أشياء تحدث في الغرفة رقم (100)
لم ينتبه (الحاج أنور) كثيرا، لما يعتري (المسكين علي) من مشاكل صحية، فلقد أعتقد أنه وبمجرد توفير الثياب النظيفة، والسكن والطعام الملائم، سوف تتحسن صحة، ذاك البائس، وأن هذا النوع من العناية، هي كل ما يحتاجه ذلك القابع في الغرفة المظلمة في بدروم الفندق الجديد.
لكن شعورا من الازدراء، تولد لدي عُمال الفندق الجديد، فلم يتفهموا الأمر، وخصوصاً سبب وجود هذا المعتوه، كما ينعتونه كلما مر من أمامهم خارجاً أو داخلاً من وإلى الفندق.
يعلم الجميع أن (المسكين علي)، كان يخرج كل يوم مع بزوغ كل فجر من الباب الخلفي للفندق، ويعود عند المغيب، محملاً بالدينارات الورقية والعملات الحديدية.
ولكنهم كانوا في حالة شديدة من التعجب، بسبب إجادته لتلاوة القراءات الكريم في جنبتن الفندق بين الحين والآخر.
لكن همهم الكبير كان يتمحور حول معرفة أين يُخبي ما يجمعه من نقود!
… لكنهم عجزوا عن معرفة ذلك.
فمضت الأيام على هذا المنوال، حيث كان الجميع يتقبل (المسكين علي)، طمعا في الاستحواذ يوما على ما يكتنزه من نقود ليس إلا، فالكل يحلم أن يستولي على ما جمعه (المسكين علي) طيلة مكوثه بالفندق، وبالتالي أخفوا مشاعر الكره والاستكبار تجاهه عن (الحاج أنور)،
(ومصباح) الذين أحضروه إلى بدروم الفندق.
كان البائس (علي) يُمارس مهنة التسول بشكل يومي، وكانوا لا يرونه ينفق المال الذي يجمعه بتاتاً، فأكله ومشربه ومنامه وملبسه، وحتى حلاقته كانت بالمجان، فهي صدقة، وقد تكفل بها (الحاج أنور)، وهذا الأمر قد حيرهم كثيرا وشكل غموضا متعاظماً لديهم، فكيف يتسنى لمعتوها أن يحظى بكرم (الحاج أنور)، وأن يسمح له بالتنقل بحرية بين طوابق الفندق والجلوس في أي ركن يرغب به ومتي يشاء؟
لكن (سعاد وأمها عواطف) كانتا وإلى أبعد الحدود، الأكثر تعاطفاً، مع (المسكين علي) وكانتا تتابعان حركاته وسكناته، ويعالجان أخطائه في حالة وقوعها كما أوصاهن (الحاج أنور) في عديد المناسبات والمواقف.
.. تكاد الطوابق الثلاث الأولي بالفندق، تمتلئ غرفها بالنزلاء، والطابق الخامس يكاد يمتلئ،
أما الطابق السادس والسابع، فقد كاد يخلو من النزلاء فيما عدا بعض رجال لأعمال، والصحفيين الأجانب، فقد طلبوا أن يتم تسكينهم في الطوابق العلوية، وقد رضوا بدفع القيمة الباهظة والمحددة لهذه الغرف خصوصاً وأن نوافذ غرف هذه الطوابق يستطيع قاطنها التمتع من خلالها برؤية كل تفاصيل منطقة الصابري، بما فيها شاطئ البحر.
وبينما (الحاج أنور) منهمكاً في إعطاء التعليمات للعمال، لمح (المسكين علي) يهم كعادته بمغادرة الفندق من الباب الخلفي، كان ذلك في نفس اللحظة التي حضر فيها (مصباح) كعادته كذلك عند الساعة السابعة، فتوقف (الحاج أنور) عن مخاطبة العمال، ووجه كلامه (لمصباح) هذه المرة.
– الحاج أنور باللهجة الليبية العامية:
بالله عليك يا (مصباح) أنريدك أتركب (المسكين علي) في سيارتك، وتمشي بيه لأول عيادة حجامة أتخلي الحجام، يحجمه وتعاود ليا بيه للفندق.
– (مصباح) باللهجة العامية الليبية كذلك:
عليك نور يا (حاج أنور) الراجل دمه متلوث من تعاطي أدوية وعقاقير مخدرة يحشو فيها ليه في مستشفى الأمراض النفسية، ويحتاج إلى تجديد كرات الدم البيضاء في جسمه، من وقت لأخر مع تقليل جرعة الدواء المخدرة المتورط فيها إلى نصف الجرعة بعد كل عملية حجامة.
– الحاج أنور:
برافو عليك يا (مصباح) أهو طلعت أتفكر مثلي بالضبط.
– مصباح ضاحكا:
معناها نحجزوا غرفتين جنب بعضنا في الطابق السابع.
– الحاج أنور:
ليش؟
– مصباح:
لأنك فيلسوف مثلي وعندك سرعة بديهة وتفهم على الطائر.
– الحاج أنور ساخر ومقهقها:
أمغير تواضع يا سقراط، وأمشي بسرعة، احمل المسكين، وحرص أتضيع الوقت، لأن الليلة نبيك تجلس معايا …عندنا مشاغل واجده، ونبيك أقريب مني.
غادر مصباح الفندق جاذبا بعناية (المسكين علي)، إلى مركبته ومتوجها قرب منطقة مستشفى الجلاء بمنطقة (بن يونس) حيث عددا من عيادات الحجامة هناك.
وبينما سيارة (مصباح) تغادر ساحة السيارات الواقعة أمام الفندق الجديد، ومدخله الأمامي، إذ بسيارة أخري نوع (سنتافي) سوداء اللون موديل 2009، تقف في نفس المكان الذي غادرته سيارة (مصباح)، ويترجل منها شخصا أنيقاً، كان يضع نظرات سوداء على عينيه وممسكا لعلبة سيجارة نوع (مالبورو)، بسرعة أشار الي العامل (صالح)، ليحمل حقائبه إلي داخل الفندق.
بضع خطوات ووجد نفسه وجها لوجه أمام موظفة الاستقبال الجميلة (فاطمة)، والتي ارتبكت فحاولت إخفاء ارتباكها بمجرد رؤيتها للشخص القادم، فنجحت حيث لم يلاحظها أحد فيما عدا النزيل القادم.
بسرعة قدمت (فاطمة) للقادم نموذجا للمعلومات، ليملأ إجابات للأسئلة المطروحة، ولم تكبح نفسها عن اختلاس النظر لمعرفة اسم الضيف القادم ومهنته وعمره وحالته الاجتماعية.
فلقد لمعت عيناها وتحركت تفاحة أدم في عنقها الجميل من فرط انسياب لعابها داخل جوفها حين رأته يكتب البيانات التالية:
الاسم: جادالله خير الله أمفوغن
العمر: 37 سنة
الحالة الاجتماعية: أعزب
الجنسية / ليبي
نوع الجنس / ذكر
المهنة: تاجر.
وبمجرد انتهاء (جادالله) من تعبئة نموذج استقبال النزلاء، سربت (فاطمة) ابتسامة دافئة، ورمقته بغمزه ساحرة استوعبها (جادالله)، فتصلبت عروقه، قبل أن ينبس بكلمة حتى.
استدارت (فاطمة) لتختار له غرفة رقم ( 100 ) وهي أجمل غرفة في الفندق ، فهي تقع في الطابق السابع ، حيث تتراي لشاغلها من إحدى نوافذها شاطئ الصابري الرائع، ومن نافذة أخري متاجر سوق العرب ، وكذلك من نافذة أخري يمكن مشاهدة شوارع منطقة الصابري وأزقتها ، لكنها لم تجد مفتاح الغرفة بين المفاتيح ،وحين رجعت باستدارة أخري ناحية (جادلله)، وجدته ممسكا بالمفتاح الخاص بنفس الغرفة، وموجها لها نظرة ساحرة، فارتعشت أوصالها خوفا ثم شوقا، واستنفرت بأعضائها كرما (لجادالله)، وكادت أن تقع علي الأرض أمامه، فلم تفهم كيف وصل الي المفتاح قبلها أو كيف وصل المفتاح اليه ، فهو لم يتحرك ولم يتكلم حتي !!
ولكنها تجهل خفة يد (جادالله)، فتجرأت وتمتمت له دون أن ينتبه (صالح):
أرجوك انتظرني منتصف هذا النهار، ولا تغلق باب غرفتك بالمفتاح أيها الساحر.
توجه (جادالله) الي المصعد ومن خلفه (صالح) الغير منتبه لما حدث ويحدث، مجرجرا للحقائب، حتى وصل الي الطابق السابع والغرفة رقم (100).
وبمجرد مغادرة (جادالله) مكتب الاستقبال الأمامي، أجرت (فاطمة) مكالمة هاتفية مع والدتها تخبرها أنها تلقت دعوة من إحدى صديقاتها وأنها ستبيت هذه الليلة في بيت هذه الصديقة، كونها تحتاجها في تجهيز بعض متطلبات عرس قريبتها.
نظرت (فاطمة) في ساعتها فوجدتها بين الواحدة والثانية بعد الظهر، فغادرت الفندق من المدخل الأمامي ومضت الي نهاية الشارع، ثم عادت أدراجها إلى الفندق متسللة من المدخل الخلفي هذه المرة، مستغلة لحظة مغادرة (عائشة) كذلك لمكتب الاستقبال الخلفي حيث تسربت الي الطابق الثاني لتستدعي المصعد الي الطابق السادس ثم تُكمل السلم إلى الطابق السابع على قدميها، وتلج داخل الغرفة رقم (100) حيث (جادالله) وقد كان ينتظر دخولها وإغلاقها للباب، هامسة له بالمثل الشعبي الليبي:
ايش رأيك “أدق الحديد وهو ساخن توا“؟
– وأضافت باللهجة الليبية العامية:
أنا قررت وعزمت روحي عندك للصبح ماعندكش وين هارب مني.
– تمتم (جادالله) شعرا فقال:
مرحبتين بسمح الطلة، وسمح المبسم، سمح الزول //
الغاية وما عندي ما نقول، أتعيشي اللحظة معاياة طول.
– وأضاف في داخل نفسه:
هابا عليكن بعد تطربن.
وعند سماعها لهذا النوع من الكلام، سارعت (فاطمة) بالقفز علي (جادالله) مُستغلة نحافة جسدها وضآلة حجمها، وارتمت بين أحضانه، ملتفة بذراعيها حول عنقه الصلب ،متكئة بمرفقيها علي كتفه العريض تاركة ساقيها لتلتف كذلك حول وسط (جادالله)، والذي لم يرفض رغبتها الجامحة، بل بادلها رغبة لم تتوقعها ،فحملها براحة يديه بهدوء ودار بها في أرجاء الغرفة مقبلا وجنتيها بشواش بشواش و بشغفٍ عظيم، بل ومتحسسا بأوصاله كل أجزائها المستنفرة تجاهه وانغمس معها تلك الليلة في طريق الإثم والرذيلة طريق النار وجهنم وبئس المصير، عزائه أنه لم يضاجع أنثي منذ أكثر من خمسة سنوات، قضاها بين جدران سجن الكويفية.
في هذا الأثناء هم (الحاج أنور) بالخروج من مكتبه الواقع في الطابق الأرضي، محاولاً غلق الباب بأحد المفاتيح، ويفشل في كل مرة، نتيجة وضعه لعدد كبير من المفاتيح المتشابهة دون علامات.
فهمَ بأن يذهب إلى مكاتب الاستقبال عند المدخل الأمامي والخلفي، فلم يجد أحد فـ(فاطمة) أوهمت الجميع أنها غادرت، وكذلك (عائشة)، فنظر إلى الساعة الحائطية والتي تزين وسط الطابق الأرضي مقابل مكتبه، فوجدها وقد تجاوزت الثانية بعد الظهر بخمسة دقائق.
فقام باستدعاء (سعاد) و (عواطف) من البدروم، ليؤذن عمل (فاطمة) و(عائشة) حتى الساعة الرابعة مساء، وحينها سيجد حلا في هذا الفراغ الوظيفي الخطير.
رحبت الفتاتان بالوظيفة الجديدة، وخصوصا أنهن يرغبن في إثبات الشخصية لينالن حظوة عند (الحاج أنور).
وقبيل دخولهن إلى مكاتب الاستقبال غادر أحدهم الفندق مسرعاً ولم تتبين أي منهن من هو هذا الشخص.
ازدحمت مكاتب الاستقبال فجأة، فأحد النزلاء يرغب في تغيير غرفته وهي المرة الرابعة التي يطلب تغيير غرفته بحجة أنها غير مريحة.
كان يُدعي (رزق الله)، شاباً نشطاً جداً، تعود الجميع علي رؤيته بنوعين من الثياب الصباحية والليلية، فهو يقوم بتغيير لباسه مرتين أو أكثر في اليوم، ولكنه كثير الاستحمام ورائحة الصابون المعطر كانت دائمة الفوحان من جسده، فهو يحرص علي النظافة باستمرار، ولقد كان يقوم بتبديل غرفته بشكل غريب، بحجة أنها غير ملائمة له في كل مرة، فهو يرغب أن يمنح له غرفة في الطابق السابع، و يري نفسه الأكثر ذكاءً من جميع نزلاء الطابق الأول والثاني، وخاصة الذين يشغلون الغرف المحاذية له ،ولقد كانت جميع الغرف التي مكث فيها في الطابق الثاني ، لقد كان يعمل في شراء صفائح و علب المشروبات الفارغة بطريقة جديدة ،وكذلك علب الكرتون الفارغة، فقد أتفق مع عدد عشرة من الفتيات والنساء الأفريقيات والتي وجدهن عند جزيرة دوران سوق الجمعة، ويتخذن من أحراش منطقة اللثامة أحد أحياء منطقة الصابري العريق، مسكنا جماعياً لهن، وطلب منهن أن يقمن بجمع عدد أربعة أكياس صفائح المشروبات الفارغة من أكداس القمامة المنتشرة في شوارع بنغازي حينها كل يوم، وكذلك الكراتين الفارغة، ويقوم بشرائها منهن عند المغيب بثمن جيد، ثم يقوم هو بحملها صباح اليوم التالي بسيارته (نوع كيا الفرسان) إلي مركز تجميع المعادن والخردة في منطقة (أرض شبنة) ليبيعها بثمن أغلي، وهكذا بدأت تتكون لديه ثروة معتبرة، جعلته يفكر في شراء مركباً للصيد ويحاول مساعدة اسر وعوائل هؤلاء الإفريقيات في الهجرة الي شواطئ ايطاليا ومالطا واليونان، حتي يطور من مدخوله المادي بأرباح أكبر.
الغريب في الأمر أن الغرف التي قام بتبديلها بعد قضاء ليال بها، كانت تحمل أرقام متسلسلة
(1) و (2) و(3) و(4).
أجرت (سعاد) مكالمة هاتفية مع (الحاج أنور) لتستشيره في الأمر، فأخبرها أنه أذا ما وافق الزبون (رزق الله) على أسعار غرف الطابق السابع، فليس لدي مدير الفندق مانعاً أن يمنحه حق المبيت في أحداهن، شرط أن يهتم بنظافته ونظافة الغرفة، وأخبريه أن (الحاج أنور) يعلم طبيعة عمله جيدا ويتابعه بحذر.
تبسم (رزق الله) فور سماعه لموافقة (الحاج أنور)، حول استطاعته تأجير غرفة في الطابق السابع مع رجال الأعمال، لكنه طلب طلبا غريبا أخر:
– رزق الله:
حسنا هل يمكنني الإبقاء على غرفتي في الطابق الثاني حتى استخدمها للعمل النهاري وأن أستأجر كذلك غرفة في الطابق السابع في الليل لاستغلها للمبيت؟
أجرت (سعاد) مكالمة آخري (بالحاج أنور) لتتبين الأمر، فأخبرها (الحاج أنور) بعدم الممانعة قائلا:
يالله زيادة الخير خيرين… ثم أضاف موجها كلامه لـ (سعاد) بعد تستكملي شغلك أنريدك في المكتب.
– ردت الصغيرة (سعاد) مبتهجة:
حاضر ياعمو.