الطيوب
تتوالى الدراسات النقدية والأطروحات الجامعية تناولاً لإبداع الكاتب، الذي صار علامة في الإبداع العربي والعالمي، المبدع (إبراهيم الكوني)، و كان البحث في أعماله التي تنهمر كفيوض غيث، يتخذ مسارب عدة، حيث كان عنوان إطروحة الماجستير للباحثة بلسم محمد الشيباني (الفضاء وبنيته في النص النقدي والروائي: رباعية الخسوف لإبراهيم الكوني نموذجا)، واتخذ الباحث فيصل عبد الله حسين حيدر (الصياغة اللغوية والتصوير الفني في نص / الدنيا أيام ثلاثة) مسارا لأطروحته، وهذان مجرد مثالين للأطروحات الجامعيةالتي تناولت إبداع الكوني والذي لازال يمنحنا رؤاه وعطاياه الإبداعية.
من (فن التوقيعات الأدبية) إلى (الواقعية السحرية)
“سارة صالح رمضان” طالبة ليبية شدّت الرحال إلى أرض الكنانة مصر والتحقت بجامعة القاهرة – كلية الآداب، باحثة عن منابع المعرفة والتزود بأدوات البحث المعمّق، وكانت رحلتها في الماجستير في جامعة بنغازي عن (فن التوقيعات الأدبية في العصر العباسي)، ولكن محاضرة إثر محاضرة وكتابا إثر كتاب شغفها موضوع يفارق ما ألِفَته، وكان الناقد الدكتور “جابر عصفور” قد أثار فضولها المعرفي خلال محاضراته، وتساءلت وسألت: هل أستطيع اختيار (الواقعية السحرية) موضوعا لبحثي القادم؟
وكان على المعلم أن يرشد تلميذته ويثني على هذا الموضوع الذي تعددت الروايات التي اتخذته في سرودها الإبداعية، وليكون اسم المبدع “إبراهيم الكوني” نموذجا يذكره الناقد الكبير “عصفور” كأفضل كاتب عربي وعالمي، وكأنه يفتح نافذة باتجاه أفق مغاير، و ستفتح الطالبة و الباحثة “سارة صالح” هذا الباب مواربة، تخاف المغامرة ولكن الشغف بهذا الأفق الجديد تمكن منها، ولذا قدمت ماجادت به رؤيتها كطالبة إلى الدكتور (أحمد عبد العزيز – أستاذ الأدب الاندلسي والمقارن) والذي كما تقول: (كان للمساته المعمّقة لجذور الموضوع و تساؤلاته حول قدراتي كباحثة جادة، مع شغفي وإصراري على تناول المبدع الليبي الكبير إبراهيم الكوني) وحين توثق من هذه القدرة حين قدمت التصور النهائي لهذا البحث، واستقرأ مدى الجهد الذي بذلته (وسأظل أبذله) حتى أستجلي كوامن وأفكار هذا العنوان (الواقعية السحرية بين روايتّي نزيف الحجر لإبراهيم الكوني ومملكة هذا العالم لأليخو كابنتير) دراسة مقارنة.
استكشاف درب جديد..
إذا هو درب جديد تشقه الباحثة “سارة صالح”، تفارق عصور الادب البعيدة، لتلتبس وتتماس مع عصرنا وتكون رائعة المبدع إبراهيم الكوني (نزيف الحجر) هي محجة دراستها التي ستقارن بين عملين إبداعيين، كانت (الواقعية السحرية) هي أحد تجليات السرد في روايتيهما، رواية (مملكة هذا العالم) لاليخو كاربنتير المبدع الذي ولد عام 1904م، وترك رصيدا من الروايات والاعمال الإبداعية الاخرى ويغادر عالمنا في عام1984م، ورواية مبدعنا الكوني (أطال الله عمره )، وقد جعلت الباحثة من أهداف دراستها (استكشاف درب جديد في المقاربات عبر الواقعية السحرية) و(تجديد تاريخ الافكار من خلال دراسة الفكر في الروايتين) وأيضا (الإطلاع على ثقافات الشعوب وثراتها وتأثيرها في التاريخ والأدب السردي)، وكان من تساؤلات الدراسة (كيف تناولت الروايتان الواقع العجائبي في السرد) وأيضا (كيف يلتحم الواقعي مع العجائبي).
وهكذا تبدأ رحلة الاستاذة سارة والتي شعرت كما تقول بالغيرة على إبداع مبدعنا الليبي الكبير والذي تمت دراسته من الكثير من البحاث والدارسين العرب والأجانب، و ربما أقل القليل منّا نحن (البحاث الليبيون والليبيات) ولذا كان اختياري لدراسة إبداعه ثم اختيار موضوع الواقعية السحرية في روايته (نزيف الحجر) هو تطمينا لهذه الغيرة التي وفزتني وأنارت طريقي، ثم لأستنير بملاحظات ووقدات الفكر من الدكتور “أحمد عبد العزيز” الذي درس في إسبانيا الأدب الاندلسي في رسالة الماجستير ثم الأدب المقارن في أطروحة الدكتوراة، وتواصل هذي الليبية مسارتها لي قائلة: ها أنا أ حاول أن أتجذر في موضوعة بحثي واكتساب الآليات التي استطيع بها التمكن من الإحاطة بالثراء الذي يفيض منه، لقد بدأت بتعلم اللغة الأسبانية اللغة الام التي كتبت بها رواية (من مملكة هذا العالم) محاولة أن أكتسب مهارة تمكنني من قراءة هذا الإبداع واستجلاء مكنوناته، ولمبدعنا الفيلسوف إبراهيم الكوني أرفع أسمي تقدير وتحية، مع كل الأمل أن يكون بحثي أو أطروحة الدكتوراة التي بدأت شق دربها في استجلاء كوامن رائعته (نزيف الحجر) وأن تكون المقارنة مع رواية الروائي اليخو كاربنتير (مملكة هذا العالم)، تحية للتقارب الإنساني، و الأدب هو أحد تجليات هذا التقارب و أجمل وشيجة للتعارف بين الشعوب.