الجمعة, 11 أبريل 2025
قراءات

خبزٌ على طاولةِ الحيَاة وتجربةٌ فريدةٌ لمحمّد النّعاس

سارة سليم.

رواية (خبز على طاولة الخال ميلاد) لكاتب الليبي “محمد النعاس”

قرأتُ هذا الصباح رواية «خبز ٌعلى طاولة الخال ميلاد» للكاتب الليبي محمد النّعاس، التي ترشّحتْ للقائمة الطويلة لجائزة بوكر العالميّة للرّواية العربيّة، والحَقيقة شعرتُ أنّ بوكر هذه السَنة بمختلف أعمالها تقول: يوم لك ويوم عليك، فخبز على طاولة الخال ميلاد رواية مُمتازة، هذا الكاتب بالفعل رهيبٌ، استطاع أنْ يعجنَ كلّ شيء بمهارة، وأنْ يُدخلَ ضِمن الرّواية الخُبز ويمنحه وجودًا قائمًا بذاته، ممّا ذكّرني برواية العِطر.

يخبزُ محمد النّعاس على طاولة الخال ميلاد الحياة، إذْ أنّه تعرّض لجَدلية الخيّانة، علاقة الأخوة، النظرة الدونية للمرأة. وكيف تتمّ صناعة الخطأ الّذي يُصنع هو الآخر مثله الخُبز ليصبح إمّا قابلًا للأكل أو سامًا.

سأتعرّض لكلّ ما جاء في الرّواية في مقالّ سأكتُبه عنها، لكن ما أودّ قوله أنّ أهمّ ما لفتَ انتباهي في الرّواية هو الطريقة العجيبة التي كان يَدمجُ فيها الخُبز في كلّ مفاصل حياة ميلاد.

سعيدةٌ باكتشاف هذا القلم الليبي الّذي أكادُ أجزم أنّه سيقدّمُ الكثير من الأعمال التي تستحق مستقبلًا، إذ لا تجدُ قي كتاباته لُغة متكلّفة، فهو يكتبُ الرّواية ببساطة ملفِتة، دون فذلكة لغوية، ولا عبارات زائدة والأهمّ مِن ذلك يعرفُ كيف يتحدّث عن كلّ شيء بمقدار، حتى عندما أدرجَ الجِنس ولو أنّه جاء بكلماتٍ بِدائية، إلّا أنّك لن تنتبهَ لذلك، أذابهُ داخلَ المَتن الرّوائي بطريقة جيدة.

شُكرًا للناشر الجزائري المثابر عبد الفتاح بوشندوقة الّذي أرسلَ لي العمل بعد أنْ بحثتُ عنه مطولا، ولم أجدْه، وشُكرًا لمسكيلياني التّي لم تُخيّبني تحريرًا، وخيارات، هكذا رسخت هذه الدار بصمتها من خلال جودة ما تقدّمه للقارئ العربي.

وشُكرًا لبوكر لأنّها دائما تعرّفنا على أسماءٍ عربيّة جديدة.

أتمنى أن تُنصفَ اللّجنة العَمل ويصل القصيرة.


من أجواء الرواية:

إنّ مزاجي مربوطٌ دائمًا بالخبز. لم أرتبط بأيّ شيءٍ آخر في حياتي بأكملها كما فعلت معه. في أيّام المعسكر كنتُ أتعذّب لابتعادي عن أرغفتي في الكوشة. كنتُ سيّئ المزاج بعد ذلك، لفقداني الرغبة في التواصل معه مجددًا. حتّى الأيّام التي تلحق محاولاتي الفاشلة في صنع رغيفٍ جديدٍ، كانت سيّئةً وسخيفةً وغير محتملةٍ. إذا دخلت المطبخ لأبدأ العجن، أصبغ مخاوفي، سعادتي، طموحاتي، مطامعي، رغباتي، حزني، كآبتي، شهوتي، دموعي، شكوكي، لهفتي، اطمئناني، سكينتي، روعي، قلقي وجفافي في رغيفي الذي يظهر بشكل تلك المشاعر. الرغيف السعيد مرحٌ، الرغيف الكئيب كجثّة قنفذٍ، الرغيف الخارج من سكينة يديَّ يخرجُ هادئًا، يمتصّ الخبزُ مشاعري ويجسّدها أمامي. كنتُ آكل رغيف الكآبة ناسيًا إضافة الملح إليه، ورغيف الشهوة بملحٍ زائدٍ، ورغيف الشكّ قاسيًا وجلفًا. تأثّر اختياري الرغيفَ الذي أعمل عليه بمزاجي العامّ، كما تأثّر عملي على الخبز بفصول السنة..

مقالات ذات علاقة

ضلع الإنسانية الأعوج

محمد عقيلة العمامي

الحُلم في “زَهرةِ الرِّيح”

يونس شعبان الفنادي

ليبيا.. “حوليات الخراب”، رواية جديدة عن ليبيا

المشرف العام

اترك تعليق