المقالة

اعقدوها برأس بنجامين…

ليبيا
ليبيا

“تجمع ليبيا داخل حدودها كل العراقيل المفترضة للتنمية التي يمكن وجودها في اي مكان اخر، عراقيل الجغرافيا والاقتصاد والسياسة والاجتماع والتقنية”…

هذا ما قاله (بنجامين هيدجنز) في تقريره للأمم المتحدة عن التنمية في ليبيا عام 1953 ولكن بنجامين مات وبدت رؤيته لليبيا متشائمة وواهمة فليبيا وبعد عشر سنوات من تقريره ذاك صارت دولة واحدة وصارت دولة غنية، مما جعله ولا شك يضرب راسه بلحد قبره طالبا الغفران من ليبيا والليبيين على فأله السيء لكياننا الذي شرع في التنمية بفضل اموال البترول.

لم ير ذاك المصير الليبي بنجامين فقط اذ ذاك بل غالبية الخبراء الذين درسوا الاوضاع الليبية فالاقتصاد كان اقتصاد “الحلفاء”، يسقط المطر لتنمو الحلفاء لتأكل الابل الحلفاء وتمنحنا الحليب والوبر وحتى اللحم ليأكل الليبيون اللحم ويشربون حليب الناقة وتنسج نساؤهم عباءات سوداء وحمراء من وبر الناقة ولكن بنجامين كان يعرف ان المطر الليبي مزاجي، يهطل مرة بسخاء ويغيب مرارا فتجف الوديان والسهول وتجوع الابل فيندر حليب الناقة ولحمها ايضا ويشرع الليبيون في غزواتهم، ينهشون بعضهم بعضا، ليتناثروا عبر صحرائهم الشاسعة تائهين متناحرين ان تقابلوا على بئر ماء حفرته فرقة أوغسطا الرومانية في القرن الثاني للميلاد.

الليبيون كانوا عام 1953م قبائل تعيش حميتها الغذائية الطويلة وتقاتل القمل والبق والبراغيث والعقارب والافاعي والتراكوما والحصباء والالغام وكل ذلك تحت ظلال تراب “القبلي” ريحنا الجهنمي الجبار ، كان اقتصاد “ما دون الكفاف” نمط اقتصادهم السائد لألاف السنين والكفاف ربيعهم الذي كانوا يلهثون خلفه من واد الى اخر سرابا يظهر بعيد المنال ثم يختفي.

ولكن ورغم كل ذلك البؤس كانت ليبيا مغنما ممتازا لمستعمرين وشداد افاق مغامرين يأتون غالبا من البحر، يسطون على الحلفاء والإبل والوبر والضرع ويفرضون الإتاوات على السفن العابرة في البحر، كانوا قراصنة بحر وبر وولاة امر لليبيين على مر العصور.

على هذا النحو ظل الليبيون طوال تاريخهم رعايا وعبيدا للقراصنة، يهربون من ساداتهم القادمين من البحر الى “قارات جهنم” صحرائهم القاسية، كان “شريطنا الساحلي الابيض والاسود” يعج بمشاهد القصف والغارات، كان قراصنة جدد وفي كل مرة يأتون لطرد من سبقهم من قراصنة سابقين، يدمرون على رؤوسهم القلاع التي اسميناها “مدنا” ليسخروا الليبيين لبنائها من جديد بعد دخولها فاتحين، ثم وما ان يستقروا في تلك القلاع حتى ينطلقوا لجمع الغنائم من “قارات جهنم” الليبية.

ذلك هو تاريخ “الجحيم الليبي العظيم” الذي كان وقوده دائما الليبيين والزرع والضرع والحجارة. حقا يا بنجامين ان عراقيل التنمية الجغرافية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية نحن اهلها وعبادها المخلصين.

مقالات ذات علاقة

التكبر على العباد

المشرف العام

الكتابة والمنفى.. معاناة الأديب العربي في دول اللجوء

محمد الأصفر

ماذا لو؟

المشرف العام

اترك تعليق