حاورتها: حوار القمودي.
تبدأ الحكاية من الطفولة، اليد تعشق أقلام التلوين، والطفلة تندهش من ذاك الفيض الذي يشكل فضاء الورقة لونًا إثر لون، والأم التي ترسم وتبتهج لشغف الطفلة، وكما كل الأطفال تحب «رسوم الكرتون» لكن عشقها له ينبع من «طريقة الرسم وتنسيق الألوان.. «كنت أحلم أن أرسم»، هكذا تقول ابنة الثالثة والعشرين ربيعًا، الطالبة بكلية الهندسة قسم العمارة وتخطيط المدن بجامعة بنغازي.
العالم الافتراضي جمعني بالصديقة ميسون صالح، التي أتابع نشاطها في ذاك التجمع «تاناروت» الذي هو نهر يجري، التي أخبرتها عن اهتمامي بلقاء تشكيليات من مدينة بنغازي، فأسرعت كعادتها في كل ما هو جميل لأتعرف على بنت شغوفة، هي أسماء حسين بشاشة، التي كانت أقامت مع الفنانة شفاء سالم، معرضًا في أحضان «تجمع تاناروت للإبداع الليبي»، واختارت هي للوحاتها اسم «عيش الغراب»، وصاحبت المعرض ندوة «الفن التشكيلي في ليبيا – تاريخ ورؤى» عن «واقع الفن التشكيلي في ليبيا وغياب نقاده»، وهذا المعرض وهذه الندوة كانا في شهر مارس.
من أين تبدأ الرحلة؟ والبنت التي في عمر الحب واللهفة مهجوسة بوجع الإنسان وألمه، ترسم رحلته عبر بحر يأكل أحلامه، وتقرأ كما تقول: «لا يوجد نوع معين من الكتب، أقرأ الشعر والروايات غالبًا، ولكن أقرأ أي كتاب يضيف لي ويفيدني على الصعيدين الشخصي والفني». نعم، هي ترسم وجع الإنسان وخوفه من ضياع كل ما هو مألوف وأثير، ولكنها أيضًا تصدح بنشيد الأمل في هذا الحوار سنعرف عن هذه الرحلة، ونكتشف بعضًا من سر الوجع، فكانت هذه الرحلة.
* أسماء.. متى أحبت اللوحة ورأت أنها مكان لقول الذات أو الكتابة ولكن بأداة هي الفرشاة والألوان؟
* وأنا طفلة كان دائمًا في يدي أقلام تلوين، ومن ساعدني أن أتعرف على أدوات الرسم هي «ماما» لأنها كانت ترسم، وكانت رسوم الكرتون تشدني، أظل أتأمل رسمه وطريقة تنسيق الألوان، فكنت أحلم أن أرسم مثله، وطورت تجربتي دون دراسة حتى من «يوتيوب» وربما هذا شيء سيئ، لأني كسولة جدًا في الإطلاع والاستفادة من تجارب الآخرين، ولكن ظللت أعيش مع الأدوات وأجرب وأكتشف، وحتى في مرحلة التدريب اخترت النسخ من الصور وليس من اللوحات، حتى أستطيع إضافة لمستي الخاصة في اللون، لأن اقتباس لوحة ورسمها قد يجعلني آخذ أسلوب الفنان صاحب اللوحة، وبدأت أرسم بوعي فعليًا في العام 2013م، إذ يمكن القول إن هناك ثلاث مراحل مرت بها تجربتي التي مازالت تحبو، أولًا أن أرسم؛ لأني أحب أن أرسم. ثانيًا أرسم، حتى أطور من موهبتي «تدريب». ثالثًا أرسم لأعبر عن نفسي أو غيري،عن وضع موجود، وعن أفكار، أرسم لأحكي مشاعر أو قضية.
* إذًا اخترتِ طريقكِ أو بدأتِ الرسم برؤية؟
* أجل، في 2013/ 2014، كانت مرحلة اكتشاف طريقي في هذا العالم، أي مجال الفن التشكيلي، وأصبحت اللوحة سلاحي أو منبري.
* في سيرتكِ أنكِ مصممة وفنانة في تجمع «تاناروت» مدير قسم المعارض ومتطوعة منذ 2016 حتى تاريخنا هذا.. ما حكايتكِ مع «تاناروت»؟
* وماذا سأقول عن «تجمع تاناروت للإبداع الليبي».. «تاناروت هي البيئة التي صقلت موهبتي، توسعت مداركي ومجال رؤيتي كثيرًا، هي الحاضن لأعمالي ومنه خرجت هذه الأعمال. لقد شاركت في معرض فني بقرطاج في تونس في نهاية العام 2018، وكان نتاج شغلي في تاناروت، ويعتبر المعرض الأول الخاص بي في اللوحات الزيتية وعنوانه «خبز الغراب» والنسخة الثانية منه كانت بعنوان «عيش الغراب»، التي قدمتها خلال شهر مارس في فضاء تجمع تاناروت الرحب الذي «مش عارفة نحكي كويس عليه وشن قدملي»، بالنسبة لي «تاناروت» هو مكان لنمو بذور الإبداع، في كل تفصيلة من هذا المكان أجد علمًا وفنًا ثقافة وإبداعًا أجد فيه تميزًا. النادي السينمائي يجعلكِ تنظرين للأشياء بطريقة أعمق وشكل مختلف، جلسات التثقيف الذاتي التي توسع مجال درايتكِ بالعلم والعالم وتصنع منكِ شخصية مثقفة وليس فقط متعلمة، «تاناروت» يعلمكِ أن تحكي وتعبري وتناقشي بثقافتكِ بفنكِ، بموسيقاكِ، برسمكِ وكتابتكِ، «تاناروت» علمني أن التميز خليط بين الموهبة والثقافة وأن الاثنين جزء لا يتجزأ، ولكي ينمو الإبداع يجب أن تسقيه بالثقافة والشغف.
* تأملت لوحاتكِ أو بعض لوحاتكِ من معرضكِ «خبز الغراب» وأيضًا «عيش الغراب».. أنت مهمومة بوجع الإنسان الذي يغامر بحياته من أجل حياة يراها أفضل؟
«خبز الغراب» لوحات تشكيلية تجسد بعض أسباب الهجرة ووضع المهاجر أثناء الرحلة وعند وصوله، و«عيش الغراب» كان تكملة ونسخة ثانية «لخبز الغراب» وسبب اختياري للموضوع هو «الهجرة» في العالم بشكل عام وفي ليبيا بشكل خاص، وأحببت أن أعبر أو أجسد هذه المأساة، التي يعرفها ويتعرض لها «المهاجر غير الشرعي» للوصول إلى ما يعتقد أنه طوق النجاة من كل مايمر به في بلاده، وسبب تسمية «عيش الغراب» لها بعدان، البعد الأول أن هذا الفطر الذي ينمو في البيئة السيئة هو مثل بيئة الحرب والدمار والناس التي تهرب، لكنني أحببت أن أقول: بإمكاننا أن نزرع بذرة لحياة أفضل،
والبعد الثاني هو كما يقول المثل «When you leave atrail of bread crumbs, it is no surprise when the crow comes colling» أي أن هؤلاء المهاجرين رمتهم ظروف بلادهم السيئة إلى أحضان البحر، الذي سيلتهمهم أو يقذف بهم إلى شاطئ الحلم الذي يترقبونه. ولكن هل نلوم البحر إذا التهمهم؟!
* معرض بعنوان (استبصار) «ديجيتال كولاج» في تاناروت.. تأملت بعض لوحاته ثمة رؤية واشتغال بمهارة.. ما تعليقك؟
* كان في مرحلة الحرب في بنغازي، وهو وقت كان صعبًا حتى لممارسة بعض الأنشطة اليومية، وباللوحات جسدتُ بعض الأحلام المخنوقة للشباب بصفة عامة ولكل لوحة حكاية. و«الديجيتال كولاج» أحد أشكال الفن الغرافيكي، الذي يستخدم صورًا مختلفة وجمعها في طبقة واحدة لتكوين صورة واحدة، أي هو أسلوب الجمع بين عناصر مصورة مكونة من مصادر مختلفة، إما لاعطاء وهم بأن العناصر تنتمي لبعض أو للسماح لكل عنصر بالاحتفاظ بهويته المنفصلة كوسيلة لإضافة فائدة أو معنى، أما الكولاج كتاريخ فأصل الكلمة فرنسية «c0ller»، وتعني «لصق» وهو تكنيك فني يقوم على تجميع أشكال مختلفة لتكوين عمل جديد، واستخدام هذه التقنية كان له تأثير في القرن الـ20 كنوع من الفن التجريدي، فأصبح فن لصق القصاصات جزءًا مهمًا من الفن الحديث. وأول مستخدميه الفنان الفرنسي جورج براك والفنان الإسباني بابلو بيكاسو، وكان بيكاسو أول من استخدم الكولاج في اللوحات الزيتية العام 1912م، ثم استخدمه فنانو السريالية بشكل أوسع، فكان الكولاج نموذج الفن في القرن العشرين، فعملية القص واللصق تشبه فعل الزلزال الذي يحدث تغيرًا غير معروف مسبقًا، ويوجد الكولاج في الموسيقى وهو فن غير بصري يعتمد على مزج من أعمال موسيقية مختلفة لتكوين عمل فني جديد، واُستخدم أيضًا في العمارة وفي الصحافة «التلاعب بالصور».
* جميل جدًا هذا التعريف بهذا الفن «الديجيتال كولاج» ولكن ماذا بالنسبة لكِ ولاشتغالكِ عليه حتى أقمتِ معرضًا وبعنوان «استبصار»؟
* بالنسبة لي هو طريقة من طرق التعبير، بدايته كانت عن طريق اهتمامي بالتصوير، دائمًا نطلع على الصور الفوتوغرافية، لأني أحب تأويلها وإعطاءها بعدًا آخر، ولكن لعدم توفر الإمكانات التي تسمح لي بإنتاج صور فريدة أو عميقة لم أدخل في مجال التصوير، ولكن فكرت في طريقة أخرى للتعبير عن البعد الآخر الذي أراه في كل صورة، وفي نفس الوقت أوظف خبرتي في برنامج «فوتو شوب»، وكما ذكرت الكولاج هو عملية قص ولصق مواد مختلفة لغرض تكوين شيء جديد وله أنواع كثيرة منها الكولاج الرقمي، أي باستخدام الحاسوب، وهكذا وظفت خبرتي وكان الأمر بداية مجرد تسلية لنفسي، خاصة أنا رسامة، وبهذا الأسلوب صرت أكوِّن لوحات خاصة بي، عن طريق إفراغ الصور من معناها ووضع معانٍ أخرى فيها.
* لديكِ إن صحت التسمية «لوحة رقمية» حيث البحر لم يعد صديقًا وبين موج يتكسر ووجه شابة يستغرقني التفكير: هل هي حالمة تطل على عالم لانراه، أم يائسة تحاول الانتحار؟
* كما ذكرت هذه اللوحات كانت في فترة الحرب، وقد يكون الحلم كابوسًا أو فكرة انتحار، فاللوحات تجسد بعض أسباب قد تدفع الناس للغوص في هذا الكابوس، الذي يمكن في النهاية الاستيقاظ منه في مكان آخر، وتجسد الحالة التي يمر بها الحالم خلال الرحلة وعند وصوله.
* وأيضًا كانت لك رحلة أخرى مع الصورة الفوتوغراف، فأنتِ رسمتِ لوحات من خلال الصور ولكن كانت لهذه اللوحات رؤية؟
* نعم، ذكرت لك مراحل تطوري إن صحت التسمية، وكان منها النسخ من الصور وكان هذا في مرحلة التدريب، حيث أرسم لكي أطور موهبتي، وكما لاحظت لم أكن فقط أرسم، بل كانت لدي فكرة، إذا كانت هذه اللوحات صورًا فوتوغرافية لمصورين مختلفين، وحولتها للوحات زيتية، ولم يكن اختيارًا بلا معنى، فالولد الذي يقبض بأصابعه على القلم يقول إن بالتعليم سيتغلب على وضعه، أو بمعنى آخر إن العلم هو سلاحه الذي سيحارب به الفقر مع ابتسامته العريضة، والفتاة السمراء تظهر أو تبرز كمية الجمال الذي يعيش في تلك العشوائيات أو أن الجمال سيظهر حتمًا مهما كان المكان الي نعيش فيه. الجمال يقاوم القبح والفقر، أما لوحتى الصغيرة ، التي رسمتها بفرشاة «الأيلاينر» والتي ربما حجمها 10×12، التي شاركت بها في معرض «imago mundo» في لندن فهي لرجل ليبي يتسلق نخلة مليئة بالعراجين المكتظة بخيرها.
* وأنتِ طالبة الهندسة.. ما مدى اطلاعك على الفن التشكيلي في ليبيا؟
* الاطلاع، أنا كسولة جدًا في هذا الأمر، ربما لأني غير مهتمة أين سأكون في هذا الوسط؛ لأني أرسم من داخلي وأحب أن أكتشف وأطور من أدائي، وأنا في وسط الأدوات فقط وليس باطلاعي، ربما الاطلاع يحصرني في شيء لا أعرف، وطبعًا هذا ليس صحيحًا مئة بالمئة، ويجب أن أكون ملمة، ولكن في بنغازي التي أعيش بها، لا توجد مراكز تؤرخ للفن التشكيلي الليبي وتواكبه، وأستطيع القول تقريبًا ليس لدينا نقاد حقيقيون، حتى عندما يكون هناك معرض فأنتِ لن تحصلي على نقد حقيقي لعدم وجوده.
* ولكن أنتِ شاركتِ في معارض مشتركة وذهبت إلى لندن وتونس.. ما مدى استفادتكِ كمبدعة.. وما الذي تطمحين إليه؟
* أكيد، المشاركة هذه تفتح لي أبوابًا كثيرة لتطوير نفسي وفني، عندما أشارك بأعمالي مع أكثر من فئة وأنظر إلى تجارب الآخرين والتقنيات التي يستخدمونها، هذا يمنحني الفرصة لتطوير ما أنا أحبه، ما الذي أطمح إليه، ربما لا إجابة عندي فأنا لم أدرس في كلية فنون جميلة وهذه موهبة أصبحت طريقة للتعبير عن أفكار ومشاعر، وأظن أن أسلوبي يتطور.
سيرة ذاتية:
أسماء حسين بشاشة
20/ 6 /1996م
طالبة في جامعة بنغازي، كلية الهندسة، مقسم العمارة وتخطيط المدن.
مصممة وفنانة في تجمع تاناروت للإبداع الليبي.
مدير قسم المعارض.. متطوعة من 2016 حتى الآن.
من مؤسسي «تانارورت آرت سبيس» 2018.
شاركت في ورشة عمل «الفن التجريدي» في تاناروت مع الفنان عبد القادر بدر 2017.
عملت دورة رسم وفن الأورغامي «طي الأوراق» للأطفال 2017.
مشارِكة في معرض «كوبسيس للفنون التشكيلية» بنغازي 2014.
مشارِكة في «imago mundo» للفنانين- لندن 2016.
معرض استبصار «كولاج رقمي»، تاناروت 2017.
معرض «خبز الغراب»- قرطاج، تونس 12 / 2018.
معرض «عيش الغراب»- تجمع تاناروت، مارس 2019.