سرد

حدث في مدينتي

عبدالعظيم باقيقة الجهاني

الشاعر كليمنتي أربيب أو بو حليقة اليهودي كما كان يعرف بلباس نسوي مع زوجته (الصورة: عن الكاتب)

منتصف الثلاثينات تحديدا شتاء العام 1936، الصالة الكبرى المغطاة بالصنور والزنك قرب سانية الغرياني، مزدحمة بالعشرات الذين قدموا لمشاهدة الليلة الكبرى، التي سيشاهدون فيها ويستمعون إلى “بوحليقة اليهودي” و”عبدالهادي بونصرالله الدرسي” القادم من طلميثة، وقد سبقته شهرته إلى المرج.. شخصية “بونصرالله” الهادئة والوديعة تركت استغرابا لدى كل من تجمعوا تلك الليلة حول مواقد الفحم التي انتشرت في المكان، لتضيف شيئا من الدفء في أوصالهم.

كانوا يتوقعونه أكبر سنا وأضخم جسما.. وقف “بو نصرالله” في مقابل “بوحليقة اليهودي” وبينهما جلست امرأة شابة مطأطئة لرأسها وقد نزل شعرها الأصفر ليلامس الأرض، كان يبدو أنها كانت بانتظار أن يخفت قليلا صوت زخات المطر فوق سطح الزنك لتبدأ في عملية (النخيخ)، وهذا ما حدث بعد دقائق.. لامس بعدها “بوحليقة” الحلقة الكبيرة للتي تزين أذنه وأشار بالأخرى إلى “بو نصر الله” الذي رفع إليه رأسه وكأنه يقول له فلتبدأ أنت.. على حركات رأس المرأة الذي بدأ يتمايل يمينا ويسارا بدأ بو حليقة مرددا:

أنتي دورك .. أنتي دورك قبل أن يستطرد بصوت أعلى:

أنتي دورك ماح أمزنكل

أطوال أشعل

تقول نخل

مثيل البل

اللي ترسل

علي منهل

شرابه في ديموم أيشل

فيضج الجميع ويرددون خلفه:

شرابه في ديموم أيشل

تقف المرأة وينظر “بوحليقة” نظرة المنتصر  إلى “بونصر الله”، الذي عكس هدؤه شيء من الارتباك فاليهودي عدد له القوافي لتعجيزه وهو الأمر الذي بدأ على وجوه الحاضرين، وتعلقت نظراتهم بشفقة واضحة على “بو نصر الله” الذي كان لحظتها مطرقا إلى الأرض حينا ناقلا بصره حينا آخر بين المرأة “وبوحليقة” الذي شبك يديه في منتصف الرداء النسوي الذي كان يرتديه، ونفخ صدره وكأنه يرى نفسه (الدوتشي). بعد لحظات صدرت همهمة خفيفة من “بونصر الله” الذي نظر للمرأة مرددا:

أنت جوفك.. أنت جوفك …

بدا للجميع وكأن الأمر قد أرتج عليه غير أنه عاد وبصوت أقوى منشدا:

أنتي جوفك جوف أمنعل

خماس أمتل

أربط في ظل

بين سلاسل

تنهض تل

أقند خلاهن وين صهل

أورد البل

عزيب أريل 

عليه أسمل

أيش تخايل

تخايل قناصين جفل

ردد الحضور وقد أخذتهم الدهشة من روعة هذا الفحل: تخايل قناصين جفل.

أما بو حليقة فرفع كلتا يديه معجبا قبل أن ترتفع يده نحو حلقة أذنه مستعدا لجولة جديدة.

_________________________

من روايتي (حكايات شجرة التوت)

الصورة المرفقة لبوحليقة اليهودي وزوحته

مقالات ذات علاقة

مقتضبُ الحكاية

عبدالسلام سنان

إن لم يقتلنا رصاصهم… فحبالنا كفيلة بنا

زكريا العنقودي

رواية ديجالون – الحلقة 8

المختار الجدال

اترك تعليق