يوماً باغتتني طفلتي (عزة)، تلك الصغيرة ذات الخمسة أعوام، بسؤال عن معنى كلمة الانقسام والتي صارت تتردد كثيراً في قنوات إخبارية عديدة تلك الأيام واستمرت؟ لكن أختها (الزهراء)، والتي تكبرها بعامين بطلب ملح، كي تقوم بإجابتها هي بدلاً عنى!
رددت في نفسي متمتماً: “لم لا …لا بأس.. دعها تحاول الإجابة “
.. وسمحت لها بمحاولة الإجابة.. فقالت مجيبة عن سؤال أختها :
” كنا يا بابا ندرس بشكل طبيعي، كلنا (انا وبقية التلميذات.. كان ذلك طوال أيامنا في الصف الأول الابتدائي)، وقد كان يسودنا جواً من الأُلفة والصداقة والمحبة.. كنا ننتظر بعضنا البعض قبل البدء في التراص اليومي ، نُحيي العلم مع بعضنا بفرح وغبطة، هاتفين بنشيد الوطن .. كنا نجلس مع بعضنا قبل مجي مُعلمتنا، وبدء الدرس، كنا نستعير كتبنا من بعضنا البعض، نكتب دروسنا ونتشاور في حل واجباتنا وفروضنا مع بعض، نتحاكى عن رسومنا المتحركة المفضلة كذلك يا بابا.
… كان الجو رائعاً يا بابا
… ومضت السنة الدراسية بكل ود وحب وانسجام، ولكن بظهور النتيجة، وجدنا الكل يحمل تقديراً عالياً، الا وهو ممتاز! غريبة!!
.. غريبة يا بابا..
ثلاثون تلميذة قد نجحن بامتياز، لم أفهم يا بابا، فهناك من كن يأتين متأخرات، هناك من كن يتغيبن، هناك من كن لا يعجزن عن إجابة التطبيقات، وكانت غلطة في سوء عمل إدارة المدرسة، والتي قد منحت بنات المُعلمات، وابنة صاحب الأرض التي شُيدت فوقها المدرسة التقدير نفسه … الممتاز، وهو نفس تقدير التلميذات المجتهدات، كان ذلك مجاملة وتصرف مؤسف جدا من طرف إدارة المدرسة …يا بابا
ثم جاء العام الجديد فبدأ الانقسام …! يا بابا
سألتها كيف؟
قالت:
قسمتنا المُعلمة ورائدة الفصل والأخصائية الاجتماعية في أول صباح دراسي جديد، على المقاعد الدراسية في فصلنا الجديد بحسب النتيجة الفعلية.
لكن الكل لم يتفق ويتوافق، بل احتج بقوة، فبعد مغادرة المعلمات، أخذت التلميذات يتصارعن على المقاعد الأمامية، لأنه وحسب اعتقادهن، أنه قد نجح بامتياز فعلاً !!حسب النتيجة المعتمدة!!
.. لكن المٌعلمات الفضليات كن يعرفن حقيقة ما جري العام الماضي من اجتهادات في تحصيلنا الفعلي، وكن يعرفن، ماذا جري في ردهات الإدارة إثناء اعتماد النتائج السنة الدراسية الفائتة بالتحديد، كذلك هن يعرفن من هو الذي أخذ درجته ونتيجته بكفاءة، فأشادت به ووضعته في المقاعد الأمامية، أما ابنة صاحب الأرض التي شيدت فوقها المدرسة ومتمسكة بالمقعد الأمامي، وبنات المُعلمات الأخريات، فقد صفتهن في مقاعد خلفية الى حد ما، لكن المُعلمات كن منصفات في حقنا، بحسب اعتقادي، فهن أكثرن الغياب وأهملن في كتابة فروضهن في بعض الأحيان.
وهنا بدأنا ننقسم يا بابا
لم نعد نلعب كلنا مع بعض.. لم نعد نقترض أو نتبادل أقلامنا ولا باقي أدواتنا الدراسية من بعض، لم نعد نحكي لبعضنا عن رسومنا المتحركة المفضلة، ولا على أغاني الأطفال، بل تطور الأمر الي أن هناك شكاوى وفتن ومشاجرات وضرب من وراء علم معلمتنا؟
أصبحنا ننقسم… يا بابا أصبحنا ننقسم!!
أليس هذا هو الانقسام الذي سألت عنه أختي (عزة)؟
أدمعت عيناي وطأطأت رأسي لأخفي دموعي التي تقاطرت من تحت نظاراتي السوداء، ودست على البنزين متجاوزا كذلك الإشارة الحمراء، دون أن أدري.