المقالة

مأزق حفلة ليبيا الفكري!!

الحل الخيالي لمشكلاتنا!!
وجهة نظر في عرض حفلة ليبيا المسرحي….

مسرحية حفلة ليبيا (الصورة: عن الكاتب أحمد التهامي)

1. ثمة الكثير من القضايا الفكرية والفنية التي يثيرها عرض حفلة ليبيا؛ و ثمة أيضا قضايا فنية؛ وقد اخترت مسبقا أن أتحدث ضمن إطار ربط الفكري بالفني… قصدا …

2. مهما ادعى منظرو الفن بحثا مستجدا عن مقاربة للفن بعيدا عن المحاكاة الأرسطية القديمة إلا انهم في اعتقادي الشخصي سيعودون إليها مرغمين…! صحيح أيضا من جهة أخرى انه لا توجد محاكاة كاملة ولا تامة ولا حتى حرفية…؛ لكن المحاكاة كامنة حتى في أعماق عمل كغرنديزر مثلا أو القط والفار أو الأعمال التي تتحدث عن سفن الفضاء أو عدنان ولينا مثلا…أي في أعمال يغلب عليها إنها خيالية وليست محاكاة خالصة.

3. فالمحاكاة تشكل آلية للمقاربة أي للتمثل والفهم؛ محاولة للتقريب بين ما يشاهده المرء على الركح وما شاهده وخاضه وعرفه أثناء فترات حياته مهما كانت حياته محدودة؛ فالشخص العادي يعتقد تلقائيا إن كل الكون والأحداث تدور حوله هو حول حياته هو لا غير؛ وان كل الأحاديث تجري حول شخصيته هو…. وهو حتى لو تظاهر بانه غير منتبه لما يجري حوله فانه يسال نفسه هل يتحدثون عني؟! هل ثمة عيب في منظري؟! هل وهل الخ…! فكيف تريد لهذا المتفرج العادي ذي الثقافة المحدودة والتعليم المحدود أن يشاهد عرضا مسرحيا يجري على اركحح أمامه دون أن يعتقد أن له صلة بما يعيشه هو؟!…انه لا يملك ما يقيس به ما يشاهده إلا ما سبق ومر به.

مسرحية حفلة ليبيا (الصورة: عن الكاتب أحمد التهامي)

4. الاعتبار السابق قائم في حال اجتهد الكاتب في تغريب النص والعرض بعيدا عن الحياة اليومية العادية للمتفرج؛ فكيف يكون الحال والنص يتعمد الاتكاء على حياة المتفرج اليومية لإجراء اتصال ناجح بالمتفرج؟!!

5.من هذه الصيغة الخاصة جدا –والتي سيتبين إنها ليست خاصة لاحقا – انطلق نص حفلة ليبيا؛ من هذه المساحة التي يلتقي فيها المتفرج المواطن بحياته ذاتها معروضة كما هي على الركح ليناقش في إطار رمزي محدود أزمات ليبيا التي تعيش حربا أهلية؛ فاندلعت على الخشبة حربا أخرى شبيهة أو هكذا افترض المؤلف.

6. ومع ابتعاد فرج عبدالكريم النجم اللامع في الكوميديا الليبية عن شخصية بوذراع التي تشكل ما يشبه العلامة التجارية اللصيقة بشخص فرج عبدالكريم؛ حيث ترك لرياض التاورغي أن يؤدي شخصية تقترب منها؛ كان رياض في السابق يدعوها ( لوزة) وهو نمط الصايع الشعبي قليل الثقافة..؛ إلا أن الضحك لم ينقطع في القاعة ولو لثلاث دقائق متواصلة خاصة في الفصول الأولى؛( الاظلام فقط لعب دور الفاصل )؛ وهذا مؤشر نجاح مؤكد لأي عمل كوميدي؛ فليس من الميسور إضحاك الجمهور بهذا الكم الهائل من الضحك المتواصل…!وهو مؤشر نجاح لأي عمل كوميدي حتى ولو لم ينجح في اكتساب العقول؛ فما بالك وفي العرض حفلة ليبيا الكثير مما يمكن اعتباره تحديا للعقل الليبي ونقاشا لقضاياه؟!!… الم اقل إنها صيغة خاصة..!

7. ومع ذلك ظل يراودني طوال العرض سؤال اعتقدت انه في غاية الأهمية؛ هل تمكن نص عرض حفلة ليبيا من محاكاة واقعنا الليبي فعلا؟!هل المجموعات المتقاتلة والمجموعات المتنافسة في العرض حاكت أختها الواقعية؟!

هل الصياع هم انفسهم صياعنا؟! هل المتدينون هم انفسهم من نشاهدهم في الواقع؟! هل أهداف كل مجموعة مناسبة لأهداف وأداء أختها المجموعة الحقيقية في الواقع الليبي اليوم؟!!
في اعتقادي انه ثمة نقص مؤكد…!
في اعتقادي أن النص والعرض لم ينجحا في المحاكاة الدقيقة…!

فالمتدينون في ليبيا كانوا يريدون إنهاء اللعبة تماما وليس حتى مجرد أن يستولوا على الحفل أو الملعب والمباراة فقط… ولذلك كانت التفجيرات رفقة النصوص الدينية المحرفة وسيلتهم في الصراع؛ أن تساوي بين شلة صياع وبين أفكار لتنظيمات دينية وان تعتبر أن الاثنين يقفان على نفس المستوى بدعوى حيادك أو نزاهتك أو خوفا من فقدانك للجمهور المتدين؛ كل ذلك لا يجعل فكرتك مقاربة لأصلها الواقعي بل يفرض خللا في منطق المعالجة الدرامية تضطر بعده إلى إلغاء الخصومة بدلا عن حلها؛ وهذا بالضبط ما حدث… ثم القفز الى مشهد يجمع الجميع بحب ودون مشكلات… أي نفس الصورة الوردية لليبيا التي يحب فيها الجميع الجميع دون تعب….! صورة اقل ما يقال فيها إنها ليست الإنتاج عقل رومانسي لا يستطيع مواجهة الحقائق ويسعى لإنتاج بديل موهوم يغرق نفسه فيه بدلا عن الحقيقة…!

مسرحية حفلة ليبيا (الصورة: عن الكاتب أحمد التهامي)

8.وحتى في حالة القبول بإنتاج واقع وهمي بديل كان يجب أن يستثمر حضور نقيب فناني بنغازي المعنوي سالم عيسى للوصول تدريجيا الى هذا الحل المفترض باعتباره ((العاقلة ))… لكنه اعتبر كغيره مجرد طامع عادي آخر…!

9. بعد نشوب المعركة بين فرق الشباب؛ جاءت الجلسة الأخيرة في الميدان لتنقل إلينا حيرة المؤلف تجاه نهاية نصه عبر الكلمات المكررة المعاني التي ساقها الممثل الممتاز خالد الفاضلي مقاطعا بها صديقه جمال فوزي ( فرج) دون أن تنجح المناقشة في شيء سوى إيقاف سيل الضحك وإيقاف رتم الحركة تعبيرا عن وقوع أزمة ما …

10. مع ذلك يبقى العرض ناجحا فكمية الضحك التي اطلقها في القاعة خيالية فعلا..!!

مقالات ذات علاقة

كلنا لِبراليون!

من مقالات منتصف اللّيل

المشرف العام

عام «الولايا» (قصة مدينة)

عزة المقهور

اترك تعليق