المقالة

“هوامش على دفتر الايام” وكلمة على سبيل التقديم

((الاستاذ ابراهيم محمد الهنقاري، الذي يتابع قراء صحيفة ليبيا المستقبل الرقمية، تحليلاته العميقة للمشهد الليبي، كتب  شهادته عن احداث  وتاريخ بلاده منذ عقد الخمسيينيات وبداية بناء ليبيا الحديثة، واراه صاحب تجربة شديدة التميز والتفوق والتنوع، وهو شخص اتمنى ان ينتبه الحراك السياسي في ليبيا لقدراته العقلية وثقافته الموسوعية ومواهبة القيادية للاستعانة بها في اخراج ليبيا من المأزق الذي تعيشه الان، واتمنى ان ارى  حوله توافقا لكي يسهم في قيادة المرحلة القادمة وقد مر باختبارات الوطنية والولاء وكان ضميره الوطني في حالة يقظة وهو يعمل تحت مظلة النظام الملكي فقدم الوفاء للوطن والضمير على الوفاء للمصلحة والحكم والمنصب، وكذلك مع النظام الانقلابي الذي ابى الا ان يعيش في حالة معارضة دائمة له، بمناى عن مباذله واغراءاته، وقد قدم لي كتابه الذي يحمل شهادته ومذكراته مخطوطا لكي اكتب كلمة على سبيل التقديم فكانت هذه الاسطر التي ارجو ان يجد فيها القاريء ما يفتح شهيته لقراءة الكتاب)).

تعطف الصديق الكريم الاستاذ ابراهيم الهنقاري بان اتاح لي فرصة قراءة هذه المذكرات التي صاغها في الاعوام الاخيرة، ساردا فيها فصول حياته، وهي لا تزال مخطوطا،  لكي اتمكن من كتابة هذا التقديم الذي يضع المذكرات في سياقها التاريخي، ويلفت نظر القاريء الكريم الى انها مذكرات لا تعني صاحبها وكاتبها فقط، وانما تعني ابناء ليبيا جميعا، الذين يهمهم معرفة تاريخ بلادهم الحديث، والظروف التي ولدت فيها دولة الاستقلال، والرجال الذين رافقوا مولد هذه الدولة، وتحملوا عبء ظهورها للحياة، من خلال شهادة رجل عاصر جيل الاباء المؤسسين، وانتفع بجهدهم الريادي، في وضع اللبنات الاولى للحياة الثقافية والاجتماعية، عندما كان ضمن اول مجموعة من الطلاب،  لاول جامعة تتاسس في البلاد، وكان بالتالي  واحدا من  افراد اول دفعة تتخرج من تلك الجامعة، لينخرط هو نفسه وتحت اشراف اولئك الرواد، وابناء ذلك الجيل المؤسس،  في اضافة لبنات جديدة الى بناء تلك الدولة، فهي مذكرات، او سيرة ذاتية بتعبير اكثر دقة، تقدم نموذجا لحياة جيل عهدت اليه الاقدار، وضع الاسس لبناء دولة ليبيا الحديثة، بعد احقاب طويلة من الهيمنة الاجنبية، والتبعية لدول صغيرة وكبيرة، اسلامية مثل الدولة العثمانية، او مسيحية كاثوليكية مثل الدولة الايطالية، او غيرها من اديان سماوية او وثنية كما كان الامر في عهود دولة الاغريق اودولة الرومان او الفينيقيين، مرورا بالبطالمة المقدونيين والوندال رسل الدمار والموت، وصولا الى الدولة العربية الاسلامية بكل تجلياتها وهبوطها وارتفاعها، اغالبة وفاطميين ورستميين،  قبل الوقوع في قبضة التطرف المسيحي الصليبي ابان عهد  الاسبان وفرسان القديس يوحنا، وكان لابد بعد هذه الحجب السوداء، والستائر الحديدية، التي هبطت فوق خريطة ليبيا، عهدا وراء اخر، تحجب عنها الشمس وتمنع وصول الهواء النقي، ان يرى الليبيون في بزوغ شمس الاستقلال، شيئا ثمينا يتحقق لهم، وفرصة تاريخية نادرة،  تحمل الحرية، بعد ان استحكمت حلقات الهيمنة الاجنبية استحكاما الى حد الانغلاق والاختناق، رغم النضال المستميت، والدماء الزكية التي بذلها الليبيون على مذبح الاستقلال، فقد كان التامر الخارجي، والاطماع الدولية تتربص باحلام الليبيين، حتى ظهرت انفراجة في ظلام السنين، بعد الحرب العالمية الثانية، اتاحت لليبييين ان يروا  نور شمس الحرية، ويتنسمون انسامها، وينظرون الى سجف الظلام الدامس وهي تنزاح عن سماء بلادهم في يوم تاريخي هو يوم 24 ديسمبر 1951، عندما اعلن الرجل الذي اختاره الليبيون ملكا للبلاد، محمد ادريس المهدي السنوسي، استقلال ليبيا، وانشاء المملكة الليبية المتحدة، لتعود البلاد الى اهلها ويستلم هؤلاء الاهل مقدراتها وبناء حاضرها ومستقبلها، وتشاء الظروف ان يتفتح وعي الفتي صاحب المذكرات مع هذا التاريخ، فقد كانت سنه في هذا اليوم ستة عشر عاما، ودع سنوات الطفولة والصبا، ودخل فترة الشباب والرجولة، طالبا في مدرسة الزاوية الثانوية، وهي مدرسة عرفت بانها حاضنة الوعي السياسي، كما عرفت الزاوية بانها مدينة الانتفاضات والثورات، فكان ذلك من حظ صاحب المذكرات، ان تتوفر له هذه الجذور التربوية النضالية، المحملة بتراث المنطقة في الجهاد، ووعيها المبكر بحقوق المواطنة واستحقاقات الوطن، وانتقل الى بنغازي لينضم الى الجامعة الليبية، في بداية تاسيسها، ويكون ضمن الدفعة التي تخرجت منها عام 1959، وهي اولى ثمارها، والقطفة الاولى من طرحها، الذي سيتواصل على مدى السنين، وكان يكفي ان يكون الانسان خريجا جامعيا، لتفتح امامه ابواب العمل والمشاركة على اوسعها، ويجد فرص المساهمة في بناء البلاد متاحة بلا حدود، فانخرط ابراهيم الهنقاري، في مجال العمل الحكومي بتفان وايمان ومثابرة وقوة واقتدار، واشتبك مصيره ومقدرات حياته، منذ تلك البدايات، بمصير ومقدرات الوطن، يعاني اخفاقات الوطن وانتصاراته، ويعيش همومه واماله، وبحيا مع الوطن لحظات الضعف والقوة، والمجد والانكسار، كما تشرح لنا هذه المذكرات بلغة مشرقة وبلاغة لا يشوبها تصنع ولا افتعال، وتصبح حياته انعكاسا لحياة الوطن، وحالة من حالات التجلي، لمعاناة جيل الاستقلال ومكابداته والامه واحزانه وافراحه واتراحه وكفاحه وجهاده، الى ان جاء يوم البلاء الاكبر، ونزلت النازلة الماحقة الساحقة بالبلاد، يوم الاول من سبتمبر عام 1969، يوم اللعنة التي حلت بالوطن، يوم الانقلاب الاغبر المشؤوم،  الذي كان وليد مؤامرة اسهمت فيها حلقات من التآ مر  والاجرام في العالم، وتواطأت فيها عناصر من الموساد والماسونية العالمية، واحقر غرف الاستخبارت العالمية التي تتفق فيما بينها وتتقاسم العالم بالتساوي بحيث لا غرابة ان يشمل التواطؤ الكي جي بي الروسية مع السي اي ايه الامريكية مع توابعهما مثل ستاسي مخابرات المانيا الشرقية والام اي سيكس مخابرات بريطانيا، الى غيرهذه وتلك، من دوائر بالاعمال القذرة، في جلب العملاء والتامر على الشعوب وثرواتها، التي تعاونت في جلب مجنون الشر والاجرام، الى سدة الحكم في ليبيا، وحمايته والتمكين له، لتنفيذ المخططات التي تمليها تلك الشراكة الملعونة خلال اربعة عقود ونيف.

هذه مقدمة لابد منها للولوج الى هذه الوثيقة التي تقدم صورة صادقة لمولد الدولة الليبية منذ بدء نشأتها ومراحل الاعداد لها، وهي مرحلة سبقت التحاق صاحب المذكرات موظفا في جهازها الاداري، ولكن والده الشيخ محمد الهنقاري، كان واحدا من اباء الاستقلال، وكان ابان الادارة البريطانية وقبلها قاضيا جاب عددا من المدن الليبية، وساهم في الحراك السياسي الذي سبق الاستقلال، وتولى منصبا في حكومة ولاية طرابلس هو ناظر المعارف، كما كان للشيخ الهنقاري اسهاماته الادبية، فقد كتب المقالة والقصيدة وكان رائدا من رواد كتابة المسرحية، وله نص مسرحي منشور مستوحى من التراث العربي عن عمر بن ابي ربيعة، ولم يكن غريبا ان يستلم الابن الراية من ابيه، ويواصل الكتابة في ذات النهح، ويبدا حياته في العمل بالاذاعة الليبية، التي كانت اول موقع وظيفي استلمه بعد تخرحه من الجامعة عام 1959، مديرا للبرامج والانتاج بها، فانبرى لتسطير التاريخ العربي في حلقات من الدراما الاذاعية التي تبث كل اسبوع بعنوان “ايام العرب”، ليضع اسمه بين مؤسسي هذا النوع من الادب الذي لم تكن له سوابق في التاريخ الادبي الليبي، وليست مهمتي في هذه المقدمة، تلخيص ما ورد في المذكرات، وانما القاء الاضواء علي ما تحمله من دلالات، واحدى اهم هذه الدلالات ان ليبيا التي ارادها المستعمرون منطقة عازلة بين مشرق الوطن العربي ومغربه، وسعوا  الى تدجين شعبها وتطويعه للسير في طريق العزلة والانكفاء على الذات، اكتشفوا انه شعب عصي على التدجين، وكان شعوره العروبي، يدفعه لاحداث انفجارات تنبيء بعمق الانتماء والهوية، للدائرة الحضارية العربية، كما حدث عندما شهدت ليبيا مسيرات المجاهدين للتطوع في حرب فلسطين، وتجلى الشعور القومي على اشده ابان ثورة التحرير الجزائرية عندما وقف الشعب الليبي وقفة رجل واحد مساندا ومناصرا الثورة الجزائرية، ويصلح صاحب المذكرات نفسه ان يكون ابلغ دليل على هذا التواصل مع الهم العربي، لانه وهو في اكثر مواقع السلطة حساسية واهمية، ينضم الى عصبة من الليبيين القوميين الذين يعملون تحت الارض، لانه ساءهم ان تبقى في البلاد قواعد عسكرية اجنبية، فارادت هذه العصبة، وعن طريق العمل السري، المساهمة في تحرير ليبيا من ربقة هذه القواعد، وتم اكتشافها وهي تسعى لتشكيل فرع لحزب البعث العربي، ودفع صاحب المذكرات الضريبة محاكمة وسجنا وازاحة  من منصبه، تاكيدا لعمق انتمائه القومي، وارتباطه بالعامل الوطني الذي يكره ان يرى الاستقلال ناقصا بوجود هذه القواعد العسكرية الامريكية والبريطانية، وهي محطة من محطات صاحب المذكرات، تظهر الوجه الوطني له، بمثل ما تظهر وجها اخر لدولة النظام الملكي، التي كانت دولة قانون وعدل وانصاف، فهي لم تتعامل مع المناوئين لها قتلا وذبحا وسحلا، كما راينا فيما بعد مع خصوم النظام الانقلابي، وانما تقديم المتهمين الى محاكمة عادلة، واصدار احكام تتناسب مع الجرم، بحيث لم تزد مدة حكم صاحبنا عن عام من السجن، عاد بعده الى سابق عمله في الاذاعة حسب القانون، والى استعادة كامل حقوقه المدنية، وعندما اقتضت بعض الصراعات السياسية ان ينتهي عمله في الاذاعة، لم تترك قضية العمل السري ضد الدولة، اي ظلال على مستقبله الوظيفي، وانتقل من عمله بالاذاعة، الى مركز اكثر اهمية، ومرتبة اعلى من مراتبه السابقة، في مجال اكثر حيوية واهمية لحاضر ومستقبل البلاد، هو مجال النفط، ليكون اول سكرتير عام للمجلس الاعلى للبترول، ثم وكيلا لوزارة البترول، في الوزارة التي كان يديرها صديقه واستاذه، ومثال العلم والخبرة والنزاهة والامانة الشاعر والرسام والمثقف الشامل الاستاذ فؤاد الكعبازي، عليه رحمة الله ورضوانه، وهو يتكلم في المذكرات، عن هذا الاستاذ باكبار وتوقير، باعتباره مثالا للبنائين العظام الذين عرفتهم ليبيا في عهد بناء دولتها، قبل ان يجتاحها سفلة القوم الذين استخدمهم الطاغية في تنفيذ اغراضه، وتمرير المخططات الاجرامية الجهنمية، لتدمير البلاد ماديا ومعنويا، وجاءت فترة السجن التي اعقبت الانقلاب المشؤوم، وسعى اليها صاحب المذكرات بنفسه، ساقته نيته الحسنة، عندما ظن ان نزاهته وامانته في اداء عمله، سوف تعفيه من السجن وسوء المآل، ولكنه كان  مخطئا، لان اهل الانقلاب لم يكن يحكمهم اي مبدأ او عقيدة غير مبدأ الحقد والانتقام، والتشفي من كل صاحب تاريخ وثقافة وموهبة، فقد كان ابراهيم الهنقاري، حين قيام الانقلاب، موجودا في مهمة خارج البلاد، تتصل بعمله كوكيل لوزارة البترول، ولانه يعرف ان سجله كان نظيفا، فقد اثر ان يقطع المهمة ويعود الى بلاده، فلابد ان للحكومة الجديدة سياسات نفطية غير السياسات الاولى، ولم يكن للاسف يعرف ان الرجل الذي استلم قيادة البلاد كان رجلا مريضا، متلبسا بروح الاجرام، لا يعرف فرقا بين المدان والبريء، ولا يحكمه منطق ولا قانون ولا عقل سليم، وصدق المجاهد الكبير عبد الحميد العبار، عندما سالوه وهو في السجن، عن تاريخه النضالي مع عمر المختار، فقال لهم حمدا لله ان شيخ الشهداء  لم يكن على قيد الحياة، لانه سيكون موجودا معه هنا في هذا السجن، يذيقونه انواع المهانة والمذلة.

سيرى القاريء من خلال هذه المذكرات كيف اشتبكت مفاصل التاريخ الليبي منذ بدء انشاء الدولة الليبية الحديثه، مع حياة صاحب المذكرات، وكيف استطاع ان يقدم صورة جلية واضحة نرى من خلالها صفحات التاريخ الحقيقي، وهو غير ذلك الذي قد لا يظهر واضحا في كتب التاريخ، التي تهتم بالعناوين العريضة، وتنسى التفاصيل، لاننا سنرى من خلال هذا التفاصيل، المسكوت عنه في هذا التاريخ، بل وسنرى صورا كات غائمة بسبب التعميمات، ولاضرب مثلا بصورة بعض رجالات العهد الملكي الذين حكمنا عليهم حكما غير صائب، لاننا اكتفينا بما تقوله العناوين عن بعض كوادر الدولة، ممن ينقصهم التاهيل والدراسة فحكموا البلاد، بلا علم ولا دراية، كما تقول  الفكرة الشائعة التي يتناقلها الناس دون تمحيص، ومثال ذلك المرحوم محمد عثمان الصيد، الذي اختلط به صاحب المذكرات واقترب منه، وعرف من خلال هذا الاقتراب، صورة اخرى غير الصورة التي يحملها الناس عن بساطة تعليمه وتفكيره، فيراه رجلا في منتهي الحكمة والدهاء وسعة الافق وقوة البصيرة، وعمق الانتماء الوطني، والغيرة على المصلحة العليا للبلاد والشعب، هذا مجرد مثل من امثلة اخرى كثيرة، سوف تقلب الصورة التقليدية، وترغمنا على اعادة المراحعة والتفكير، في كثير من اوجه الحياة، وكثير من المواقف والشخصيات، ولن استطيع  ان انتهي من كتابة هذه الاسطر،   دون ان اشير الى الاسلوب الادبي الذي كتبت به هذه الذكريات، وقد تخللتها مقاطع اقرب الى الشعر،  ويكفي ان يتامل القاريء الكريم الاسطر التي يستعيد فيها الكاتب مراحل الطفولة في غات، وحياته فثي تلك البقعة النائية عن العمران، والبعيدة عن الساحل بكل ما يعج به من مظاهر الحياة الحديثة وادوات العصر واساليبه، ولكنها برغم هذا البعد، بلدة في عمق الحضارة العتيقة، وقلبها الزاخر بمواريث الماضي ورموزه واساطيره، تلك التي انشأها الليبيون قبل الميلاد، ولابد ان تلك الجذور، الضاربة في عمق التاريخ البشري، كان لها فعلها وحضورها في جيل من النابغين، الذين اسهموا في بناء ليبيا الحديثة وصناعة تاريخها، واستئناف مسيرتها الحضارية مع ميلاد دولة الاستقلال، وقد تخلل هذا التاريخ فترة انقطاع طاريء، لاسباب خارجة عن ارادة الليبيين، امتدت اثنتين واربعين عاما، قبل ان تستانف المسيرة الحضارية انطلاقها، بفضل ثورة 17 فبراير المجيدة، لكي يشرق وجه ليبيا الذي غاب خلف عتمة الانقلاب والقمع والاستبداد، بهيا سمحا كريما، يسطع بانوار فجر جديد وامل جديد، وقوة انبعاث جديدة قادرة على صنع المستقبل وتحقيق الحلم وبناء الحضارة. (وان شابته سحب طارئة عارضة في هذه المرحلة الانتقالية، لن تلبث ان تزول باذن الله).

هذه المذكرات اضافة جليلة الى لتاريخ الليبي الحديث، واضافة  ايضا الى التجربة الانسانية، حيت تتجلى مسيرة الكدح والكفاح لجيل من ابناء ليبيا تصدوا لانشاء دولة في اقسى الظروف، واكثرها صعوبة، وهي اضافة ايضا لادب المذكرات، الذي بدا في ليبيا يؤسس نفسه، ويصنع تراثه، ويظهر صورا وجوانب مجهولة، من حياة الليبيين، ظلت ولاماد طويلة غائبة عن مركز الضوء والاهتمام.

_________________

نشر بموقع ليبيا المستقبل

مقالات ذات علاقة

اتحاد الأدباء والكتاب

أسماء الأسطى

مجزرة الرُضع

المشرف العام

حبوا الوطن

فاطمة غندور

اترك تعليق