لم أزر بلداً أوروبياً إلا مرة واحدة، امضيت خلالها في زيوريخ عشرة أيام، ولم أتعرف بشكل مباشر إلا على بعض الأوروبيين؛ لا يزيد عددهم على عدد أصابع اليد الواحدة. ببساطة لم تكن علاقتي بأوروبا إلا علاقة افتراضية، عبر الكتب والموسيقى والسينما. تلك هي أوروبا التي أعرفها، كانت أوروبا كتاباً قرأته وأواصل قراءته وأحفظ بعض فصوله.
شرعت منذ شهور في حفظ جحيم دانتي مأخوذاً بأنوثة ورنين اللغة الإيطالية، اللغة الإيطالية تبدو لي كراقصة غجرية تلعب بجسدها وترن خلاخيلها.
كنت وأنا في العشرين من عمري قد انشغلت بالبير كامو وسارتر وفرويد وماركس، وأرى اوروبا عبر عيونهم وعقولهم، ثم اكتشفت وأنا في الرابعة والعشرين فنون عصر النهضة، وحفظت فصول الدراما الإلهية عبر لوحات “مايكل انجلو” بالتحديد، ثم سحرني رمبرانت ومونييه وبراك، لأصل إلى بيكاسو لأدمنه.
كل ذلك وأنا لم أر مشهداً أوروبياً واحداً على الطبيعة، ولم أتحدث لأوروبي، ولم أسمع صوتاً أوروبياً إلا عبر الراديو أو السينما أو التلفزيون، لم أركب طائرة ولم أر قطاراً ولم أر نهراً إلا وأنا في الخامسة والثلاثين من عمري. كل أوروبا كانت شيئاً افتراضياً بالنسبة لي. كنت ولازلت في الكهف الليبي، أتابع رقص الظلال على جدران الكهف وأتراقص لاكتواء قدمي بصهد الرمل الليبي الملتهب.