طيوب عربية

عابرة طريق

وجدته في منعطف الطريق، يسير ببطء شديد، يراقب كل بقايا السجائر التي قتلها العابرون، مروا من مكان إلى مكان أو من ذكرى الى ذكرى، كم تحمل هذا الرصيف من وقع الاقدام؟ كم مر فوقه من عاشق او عاشقة…هم لا يعرفون أين ينتهي بها المسير؟ أين ينتهي بهم ذلك الحب الغامض؟ أين تفيد المكان، وانا لم اجدك في اي مكان، المهم إني خرجت، المهم إني خرجت على موعد مع الحب، لم يعد يهمني مكانك او زمانك، هي خرجت على موعد مع الذكرى، كانت نفايات السجاير…عفوا نفايات الحب، نفايات الذكرى ثقيلة كالدهر لا يتحملها الدهر، كم ماتت على الطريق من سيجارة بعد السيجارة؟، كم احرق هؤلاء الغرباء على الطريق من السجائر؟ كم بحثوا عن نشوة ولم يجدوا فيها أي نشوة تدل على نشوة، أحدهم فكر ان ينقطع عن التدخين، فكر ان ينقطع عن الحب، لم تعطيه السيجارة اي حب، هي وعدته بالحب لكنها تخلت عنه قبل تحقيق الحب، كم احرقت من سيجارة؟ كم احرقت من ذكرى؟ تذكرني سيجارتك في الصباح بقصص الغرام؟ كم أحرق هؤلاء المسافرون في الحافلات وحتى في القطارات والطائرات من سجائر هي تحصى ولا تعد، هي بعدد الاحلام وسط الاحلام، خرجت صدفة على أمل أن التقي بك صدفة، حتى السيجارة خرجت الى الهواء صدفة، خرجت الى الوجود تفكر في معنى الوجود، لا أتذكر كم من مرة اشعلتها؟ لا أتذكر كم من مرة اطفأتها؟ هي رفضت ان تتخلى عن اصابعي، هي رفضت ان تتخلى عن حبها، هي تعطي كل ما عندها،  هي الوفاء بعينه، المهم انها ارادت ان تخرج، المهم انها ارادت ان تفكر، المهم انها ارادت ان تطالب بحقها في الحياة، ارادت أن تطالب بحقها في ذلك الطريق، ارادت أن تطالب بحقها في الحب، هي لا تريد من يتسلى بنشوتها، ثم يترك نشوتها على قارعة الطريق، هي تكره من  يتخلى عن انفاسها، من يتخلى عن احلامها، هي لا تريد أحلاما تنتهي على قارعة الطريق، لا تؤدي الى نفس الطريق، هي شيء لا يدل على شيء،  هي اشياء لا تدل على اشياء،  فكرت ان ذلك الرجل الذي يقرأ الجرائد بانتباه يحمل كل أفكاري،  يحمل كل احلامي، فكرت انه يتطفل على اخباري في كل الجرائد، أردت أن ألفت انتباهه الى اني اطارده، نعم اطارد نظراته، نعم كنت اطارد افكاره، شدني هدوؤه، أردت أن اسرق منه هدوء كنت بحاجة اليه، أردت أن اسرق منه افكارا كنت بحاجة اليها، لم ينتبه الرجل الذي كان منشغلا بالقراءة الى اني اصبحت على مرمى حجر منه، حاول أن يتجنب نظراتي، حاول ان يتظاهر بأنه يتسلى بالنظر الى السماء، حاول ان يتخفى وراء ما تركته السيجارة في الهواء من انفاس مبعثرة، من افكار مبعثرة، يصعد الدخان الى السماء، يصعد الحب الى السماء يتلاشى الحب في السماء، اقتربت من افكاره أردت أن اشاركه احلامه، أعطيته اقلامي، رفض نظراتي، لم يفهم ماذا اريد منه بالضبط، لم يفهم اني ابحث عن حب ضائع، ابتعد عني قليلا، شعرت بالإهانة، شعرت انه أراد أن يهرب مني، شعرت انه يحمل في قلبه حبا قديما، يحمل رسما على الارض لا ينتهي  يحمل انثى ما اجملها، هو لا يريد أن يتذكر، هو يرفض ان يتذكر، طأطأ راسه، انحنى، انزوى في مكان لا يدل على مكان، اختار ان يغير وجهة السير، كنت اراقب حركات جسده على الارض بمسافة قبلة،  بمسافة ذكرى لا تنفصل عن تلك الذكرى، اختار ان يسير في شارع وسط شارع لا يدل على شارع، غير ان اسم الشارع و قد كتب بخط غليظ” شارع الحب” فضح مشاعره، فضح اسم الفنان الذي رسم تلك اللوحة الاثرية، في الحب شيء اثري، هناك فسيفساء تدل على اكثر من فنان رسم نفس اللوحة، رسم نفس الارض دون حدود، دون قيود، فضحت اللوحة أسرار ذلك الرجل الذي يسير عكس الاشياء ولكنه يتمسك بتلك الاشياء لأنها جزء من حياته، جزء من وجوده، هو يكره الموجود، هو لا يحب الا الوجود، ولذلك هو يسير من طريق الى طريق، لم يصل الى فكرة محددة في ذهنه، لم يصل الى نهاية حب رسمه على حافة الطريق، مرت كل الحافلات ولم يلتق بالوجود كما تخيله او كما رسمه على طريقته الخاصة، واصلت السير وراء هذا الرجل  خلت انه يحمل حبي لك، يحمل لوحة رسمتها لي، هذا الرجل يخفي حبي لك، هو لا يعترف الا بنفسه، هو يرفض ان اشاركه نفس الحب، هو يرفض ان أسير معه في نفس الطريق، في نفس الذكرى، هو لا يحب تلك الذكرى اصلا ، هو يحب ان يسير في اتجاه معاكس لذلك الحب لا يدل على اي حب، أراد أن يختفي وسط مجموعة مزدحمة من المارة، أراد أن يختفي عن الحياة اصلا، تجاهل دعوتي له بالوقوف، لم ينتبه الى ان الإشارة في الطريق كتب عليها بخط كبير “قف” لقد تجاهل كل الإشارات، نعم تجاهل كل الاضواء، تجاهل حتى….حتى تفيد ما هو مستبعد الوقوع، ما هو مستبعد صار غير مستبعد، غير مستبعد جدا ان  إشارات عيني تحمل لك اكثر من نداء قريب اكره النداء البعيد، يحمل حرف النداء “الياء” اكثر من دعوة واضحة المعالم، هي دعوة واضحة الى درجة غامضة.

    هو يسير دون هدف واضح لا يبحث عن هدف واضح، رميته بحجر حتى يتوقف، رميته بنظرة حتى يفهم، لم يفهم ما يجب ان افهم، تجاهل كل إشارات الحب التي كانت تملا الطريق، تجاهل الطريق نفسه، تلعثمت وانا اطلب منه ما بقي في تلك السيجارة من انفاس، او من وجود، رفض ان يعطيني ما كنت في أشد الحاجة اليه، لم يرم السيجارة كما يفعل المدخنون، لم يرم الازهار كما يفعل العاشقون، لم يرم جرائده كما يفعل المتطفلون، اثارتني تصرفاته، ازعجتني حركاته،  لا تدل على معنى لكنها قد تحمل اكثر من معنى وسط معنى يدل على اني اقترب من اللا معنى، ما معنى اني صرت افكر ان احتفظ بخطواتك على الارض؟ ما معنى أنى صرت احتفظ بوجهك في السماء؟ ما معنى أنى صرت أراك أجمل من النجوم في السماء؟

مقالات ذات علاقة

الرسالة الخامسة والأربعون: إنّه لنهار مختلف

فراس حج محمد (فلسطين)

نداء الغريب

زيد الطهراوي (الأردن)

زلة تكسر جرة

زيد الطهراوي (الأردن)

اترك تعليق