الهوس بالألوان نسج من نسيج الروح أودعته في القلب أمي حين كانت تمد الصوف الذي غزلته خيوطا بمختلف الألوان، أوحين ترتق بيتنا الريفي بقطع قماش قديمة فتمتلئ جنباته بذكرى ملابس من رحلوا والأمر حينها لا يخلو من شجن فهي صفحة وفيات كثيرا ما أطالعها في كل أرجاء البيت، لكن الربيع دائما يسكب في روحي ابتهاجا حين يزين السهول بمختلف ألوان الزهور فأطالع التكامل في التمايز في الأرض وفي السماء، واليوم على مقعد الدرس ابهجتني علبة الألوان بشكلها الجميل والوانها الستة التي اصطفت بجوار بعضها البعض في تناسق جميل الأصفر والأحمر والأسود والأزرق والأخضر والأبيض، كنت أحشر وجهي في الحقيبة لأتأملها متحينا الفرصة لأرسم أشجارا وبحرا وشمسا.
في البيت احتدم الصراع بيني وبين إخوتي كل منا يريد الظفر بالألوان كاملة كان الصراع عنيفا أفضى إلى تقسيمها حين تدخلت أمي لتوزع الألوان بيننا، لونان فقط لكل واحد منا فكان اللونان الأبيض والأسود من نصيبي، اشتدت بي الحيرة ماذا أفعل بلونين فقط هما ليل ونجوم كنت أريد اللونين الأخضر والأحمر لأرسم العلم، كما لم أجد لونا للشمس والأشجار والورود، وسمعت أخي طارق يتحسر وكان يحلم أن يرسم الأرض والليل والبحر قائلاً:
– ماذا أفعل بلون الدم والخريف؟
فقد كان الأحمر والأصفر من نصيبه، عمل جاهدا ليرسم الشمس لكن الليل لم يبح له بشيء، وهتف أخي فتحي:
– ماذا أفعل ببحر بلا شاطئ وبلا شمس؟
لقد كان من نصيبه اللونان الأزرق والأخضر، كان حلمنا أن نرسم ريفنا وقد صار مدينة، وقد احتاج كل منا إلى ألوان الأخر، فكان لزاما علينا أن نتفق على لوحة واحدة تجمع توقنا وحينها رسمنا مدينة بشمسها وربيعها ونجومها وبحرها وترابها وأشجارها ورفعنا في سمائها العلم.