حاوره: مهند شريفة
إبراهيم النجمي أديب ومترجم ليبي مخضرم من مواليد مدينة بنغازي عام 1952م عمل في مجال الترجمة الفورية والأدبية الإبداعية وكانت له تجربة عمل في مجال النفط في أوائل ستينات القرن المنصرم وعمل لسنوات في مجال التدريس، متحصل على شهادة من جامعة كمبردج بإنجلترا في اللغة الإنجليزية، كما انخرط في دراسة اللغة الألمانية من معهد جوتة، له جهد محمود في نقل العديد من المؤلفات الروائية والقصصية من الأدب العالمي من وإلى اللغات الإنجليزية والإيطالية والرومانية والمالطية والألمانية للعربية، نال شهادة الدولة التقديرية في الأدب من الدولة المالطية، نشر أعماله الإبداعية في عدة صحف ومجلات ودوريات عربية ودولية، ولعل من أبرز إنتاجه الإبداعي رواية (العربة) ورواية (للموتى مزامير الميلاد) ومجموعة(من سير طائشة) القصصية، وهو يعكف حاليًا على إعداد موسوعة شمولية مترجمة للغة الإنجليزية تُخاطب القارئ والمهتم الغربي لتفتح أمامه الأفق إزاء الأدب الليبي بعنوان (السيرة الجماعية لأدب القصة القصيرة) وحول أهمية هذا المنجز وما يمرّ به الواقع الثقافي الليبي من معوِّقات إنطلقنا بالحوار معه.
أعلنت مؤخرًا عبر صفحتك على الفيسبوك أنك تعكف هذه الفترة على إعداد دراسة مطولة مترجمة للغة الإنكليزية هي أقرب للتحليل الموسوعي، عنونتها بــ(السيرة الجماعية لأدب القصة الليبية)، حدّثنا عن هذا العمل وعن مضمونه ودلالاته؟
( * نعم فتحت عنوان (السبيل إلى الأعمال الأدبية الليبية) نقلت إلى اللسان الإنجليزي مُجمل ما سطّره الكتاب الليبيون في أدب القصة القصيرة من 1928م، التاريخ المتفق عليه في الأوساط الأدبية الليبية لظهور أول قصة ليبية قصيرة للدكتور ” وهبي البوري ” إلى 2010 م ثم أخترت باستشارة معظمهم ومساعدة مجايليهم ودارسيهم ما رأيناه يمثلهم من أعمال أو يكوّن لنا ولو شبه فكرة عامة عنهم مشفوعة بسيرهم الذاتية وإصداراتهم بأغلفتها وعناوين مخطوطاتهم وهوامش لما ورد في أعمالهم من أسماء لمواقع ومدن وقرى وأشخاص وأمثلة وأقوال وكذلك رأيت توزيع لوحات فنية تشيكلية ومناظر من بلادنا لكبار فنانينا، وبذلك بدا العمل – متكونا من تلقاء نفسه – أشبه ما يكون بعمل موسوعي. لكن ما شغلني وهمّني – فوق هذا كله – هو تركيزي البالغ على تحقيق منهج وثيق الصلة بالترجمة بل لهو في تقديري روحها والتفكير في ضرورة انجازه علي النحو المبتغى والمأمول وهو تجاوز المفهوم التقليدي الذي عادة ما يحصر وظيفة الترجمة في النقل إلى الحفاظ علي حرمة اللسان وخصوصيته والنأي به عن أي تطويع أو تطبيع، وجعله وكما هو سبيل عطاء وثراء وإثراء، فالواقع أن لكل لسان خصوصيته التي يجب احترامها وتوظيفها في ما يطهّره ويزكّيه كما يتوجب تفهّم مسألة أنه سبيلنا الي اللغة والتأكيد على أنها قيمة مشتركة بين العالمين، وليس لكل أمة أو جماعة لغة كما المٌتوارد بل لسان وهذا نطق به القرآن، والقول بغير هذا هو تكييف عمدي للغة وممارسة حجر عليها لان وجودها من خلال التحام لسان بآخر، وليس من لسان واحد لا تأثير فيه أو عليه من هذا اللسان أو ذاك، وإنها– أي اللغة – لتبدو بذلك أقرب أو أشبه ما تكون بقطار محطاته الألسن. إن أيّ لسان في حيّزه أو نطاقه هو لغة، وإذا ما تجاوزه يصير لسانا ، دون هذا المفهوم – وان دعوناها بما دعوناها – ستظل اللغة ناقصة ولابد أنها ستصير الي نكوص أو احتواء أو انقراض اذا ما أنطوت علي نفسها وعاشت بمعزل عن لسان غيرها.
وبعض القصاصين أرهقوني بينما أختار لهم نصوصا للترجمة بسبب من تأثّرهم الكبير بأدب التراجم وتقليدهم له لدرجة لم ينقصني معها إلا أن أطبّق عليهم قول أو مقولة ” بضاعتكم رُدّت إليكم ” وكنت بذلك أراهم لا يملكون من العربية غير حروفها و يكتبون الانجليزية بحروف عربية أو يكتبون بعربية انجليزية! لا تحس أو يحسسونك بأنهم عرب بل أجانب أو مستشرقون عرب! وهي مسألة وان كانت تبدو مقترنة تقريبا ببدايات كتاب كثيرين إلا ان استمراريتها تظل من المشاكل المعرقلة ليس لكاتبها وحسب بل أيضا لمن يريد نقلها الي لسان آخر والذي ان فعل فلا يكون قد أتي بجديد.
هل جاء رصدك الببلوغرافي للقصة القصيرة، انطلاقًا من كونها الجنس الأدبي الذي لجأ إليه الكتاب الليبيين بعد الشعر في مرحلة معينة؟
ليس لديّ رصدًا لقصة قصيرة أو غيرها، هي مرصودة من قبلي من قِبل كتاب وباحثين ليبيين وعلي رأسهم الدكتور ” عبدالله مليطان ” وكل ما فعلته أني أضفت ما لم أجده لديهم من كتاب، ليس إهمالا أو تجاهلا منهم، لكن ربما لعدم خضوعهم لمعايير البحث العلمي أو أنهم – وهذا ما أرجحه – تكونوا بعد اكتمال رصدهم الببلوغرافي، عموما أنا لا أعرف أن الليبيين لجأوا إلى القصة بعد الشعر في فترة معينة، وكل ما أعرفه أن العرب هم بطبيعتهم وربما أكثر من غيرهم من الشعوب الحكّاية أي من الحكائيين أو الراوين ولهم أشكالهم المميزة من خلال قصصهم وسيرهم و أغنى بكثير من قصص وسير الأوروبيين الذين أستفادوا منها ثم فبركوها وصدّروها لنا بعد ذلك كبعض من منجزهم ومستحدثهم ورحنا نقلدهم كما نقلدهم ونحاكيهم في كل شيء. أنا أعتبرتهم – موضوعيا – ككتاب لجنس أدبي واحد (جنس قصة) يدعونهم بما يدعونهم، كتاب قصة قصيرة أو قصيرة جدا أو طويلة أو عريضة، فذلك جميعه لغة في القصابين وهو ما لا يقع بأي حال في نطاق اهتمامي.
ماهي المصادر والمراجع التي استندت عليها في هذه الدراسة؟
ليست دراسة بمعنى الدراسة بل مجرد فاتحة لرؤية تستحق الاهتمام وعلى ذوي الإختصاص من الليبيين خاصة وضعها في الاعتبار، ثمة مواضيع أو موضوعات كثيرة فيها أشرت لبعض منها جديرة بالتركيز عليها ومن شأنها تفتيح أبواب جديدة أمام الكتّاب والبُحّاث.
صدر في هذا الشأن عدد لا بأس به من المؤلفات لعل من أبرزها معجم الأدباء والكتاب الليبيين للدكتور “عبد الله مليطان”، ماهو الجديد الذي يحمله إصدارك؟
عمل ” مليطان ” لا يضاهيه عمل حتى في بلاد العرب وهو مثلي لا أحد في عونه غير الله، أي لم تساعده أية مؤسسة ليبية أو تقدم له يد العون، ولابد لكل من يريد أن يعرض إلى سير الكتاب والأدباء الليبيين من المرور ببوابته وهكذا أنا فعلت، وأكرر أنني لم أعمل ببلوغرافيا بل أضفت وحسب المستجد أو مَن تخلّق لاحقا , إذا كان لدي من جديد فهو نقلي للكتاب إلى الانجليزية، من 1928 إلى 2010 م، وهو على أية حال أفضل من محاولات الانتقائيين الذين حصروا تعريف الأدب الليبي في فلان وعلان فقطعوا الطريق بعد ذلك على كتاب آخرين لربما كانوا أكثر منهم صدقا وإبداعا، نقلت 200 كاتب ليبي إلى الانجليزية ببعض ما رأيته يمثلهم من قصص، بسيرهم الذاتية وعرض كامل لكل منتجهم، أي عناوين مؤلفاتهم وأغلفتها، وكذلك أشتغلت على تنصيص جميع أعمالهم، ذات الأعمال المنقولة إلى الانجليزية، رأيت اظهارها في صورتها الأصل العربية ومع كل قصص لكاتب تناص ولا أقول دراسة، تناص وليس نقدا لأني لا أؤمن بالنقد إلا إذا كان موائما ولما يكون كذلك فلن يكون نقدا بل مواءمة. أنا قصدت أن يكون للكتاب الليبيين إصدارين واحد مترجم إلى الانجليزية ومعه 14 دراسة أدبية نقدية لكتاب عرب وأجانب والآخر نشره بالعربية بتناصه وذلك من باب تعميم الفائدة وتمكين الناس من تعلم اللغة والبحث في أدب كتابها.. أن تناصية الأعمال، أو التناص مع أعمال الكاتب هو غير النقد، النقد موضوع خارجي وتحيّزي والتناص داخلي وتعاضدي، النقد فيه تعييب وتنقيص من قيمة العمل ويظل قبوله أو القبول به على مضض من طرف المبدع والمواءمة جديرة بأن تكون بديلا عن النقد لما فيها من مجانبة ومحاذاة للعمل في حين يعمل النقد على تجنّبه ومحايدته، وهذا ما يمكن للمهتم الاطلاع عليه من خلال تناصيات أعمال الكتاب جميعها في نسختها العربية.
ذكرت بأن عدد الأقلام الكاتبة في ميادين الإبداع في ليبيا يفوق ماهو مسجّل في بلد كبريطانيا، هل تعتقد بأن المبرر للبوح ولزخرفة الكلِم يصبح ملحًّا في مجتمع استهلاكي تطاله الخيبات مثل المجتمع الليبي؟
أقصد كقيمة، كأدب له جدوى في مجتمعه أو له تأثير بالغ أو ملحوظ في التعليم والتربية، وما قصدته كان من الناحية القيمية العددية وليس العكس، الليبيون يتعاملون مع الأدب كقيمة ذات علاقة مباشرة بمجتمعهم ولا يعولون على غير ما سواه والدليل أن مظاهر مكياج الميكانزمات الأوروبية المتمثلة في ابتداعات الحداثة ما كانت لتروق لهم، وحتى عندما ألقت بظلالها عليهم سارعوا فنفضوها عنهم، أنهم لهم مضمونهم الواحد الذي يلتقون حوله وينمّونه ولا يطورونه. نعم هم الأكثر عددا في العالم اذا ما قستهم بعدد السكان، وربما أكثر، وليس من شأني إن كانوا جيدين أوغير ذلك، أنا لست ناقدا، أنا مترجم أدبي، وأعتبر نفسي خدمت الكتاب قبل غيرهم وأنا فخور بذلك. وبعملي هم الآن معروفون في العالم وأشادت بدورهم مؤسسات ثقافية عالمية، وهي فرصة نادرة لمؤسساتنا الثقافية أن تساعدهم وتعمل علي دعمهم، ليس بمجاملتهم والضحك عليهم بتعاقدات الباطل معهم الذي فيه سلب كبير لحقوقهم، إن حكومات بلاد العرب تظلم كتابها ولم توافيهم قدرهم، تضحك عليهم بعمل مهرجانات تسخرهم فيها لخدمتها، تعمل لهم معارض لكتب لا تعدو أن تكون مآتم فصلية أو سنوية، والمرء يذهل أمام ما تجنيه الحكومات خاصة مصر من عائدات تلك اللقاءات أو الملتقيات الجنائزية التي لا شيء يعود منها علي الكاتب الذي لولاه لما تحقق لها شيء من ذلك. لكن اللوم ليس علي حكوماتهم بل عليهم لانهم لم يفكروا في كيان خاص بهم بمعزل عن دكاكين الفحم التي هم فيها الان والتي يدعونها اتحادات وروابط.
هل صوت الكاتب الليبي غائب أم مغيّب في المشهد الثقافي العالمي وفي كلتا الحالتين على مَن تقع مسؤولية ذلك؟
لا، ليس غائبا، إنه موجود ومتواجد لكن ليس كما ينبغي، والسبب سياسة بلادهم التي بدون سياسة، قصة جهل أكثر منها أي شيء آخر، الأشخاص اللذين على رأس السلطة ينظرون إلى الثقافة كشيء ثانوي، أو يتعاملون معها كترف مادي واستمتاع جمالي، ويوظفونها لما لا علاقة له بالمواطن، وهذا ليس في ليبيا فقط بل وباختلاف التفاصيل في كل بلاد العرب، الثقافة لديهم خدمة مباشرة أو غير مباشرة للنظام، معارض ومنصات شعر وقصة وشهادات تكريم لاحياء على حساب أموات، المواطن العربي تعب من إدانة حكوماته المسحورة والحالمة، وليس عليه غير أن يسكت أو يحك رأسه فيفكر ماذا بوسعه أن يفعل بمعزل عنها حتي لو أضطره الامر إلى إرتكاب جريمة!! مشكلة قصة التابع والمتبوع، منطق الحصان والعربة. أدب الكاتب الليبي لا أمل في أن تعرّف به حكومة، مؤسسات خاصة ذات كفاءات عالية ممكن
متى سيكون الكتاب متوفرًا بين يديّ القارىء؟
عندما يكون ثمة تفكير جدي في امكانية خلق موازنة عاقلة ومتزنة بين التنمية الثقافية والاقتصادية.