سرد

جزء من رواية الميتافيزيقيا

The Post War Dream 2019 Adnan Meatek Ink on paper Detailes

شعور سعيد أن تقرأ وأنت جالس في الهواء الطلق، تحت الأشجار وارفة الظلال، تصغي بكل جوارحك إلي سمفونية موسيقي تشدو بها عصافير الكناري من حولك، وبحيرة البجع تداعبها الشمس بخيوطها الذهبية.

استرخيت على الكرسي حتى شعرت بالصداع يندثر، حينها فتحت وبحثت عن الصفحة التي توقفت عندها: استيقظت منهك القوى حزين لفقدان أمي، إذ بي أجد الكلب الذي اعتنى به والدي كثيرا ويحبه حبا جما حتى إنه اصطحبه معه في سفره، ملقى بالقرب مني، مدرجا بالدماء، رأسه مهشم كأنها مسلوخة ونزف دما كثيرا أسفل رقبته، ذهلت من المنظر، يعوي كمن يلتقط أنفاسه الأخيرة، حضنته فهو ٱخر ما تبقى لي من أسرتي المنكوبة، حاولت حمله تفاجأت مما رأيت على بعد خطوتين أو أقل ذئب رمادي ضخم ملقى على الأرض بين أنيابه جزء من فروة رأس الكلب، قد مزقت بطنه، حاول مرات عديدة الوقوف لكن جراحه حالت دون وقوفه، أدركت ماذا حدث أثناء نومي دفع الكلب روحه حتى لا يلتهمني الذئب، حملت الكلب وركضت للبيت بكل ما أوتيت من قوة، حاولت تضميد جراحه لكنها كانت عميقة جدا حتى أنني رأيت دماغه، خطرت في بالي فكرة قد تكون مجنونة بعض الشيء، لكن المجازفة لأجل من ضحى بروحه واجبة، عقدت العزم على تنفيذ فكرتي المجنونة، أرسلت أحد الخدم للعيادة ليأتي بأدوات الجراحة، والبنج، خرجت مسرعا لعلي أجد الذئب على قيد الحياة، حاول بكل شراسة أن يثنيني عما عزمت عليه بربط فمه، أخيرا تمكنت من ربطه بعد أن أتعبني، كانت نظراته كلها تحد وإباء، جئت به لنفس الغرفة التي وضعت بها الكلب، وحقنتهما بالمخدر وصلت بالكلب أنابيب التغذية، بدأت على الفور في قطع رأس الذئب حافظت على كل الشرايين والأوردة، ودونت كل ذلك في ورقة حتى أتمكن من تركيبها في عنق الكلب، بعد انتهاء عملية الاستئصال وضعتها بالقرب من رقبة الذئب لتحافظ على حرارتها من جسده، وبدأت بسرعة قطع رأس الكلب، كان الخدم في دهشة مما يرونه أمامهم، أوصلت أنبوبا ينقل الأكسجين لرئة الكلب حتى لا ينقطع الأكسجين، حينما أنهيت جلبت رأس الذئب وجدتها لا زالت تحتفظ بحرارتها، بدأت في توصيل الشريين والأوردة بين الرقبة والراس بالكي والخياطة حتى التأمت كلها وضعت عمودين من العاج يصل طول الواحد منهما أربعين سنتيمتر ثبت بهما الراس الجديد في الرقبة، وضعت له كمية كبيرة من المخدر، بعد يوم ونصف من العملية استيقظ الكلب، فرحت فرحا شديدا بنجاح العملية ومشاهدة الكلب يفتح عينيه من جديد، حدثت دكتور الحي بذلك لم يصدق بل اتهمني بالجنون، والهرطقة، قائلا: إذا تسربت الروح من الجسد مستحيل رجوعها مهما فعلت، عندما جاء ورأى بأم عينيه الكلب يهز ذيله، ذهل حتى إنه نزع النظارة بل فرك عينيه مرتين، وهز رأسه فصلى وشكر الرب مرات عديدة ثم قبلني ووضع يده على رأسه عسى أن يكون ما يراه حلما، عندما تأكد إنه واقع قال: أنت مبدع حقا يا بني ورجع قبل رأسي من جديد. شاع الخبر في الحي والأحياء المجاورة، كتبت الصحف عن الصبي الذي سبق عصره صانع المعجزات منقذ البشرية. بعد ثلاثة أيام من العملية جلست بالقرب من الكلب أنوي خلع أنبوب الأكسجين الموصول إلي رئتيه، ربت على رأسه ونظرت في عينيه رأيت الذهول والخوف، كأنه يقول من أنا، حينها تزاحمت الخواطر في رأسي حتى أنها حالت بيني وبين مرادي، من تلك الأسئلة العديدة التي جعلتني في حيرة، القابع أمامي الآن هل هو الكلب أم الذئب؟ الدماغ للذئب، والقلب للكلب، أيهما يؤثر في الآخر! ما هذا التوهان الذي وضعت نفسي فيه، يظل السؤال قائما دون جواب، هل يتعرف علي الكلب بقلبه؟ وإذا كان القلب عبارة عن مضخة دم لا علاقة له بالإحساس والمعرفة، إذا الماكث أمامي الذئب، الدماغ هو من يترجم كل ما تراه العينان، وتسمعه الاذنان، ويتحكم في الفم، هل ساهمت في قتل كلب والدي؟ ومنحت الحياة للقاتل، أي ذنب ارتكبته بـ فعلتك، لكن لا أعتقد أن الذئب كان لأ يهز ذيله عندما رٱني؟ فقد رأيت منه وهو في النزع الأخير شراسة منقطعة النظير، بل كل نظراته تحد ورغبة في المواجهة؟ آه أمسكت برأسي أعتصرها علي أجد بين ثناياه جوابا لكل هذه الأسئلة التي أثقلته، خوفي أن يكون هز الذيل طبيعة جبل عليها جسد الكلب، آه وقد يكون هز ذيله لأنه واقع تحت مفعول البنج، آه علي مغادرة الغرفة وإلا أصبت بالجنون. قادتني قدماي للعيادة وجدت الدكتور جالسا على مقعده الوثير بين يديه “تناسخ الروح عند الهندوس” شدت انتباهي كلمة الروح، لكن فضلت عدم إرهاق عقلي به ما يكفيه، وعدم الخوض في المتناقضات. أغلاق الكتاب بنبرة حزينة أهلا يا بني. ما بك حزينا يا دكتور؟ اغرورقت عيناه وهم بالبكاء غير أنه أطرق برأسه، خيم الصمت فترة من الزمن، قاطع الصمت قائلا:  زوجتي تعرضت لـ سكته دماغية. قلت دون تفكير أو حتى مراعاة لخالجته هل ماتت؟ دهش من طريقة سؤالي قال: لا، بل لا زالت على قيد الحياة. ٱسف دكتور قاطع لا داعي للأسف أعلم أنك تعتقد أن الموت يدك أبواب المرضى فقط هذا الأمر غير صحيح، صمت برهة ثم قال: الموت لا يحتاج سببا أحسست إنه قال هذه الكلمة من أعماقه.

مقالات ذات علاقة

رباية الذايح

حسن أبوقباعة المجبري

رفيعة – من رواية: دكاكين سعيد

حسن أبوقباعة المجبري

مرارة الفقد وحلاوة الإنجاز وفرحة العمر

المشرف العام

اترك تعليق