ميلاد. ولكن!

الروائي الليبي محمد النعاس
الروائي الليبي محمد النعاس

أغلب المقاربات النقدية وغير النقدية التي ذهبت لتناول (خبز على طاولة الخال ميلاد). تلك الرواية التي نالت البوكر لهذا العام. لم ترتقي -في تقديري– الى مستوى النص الروائي. الذي خطف الجائزة من بين أيادي منافسيه في ذات اللسان وفى ذات الاقليم. ويرجع ذلك في تقديري الى غفّلة المعالجة النقدية أو تغافلها للظرف الاستثنائي. الذي احاط بالبيئة الاجتماعية الثقافية النفسية. التي جاءت من صُلبها الرواية للوجود. والتي كانت في الان نفسه تمثل الركح الذي ارتسمت من فوقه جل احداث النص. واُختيرت من جغرافيته الاجتماعية اغلب الشخوص الرئيسية. التي جاءت في مسميات. الخال ميلاد. العبسي. زينب. المدام الخ. فغياب حضور هذا الاستثناء. عند قراءة الرواية او معالجتها نقديا او تقيّمها. هو وليس غيره. ما جعل كل المقاربات لا تلامس الموضوعية اثناء تناولها لخبز على طاولة الخال ميلاد.

وما يؤكد مدى تأثير الظرف الاستثنائي المحيط بنشأة وولادة النص الأدبي. جاء في بعض ما قاله كاتب الرواية في حديثه عن (خبز على طاولة الخال ميلاد). فقال فيما قال. وفيما معناه. بانه قد صاغ الرواية في شهور لا تتعدى الستة. وكانت كتابة المسودة في احيانا كثيرة. تتم على إضاءة معتمة بسبب انقطاع وغياب التيار الكهربائي على نحو متواصل. ناهيك عما تمور به شوارع طرابلس وميادينها وازقتها وبيوتها. على يد الاحداث التي شكلت واقعا استثنائيا. أربك المعتاد واضطرب به العادي من واقع الحياة اليومي وما بعد اليومي. بالفضاء الاجتماعي الثقافي النفسي الليبي قاطبه. والتي تعتبر مدينة طرابلس العاصمة والمركز الحضري له. كل هذا الاستثناء جاء على يد ومع انتفاضة 2011 م بليبيا. والتي اشتغل في كنفها وانتقى ورسم وخط من عليها (النعاس) وهنّدس كل معمار روايته.

بل اكاد اقول. بان هذا الواقع الاستثنائي. هو من رسم وعلق في تفكير القلم. الذي خط الرواية. استفهام بحجم الحياة في مدينة طرابلس. واعقبه بتعجّب لا يقل في حجمه عن الاستفهام الذي سبقه. فقد كان شاهد بسمعه وبصره. وهو يرى المدينة العاصمة. وهي تبتعد بما فيه الكفاية وفي هذا الضرف المِفصلي من حياة البلاد. عن تحمل مسئوليتها المعنوية تجاه الوطن الذي شرّفها بان تكون عاصمة له. ولم تحاول ولو وبحد أدني. مُحاكات عواصم جارة كالجزائر وتونس وبيروت الخ. التي تَمُرْ بما تَمُور به مدية طرابلس. او تُجارى شقيقتها وتوأمها مدينة بنغازي. التي انحازت وباكرا وبإيجابية منتجة الى وطنها بدون تردد.

وفى اعتقادي. ان كل ما احتواه النص الأدبي من شخوص. واحداث. وقائع. التي رسم وارّتسمت بها حيثيات الفضاء الاجتماعي الثقافي النفسي للمدينة العاصمة. قد كان يرتكز في مجمله على مفردة (الخال) اثناء محاولة النص الروائي تفكيك هذا الاستفهام الذي شغله وحيّره. لينتهي ومن خلاله برسم الخريطة الوراثية لشخصية المدينة العاصمة طرابلس.

فالخال في المأثور الشعبي الليبي لا يقف عند درجة القرابة، كالعم والعمة والاب والاخ الخ. بل جعل منه المأثور الشعبي الليبي مرادف للجين الوراثي للصِبغ الوراثي. فهو يقول أسي المأثور (اختار الولد خال) ويقول ايضا (الثلتين للخال والثلث بين اب اُو خال) ويقول في الفرس سريع العدو (ان كان بتحلقها ارْكب بنّتها) ففي هذا القول الاخير جاء الخال مضمرا.  فمن خلال مفردة (الخال) الذي كان حاضرا ودائما بين كلمات وسطور النص. ولِجت الرواية في محاولة منها – في تقديري – للإجابة على التساؤل القائل.  لماذا ابتعدت المدينة العاصمة عن مسئوليتها المعنوية في هذا الضرف المفّصلي من حياة البلاد واقليمها؟ واعتقد بان الرواية وفى مجملها. قد ارتكزت على هذا الاستفهام في محاولة لتفكيكه.

ومن هنا اقول. ان كل ما حمله متن النص. من شخوص وتفاعلهم وانفعالهم مع اليومي وما بعد اليومي من حياة البيئة الاجتماعية الثقافية النفسية. التي شكّلتهم ويشكّلونها بفعلهم وتفاعلهم اليومي مع حيواتهم. هو ليس غير محاولة للإجابة على التساؤل المقلق المحير. الذي تمخض في النهاية عن رواية رسمت بأحداثها الخريطة الوراثية لمدينة طرابلس. فالرواية وموضوعها كانت تدور حول هذا الاستفهام المُتبع بتعجب كان من الضروري ان يُلحق به.


ما جاء مائلا بين الأقواس. يُقرأ بالعامية الليبية وبلهجة اهل الجنوب والوسط الليبي.

مقالات ذات علاقة

ذاكرة الوجع.. الإبادة الجماعية في ليبيا (1-2)

إبراهيم حميدان

أحمــــر.. *

عطية الأوجلي

الحلم الضائع على الشاطئ الرابع

مهند سليمان

اترك تعليق