سرد

مقطع من رواية: الأشواجند

النزوح؛ من أعمال التشكيلي الليبي رضوان أبوشويشة: أكر يليك على ورق مقمش، 100×70
النزوح؛ من أعمال التشكيلي الليبي رضوان أبوشويشة: أكر يليك على ورق مقمش، 100×70

اتخذت من العتمة ستارا، وصعدت فوق سطح أحد المنازل، وبدأت أقفز من بيت لآخر؛ فالبيوت مصفوفة كأن بعضها يشد أزر بعض، لو سقط بيت تهاوى الحي بأكمله، ناهيك عن السقف الترابي والصفيح، إلى متى يعيش الإنسان في بلادي محروما مهمشا مهيض الجناح، لا بيوت صحية، لا حدائق، لا شوارع، لا كهرباء، مزقوا الوطن ونكلوا بالمواطن المسكين بين الحروب والطوابير أمام المصارف وغاز الطهي والبنزين ولقمة العيش، حقا مسكين أيها المواطن الطبرقي بل الليبي ابتليتم بحكام ومسؤولين يعشقون سرقة المال العام, ويتفننون في بيع الأوطان في اللعب على القانون، وإذلال الإنسان، والتشدق والكذب أمام الإعلام، ليتهم اكتفوا بهذا بل شوهوا المستقبل؛ بزرع أفكار الانقسام بين الشرق والغرب، بين الشمال والجنوب، بل بين الإنسان وأخيه الإنسان، بل استجلبوا لنا الأدوية الملوثة والقديمة، والمواد الغذائية محملة بالسرطان، وجعلوا أرضنا الأبية مقابر نووية يدفن الإشعاع بها ليل نهار، حتى يباد الشعب الليبي داخل الأرحام بل والأصلاب، عن أي تنمية مستدامة تتحدثون والمستقبل يتشوه بفن داخل الارحام!! قاطع سيل تدفق الأفكار شاب في مقتبل العمر، أعرفه جيدا فهو صديق أخي خيرالله، متيم بتربية الحمام مثله، يتسلل يريد ضربي بحجر خوفا على براكة حمامه، ركضت حينها بكل قوتي، كان للحجر صوت يشبه الصاروخ، لو صدمني لقتلني من فوري، حمدت الله أن سلمت بأعجوبة، شد انتباهي مجال الرؤيا، أصبحت أرى لمسافات شاسعة بدقة عالية تفوق صور المرايات القادمة من الأقمار الصناعية، أرى الفئران على بعد عشرات الأمتار تفر من أمامي، لتختبئ في جحورها خوفا، كما شاهدت العصافير على أغصان أشجارها نائمة، رفعت رأسي للسماء، أبصرت الأوز المهاجر رغم الظلام الحالك، سألت نفسي عن سر الرؤية بوضوح هل السبب في الحدقه أما في البؤبؤ الذي يحيط بها، سبحان الخالق مناظر جميلة ليتني كنت أمتلك ريشة الفنان فوزي التاوسكي أو قريحة نصيب السكوري أو بوعزيزة كي أرسم أجمل لوحة أو أقرض قصيدة تكتب بماء الذهب في حي شهداء مريرة المظلوم الذي سقط من حسابات الدولة الليبية على مدى العصور، قاطع تأملي أصوات المولدات الكهربائية المزعجة التي يفوق صوتها صوت محرك الطائرات الروسية الهرمة الرابضة في مطاراتنا، شتت تفكيري عرفت لماذا تفر القطط من البيوت عند سماع المولدات، عدوت حتى وصلت بالقرب من البيت، كانت هناك الفازعة أو قل الطامة، خيمة كبيرة، كراسي يفوق عددها المائة أدركت أنه عزاء أمام منزلي مباشرة، آه يا رب: أرجو ألا تكون أمي، شعرت بضيق في صدري، وألم شديد في رأسي، واغرورقت عيناي، كدت أن أسقط  مغشيا علي لولا أن أحد الأطفال رماني بحجر كاد يشج رأسي، جريت مذعورا، دخلت أسفل سيارة، جلست أندب حظي العاثر أنا من تسببت في موتها، مؤكد أنها ماتت كمدا علي، آه يا أماه!! 

مقالات ذات علاقة

ساعاتٌ بلا ساعاتٍ

جمعة الفاخري

رواية الزئبق

فتحي محمد مسعود

نصّ مفتوح

عمر عبدالدائم

اترك تعليق