* استهلال
– الحديث عن أدب الطفل في إفريقيا كالحديث عن مناجم الذهب المغمورة، أو المطمورة عمدا بفعل استعماري مقيت، حديث يطول، توقظ نفوسا تغرق في سباتها منذ اكتشاف تلك القارة السمراء الخرافية التي لا حدود لها في جغرافيا الإبداع، والفكر والتربية والعلوم، جغرافيا تغرق في تراب العبثية الإنسانية وتنهل من غدير أبدية وهم الخرافة الشعبية المظلمة.
تلك هي حقيقة واقع بشري في قارة تغرق في وحل التخلف، والاستعمار، والرّق البشري، والمتاجرة بجسد البراءة في زمن الأقوياء، وفي زمن الأدعياء الذين يتقنّعون بقناع الحرية، والديموقراطية، والحرية المقنّعة التي ترفعها جماعات الأبارتياد والتمييز العنصري المهيمن على القارة.
– لقد أردت أن أفتح هذه الورقة على واقع أدب الطفل في إفريقيا، وأنا أرى حلم تلك الشعوب يزداد توقا الى الحياة العامرة بالأحداث، والتفاصيل الجميلة التي تجعل مسيرتهم حافلة بالمواقف، والمحطات التي تؤسس فيهم عامل الفعل الحضاري المصحوب بالإبداع والابتكار والثقافة والمعرفة. هو حلم لا ينتهي في عمر الأجيال، ولذا نجد عالمنا المترامي الأطراف في قاراته الخمس، يؤكد لنا تلك الحقائق التي بفضلها تصنع الحضارات وبفضلها تزدهر المجتمعات، ولعلّ أهمّ هذه الحقائق هي تلك التي نتلمّس بوادرها في الثقافة والتربية والعلم والمعرفة فلا شيء غير العلم والثقافة والتربية والمعرفة التي تصنع التطوّر الهائل في المجتمعات فيتطوّر اقتصادها وتزدان رفاهياتها التكنولوجية المدنية والعسكرية.
– إنّ الذي يقف على أدغال إفريقيا يدرك حقيقة المأساة التي تعيشها شعوب القارة السمراء، فلا آثر لما يسمّى بالحضارة والتقدّم والرقيّ إلا ما تركته الآلة الاستعمارية من آثار ودمار واقع مزريّ توارثته الأجيال أبا عن جد وجيلا عن جيل.
-ولذا نجد أدب الطفل في هذه القارة يغيب كليّا عن الأذهان في زحمة البؤس والحرمان اليومي، يغيب كل ما هو مقوّم إنساني معرفي وتربوي وابداعي واجتماعي، ولا يظهر من سيمات هذا الأدب غير تلك الخرافات الشعبية البالية التي تعمّق هوّة الذات وتحفر في أبعاد النفس تجليات الوجع المؤلم في عمر الناشئة الصغيرة ولذا أرى أنّ أدب الطفل في إفريقيا هو مسرحية هزليّة ساخرة لم يحسن المؤلفون كتابتها ولم يتقن المخرجون السياسيون إخراجها إلى عالم الوجود كما لم يبدع الممثلون من الآباء والمعلمون والأطفال حسن اختيار تفاصيلها، فأدب الطفل في القارة السمراء يقوم على ضبابية الرؤية والمعنى والفكرة فلا يستند على مقوّم أساسي من جماليات الذوق الأدبي والفني والإبداعي والتربوي فللأسف كلما تردّد اسم افريقيا تبادرت الى الأذهان صورة التّخلف ، والفقر والجهل والحرمان والتهجير القصري والهجرة والحروب والإتجار بالرّقيق وبالأطفال أيضا.، فعن أيّ أب يتحدث الكاتب في دول إفريقيا؟ وهل يستطيع الكتاب خارج هذه الصورة الموجعة، وإذا جئنا إلى البحت عن تلك الأسماء التي تكتب للكبار وللصغار على سبيل المثال لا الحصر، نجد كلّا من (إجنيك سبارك، والشاعر ديل ديتو القاصة سيليا جوزيف من السودان، وابراهيم أحمد من أثيوبيا والشاعر صالح إسحاق عيسى من التشاد وصفية علي سعيد من جيبوتي، وعبدالله كجاما وعلي مصطفى لوان من نيجيريا، وعثمان جو من السينغال…فكلّ واحد من هذه الأسماء يغرق في متاهة معيّنة من متاهات الكتابة، وقد نجد من يخالفني الرأي أو من يوافقني بأنّ أدب الطفل في إفريقيا يفتقد الى كلّ المعطيات الأساسية التي تصنع حدود النّص الموجه للطفل في بلدان القارة الإفريقية ،وذلك في تقديري يرجع الى ذلك التداخل في إشكال الكتابة وحدود اللغة التي يكتب بها كلّ نص أدبي
سواء تعلّق الأمر بالنص الشعري، أو القصصي أو المسرحي، أو الروائيّ. حيث تغلب اللغة (السواحلية واللغة الأمهريّة) على منطقة الشرق، كما تغلب لغة (الهاوسا ولغة الفلاني) على منطقتي الوسط والغرب وذلك بالإضافة الى اللغات الأخرى (الفرنسية والإنجليزية، والبرتغالية والعربية)
– إن المتأمل في هذا الأدب الموجه للصغار في قارة عدد بلدانها خمس وخمسون بلدا قد عجزت منظمة الإتحاد الإفريقي من السياسيين والخبراء والمثقفين والمبدعين إلى أن يجدوا حلا للإشكال المطروح من أجل صناعة الأجيال، وهم يراهنون على مفهوم التطوّر والرّقي الاجتماعي والثقافي والحضاري.، والتطوّر التكنولوجي العابر للقارات. فسلام على أهلنا في إفريقيا وسلام على طفولتنا النائمة.