المقالة

المكافأة السياسية

رافد علي

من أعمال الفنان التشكيلي "محمد بن لأمين"
من أعمال الفنان التشكيلي “محمد بن لأمين”

تسيطر الدهشة على أي متتبع للمشهد الليبي بسبب مزايدات الساسة الاخيرة بمنح هِبات المال السياسي لليبيين، والتي انحصرت في قضايا الزواج والاسرة، والتي تقدر بعشرات الالف من الدنانير، وصار الليبيون يتمازحون او يتغامزون بظهور مزايدة ثالثة من أحد رجالات السياسة بالبلاد، والتي تأتى ونحن نقترب أكثر من الاستحقاق الانتخابي المرتقب نهاية العام الجاري، منخرطاً في سباقه اللا معلن رسيماً الكثير من الاسماء، رغم ان اطاره القانوني لازال في علم الغيب رغم حُمة التسابق البيّنة.

الهِبات السياسية التي يمنحها الدبيبة للأزواج الجدد، او الاخرى التي يقدمها عقيلة للأُسر الليبية تأتي وكأنها “هبّات ساخنة” للفت الانتباه السياسي اليهما كأرباب مشهد، ولرفع شعبيتهما في “لحظة يأس” كمرشحين محتملين للانتخابات المزعم اجراؤها ديسمبر القادم. فالسيد عقيلة صالح يعد من الوجوه القديمة والمستهلكة من عمر الازمة الليبية، والتي يسجل عليه فيها؛ بسبب عدم درايته بالسياسة، عجزه عن استثمار شرعية برلمانه حينها لاكتساح حكومات المؤتمر الوطني وتقويض فجر ليبيا سياسياً. فجاءت هِبته السياسية السخية بعد سحب الثقة من حكومة الدبيبة الذي اغضب القاهرة بتسريب مسجل لجلسة مباحثات مع الحكومة المصرية.

اما السيد الدبيبة، عديم الخلفية السياسية، هو الاخر يسعي، كما توحى كل تحركاته؛ خصوصاً بعد ان صار مُسيراً لحكومة اعمال لا تتمتع بالثقة، بانه يغرى الشريحة العريضة من الشباب بالمال والزواج، لصالح خططه المستقبلية كسياسي، ولتعويض الثقة المفقودة. فبعد سحب الثقة من حكومته، سارع مباشرة لرفع شعبيته في الشارع كتعويض عن الثقة التي سُلبت منه في البرلمان، السلطة التي بادر رئيسها عقيلة للمنافسة في كسب ذات الشارع بمنحه هِبة سياسية أكبر قيمة مالياً لكل كُتيب عائلة، بقصد التشويش على تحركات الدبيبة، بما يشير بمدى التنافسية السياسية بين الرجلين.

 الهِبات السياسة التي نراها هذه الايام، وصارت مثار نقاش ومزاح على وسائل التواصل الاجتماعي، تستوقف اي متابع، فحالة رواج الاعراس بالبلاد تشير لمدى تعطش الناس لاي انفراج، ومن اي نوع، حتى وان كان يأتي كرشوة سياسية. هِبات الدبيبة وعقيلة تأتيان كما “الهبَّات الساخنة”، وهي عارض من اعراض سن اليأس عند السيدات، والمتمثل في ارتفاع درجة حرارة الجسد وحالة عرق شديد في لحظة مفاجئة، تتكرر عدة مرات خلال اليوم، بسبب حالة “فوضوي” الهرمونات.

الروائية المصرية سعاد سليمان اصدرت مطلع هذا العام رواية بعنوان هبّات ساخنة، عن دار الروافد، تتعامل مع حالة اليأس عند النساء في “وسط البلد” بتفاصيل متنوعة، واحداث مثيرة، وتسلط الضوء على دور المرأة في ثورة يناير ضمن سياق روائي يمزج بين الشخصي والخاص والعام.

“هبَّات ساخنة” هو فعلاً ما يجرى بليبيا الان، فقد أضحت “الصهده” السياسية عاملاً يجعل المرء مأخوذ بالدهشة امام كل هذا “الكرم” السياسي المفاجئ، وسط برودة جسد وغليان نزال سياسي يشخصن المال العام وكأنه “اخر المحظيات”. فأسلوب الهِبات السياسية من المال العام في كسب الناس، تأتي كبديل عن تنظيم الحشود في الميادين العامة بالبلاد كون شعبية الرجلين لازالت شعبية غير عريضة،

يظل الزواج في ليبيا منذ ما عُرف حينها بخطاب التحرير عنصراً حيوياً في الخطاب السياسي الليبي، اذ تراوح بين المكافأة السياسية، وكتدبير للدعاية للسياسي بالبلاد، باعتبارنا لا زلنا مجتمعاً محافظاً يقدس اجترارا ان “الزواج نصف الدين”، رغم مشاكل السكان والبطالة. كما ان مُشكل العنوسة بمجتمعنا المنغلق على ذاته، لازال يتعامل مع العنوسة بحل التعدد “الضيق”، اي زواج الليبية بالليبي فقط، فالحالة القانونية للمرأة الليبية المقترنة بأجنبي، لازالت لا تكفل لليبية ان حق اولادها في نيل جنسيتها غير مضمون دائماً.

تاريخ سياسة المكافأة في تاريخنا العربي المعاصر، على الاقل، كانت دائماً ترسيخ لثقافة التخدير والفساد والافساد، ثقافة سياسية تخلو من قيم الإنجاز لانعدام الرقابة والشفافية، ولسيادة منطق الانتهاز السياسي المفتوح على شعوب لازالت على باب الرجاءات.

مقالات ذات علاقة

الأنبياء الكذبة وقدر الإبراهيمية!

علي عبدالله

مصطفي بعيو المُثقف المُعلم

أحمد الفيتوري

القدرة على التعلم من بعضنا

عمر أبوالقاسم الككلي

اترك تعليق